-
لماذا لا يعود اللاجئون السوريون إلى بلدهم ؟!
لماذا لا يعود اللاجئون السوريون الى بلدهم ؟! سؤال يخرج مختالاً من مسؤولي بعض دول الجوار وبعض إعلاميها وفنانيها بين الحين والآخر، - وهي دول تستضيف مشكورة اللاجئين السوريين - سؤال مر بطعم البلاهة والعنصرية ومع هذا سأجيب عنه: كان بودي وبود جميعنا نحن الذين خرجنا من بلدنا عنوة أن نعود الى بلدنا، إلا أننا ببساطة نؤمن بالحياة ولا نريد الموت، ببساطة يريد اللاجئون لأولادهم أن يجربوا طعم النوم دون أصوات القصف والبراميل المتفجرة التي قد تبعثر اشلائهم في اي لحظة، يريد الأباء والأمهات لأبنائهم أن يتنفسوا الأوكسجين وليس غاز الكلور كما كل الاطفال خارج بلدهم، يريد شبابنا ممن خرجوا من سوريا أن يتعلموا ويعملوا أن يتزوجوا وينشئوا اسرهم كما هي سنة الحياة ومسيرتها الطبيعية، لا أن يساقوا إلى الخدمة العسكرية التي يراد منها الدفاع عن كرسي ديكتاتور يحكمهم "دون مشورتهم" ويمتص دمائهم فيقتلوا أو يقتلوا في ظل حرب عبثية تحركها عشرات القوى من الداخل والخارج لمصالحها الخاصة وليس لخدمة وطنهم..! في سوريا الداخل انهيار كامل للمجتمع لا يقل خطورة أبداً عن الإنهيار الاقتصادي والأمني والخدماتي في البلد. الإنهيار الاجتماعي في سوريا يتجلى في تفكك المجتمع عمودياً وأفقياً وما نتج عنه من أزمة هوية يعيشها السوريون في ظل حالة من التشظي وانعدام الثقة بكل شيء.
الأسر السورية في بلدي تتقاسم الموت، والسوريين يخسرون خيرة شبابهم كل يوم سواء بالموت، أو اللجوء هرباً من هذا الموت، الاعتقال والتعذيب، الخطف، السوق إلى الجندية، أو الإختفاء القسري، ويعاني بعض منهم من الضياع في المخدرات وانعدام الفرص في مستقبل أفضل.
نزف المجتمع السوري خيرة أبناءه وبناته الذين هربوا من البلد وتوزعوا على العالم كلاجئين، وبينما يحاولون الوقوف على أرجلهم والبدء من جديد في تلك الدول، ينظر إليهم العالم وكأنهم عبئ وتهديد، وببعض الأحيان يتم استخدامهم كأوراق سياسية لدولة على الأخرى فيهدد مرة بإطلاقهم عبر الحدود، واعادتهم، ومرة أخرى تطلب الأموال من المجتمع الدولي بسبب وجودهم في تلك البلدان لشكل مستمر وهو أمر مفهوم بسبب ضخامة عدد اللاجئين في دول لم تكن جاهزة لمثل هذا التضخم السكاني المفاجئ، إلا أن المشكلة باتت ممجوجة في تعليق كل مشكلات تلك البلاد على وجود اللاجئين بشكل مبالغ فيه ومقزز في بعض الاحيان، فيحمل مسؤولي تلك الدول اللاجئين وزر اخفاقاتهم على مستوى السياسة، الخدمات، العجز الاقتصادي، وحتى القمامة و التلوث، بل حتى ازدياد مرض السرطان! ويخفف من مشاعر الألم تلك أن الشعوب ومثقفيها بمعظمهم في تلك الدول يعبرون عن موقف إنساني رائع في دعمهم للاجئين ورفضهم للخطابات العنصرية تلك وترفع لهم القبعات لهذا الموقف.
أما في داخل سوريا فتتفشى ظواهر مرعبة من العنف والخطف والمخدرات، وينقسم المجتمع في داخل سوريا إلى طبقتين أساسيتن احداهما فقيرة معدمة، و أخرى فاحشة الثراء جنت أموالها تلك كنتيجة حتمية لتجارة الحرب ولاستغلال حاجات الناس، وهي طبقة مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بنظام الأسد و أجهزته الأمنية أو لجانه الشعبية، أو بتجار الحرب عموماً بكل اصطفافاتهم، وبين هاتين الطبقتين تعيش شريحة أخرى من السوريين الذين يحصلون على رواتب لا تكفيهم لدفع اجار المنزل وشراء احتياجات أطفالهم بما يشبه الموت أكثر من الحياة.
في سوريا هناك أطفال لم يتلقوا التطعيم، و لا التعليم لأنهم كانوا يعيشون بمناطق محاصرة وغير مخدّمة، وهناك حالات من الزواج والطلاق والولادات والوفيات لم تسجّل بالقيود بسبب ظروف الحرب التي عاشتها تلك المناطق وهو ما يخلق فوضى قانونية ستؤثر حتماً على أبسط حقوق هؤلاء الأفراد واحتياجاتهم .
لا يمكن البدء باستراتيجيات وخطط شاملة لإعادة بناء الإنسان السوري والمجتمع في سوريا أن لم تنته هذه المرحلة السياسية وتبدأ البلاد بمرحلة سياسية جديدة تضمن فيها حقوق الأفراد وكرامتهم وحريتهم، بحيث يمكن حينها أن يعود اللاجئون السوريون إلى بلدهم ليساهموا في البناء ويوقفوا نزبف الشباب في المجتمع ويكونون عماد بناءه مجدداً، سيعود حينها كل من خرج دون خوف من الاعتقال أو الملاحقة أو الموت بقذيفة طائشة أو رصاصة قناص.
لايمكن الحديث عن استمرار الحالة السياسية في سوريا بهذا الشكل إذا كان يريد المجتمع الدولي لهذه الكارثة الإنسانية أن تنتهي ولهذه المجتمع أن يستقر واللاجئين أن يعودوا ، استقرار سوريا وإعادة بنائها حجراً وبشراً تحتاج إلى نهاية هذه المرحلة السياسية السقيمة والبدء بمرحلة جديدة تطمئن السوريين في الداخل والخارج، وتضمن وجود آليات فعّالة لإنعاش البلد وإعادة إعماره على مستوى البنيىة التحتيه والمؤسسات من جهة، وعلى مستوى الفرد والمجتمع من جهة أخرى، وذلك عبر استراتيجات التنمية البشرية و تكريس قيمة المواطنة وحقوق الإنسان وكرامته في المجتمع في ظل سيادة القانون.
إن ترميم النسيج الاجتماعي في سوريا يحتاج و بأسرع وقت ممكن إلى إطلاق آليات العدالة الإنتقالية، وإنجاز قفزات نوعية على مستوى ملف الكارثة الإنسانية بما يرتبط به من قضايا أساسية مثل ملف المعتقليين والمختفين قسرياً وكف الملاحقات، هذه القضايا لا بجب أن ترتبط بالمسار السياسي للمفاوضات لأنه ترتبط بشكل مباشر بحقوق الإنسان التي لايجب أن تكون خاضعة للتفاوض والابتزازات السياسية.
لماذا لا يعود اللاجئون السوريون إلى بلدهم ؟!
لماذا لا يعود اللاجئون السوريون إلى بلدهم ؟!
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!