-
هزيمة الممانعة وانتصار التطبيع
يبدو للوهلة الأولى أنّ هزيمة محور المقاومة والممانعة هو انتصار لإسرائيل، بافتراض أنّ المقاومة تقاوم فعلاً إسرائيل، لكن العارف بالأمور يكتشف أنّ هذه المقاومة هي من تسببت بنكبة الشعب الفلسطيني خصوصاً، والعربي عموماً، عندما رفضت هذه النظم الفكرية والسياسية الممانعة كل خيارات السلام المطروحة، وأولها التصالح مع نفسها ومع الحضارة ومع شعوبها.
وصدّرت نفسها للشعب الفلسطيني الذي صار ضحيتها، أيضاً، منذ أن قادها الشيخ عز الدين القسام، فانتظر الفلسطيني هؤلاء المقاومين القادمين، وما يزال، بينما ساروا كالمغول نحو بغداد وبيروت ودمشق وحلب واليمن، ونسوا فلسطين والقدس التي يضعونها فوق علمهم، بينما تشرّد هو كفلسطيني في أصقاع العالم وبقي من بقي منه تحت الحصار يطلقون المناطيد الحارقة، ويخسرون المزيد من الأرض، مؤكدين فقط قضية واحدة، هي استمرار المقاومة حتى آخر قطعة أرض من فلسطين، ودمار كل وجود عربي في دول شرق المتوسط.
المتاجرون بالقضية المركزية الذين يحملون شعار المقاومة للحضارة والديموقراطية، إن كانوا فلسطينيين يعيشون في النعيم بالخارج، أو كانوا دولاً ومنظمات هيّأت لهم شعارات المقاومة، التغوّل على معظم دول الشرق الأوسط العربية، وقتل وتشريد واستعباد شعوبها، هم من يصرّون على الدفاع عن أيديولوجيا المقاومة، ويتهمون من يخرج منها بأنّه خائن وعميل، متجاهلين أنّه خلال سبعين سنة من استعمال هذه الأيديولوجيا قد حققت إسرائيل أضعاف ما كانت تحلم به عند نشوئها، بفعل الظروف التي هيئتها لهم هذه النظم، والتي انتهت بتدمير المنطقة وإدخالها بصراعات وفوضى جعلتها خارج التاريخ.
إذا كان عرفات خائناً ومعه فتح، والملك حسين خائناً، ومحمد الخامس، والحبيب بورقيبة، وأنور السادات، وحكام الإمارات والبحرين والسعودية، وأردوغان،… لأنّهم يقيمون علاقات سلام مع إسرائيل، وكان بشار الأسد وحسن نصر الله هم وحدهم المناضلون، هنا يصبح من الطبيعي أن نرحب بإسرائيل ونتمنى لها النصر والتوفيق والنجاح والتفوق والسداد لرمياتها، فما فعله حسن سفاح لبنان، ومعه بشار سفاح سورية، يجعل كل عاقل أو صاحب ضمير يرحب بضربات جيش الدفاع الإسرائيلي، كونه الوحيد الذي يستهدفهم، بينما يترك جيش التحرير الفلسطيني تحرير فلسطين ليتجه لتحرير حلب من شعبها دفاعاً عن سلاح المقاومة الذي استعمل كله فوق مدن سورية.
هل يظن الفلسطيني أنّه خسر وطنه وأرضه بسبب خيانة العرب له وعدم وقوفهم وراء المقاومة؟ وهل يظن أنّه في يوم من الأيام كان فيه العرب قادرين على مواجهة ظروفهم، ولو كانوا كذلك فلماذا دخلوا في حروب أهلية وتحولت بلدانهم لبلدان فاشلة حتى البعيدة جداً عن فلسطين، كاليمن والجزائر وليبيا والعراق؟ لا يا أخي يا من تصدق كذبة أنّك فلسطيني وأنا سوري، لقد خسرنا قضية فلسطين وأرضها لأنّنا اندفعنا وراء العاطفة وأيديولوجيا الهوبرة، لم نفكر بعقلانية أو نحسب حساب الظروف الصعبة التي وضعنا فيها بسبب تهجير اليهود وتوطينهم في أرض فلسطين من قبل أوروبا والغرب عموماً، بل تركنا الجاني واتجهنا لمحاربة ضحية المحرقة والتهجير، الذي استطاع كسب دعم وتعاطف كل العالم الذي يطمع في السيطرة علينا، وحوّله لأداة من أجل ذلك، فأصبحت المقاومة هي شرط قوته وبقائه.
ترك الشعب الفلسطيني لمصيره، بعد أن عصبت عيناه وخدّر عقله وأوهم بحتمية انتصاره، بسبب المحيط العربي والإسلامي المتمسك بالقدس، بل دفع للتورّط في حروب أهلية مع أقرب الشعوب الشقيقة، في الأردن ولبنان ثم سورية، ولم يترك له من صديق سوى حسن نصر الله وخامنئي، الذين قتلوا وشردوا أضعاف مضاعفة ممن شردتهم إسرائيل، وهكذا صار في طريق خسارة كل شيء وتضييع آخر ما تبقى من قضية بتحالفه معهم.
ألم يحن الوقت لكي يكتشف أنّه استخدم الأداة الخاطئة، وأنّ إنقاذ ما تبقى من قضيته، يشترط استخدام أيديولوجيا أخرى، وأنّ إقامة السلام في المنطقة سوف يتيح له فرص العيش الكريم كمواطن بدلاً من أن يستمرّ لاجئاً فقيراً محاصراً بحق العودة التي لا أمل في حصولها حرباً، حتى لو حررت إيران القدس بقصفها بقنبلة نووية؟.
ليفانت – د. كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!