-
سهير الأتاسي لليفانت..أخطائي لم تكن كبيرة جداً وأهمها التعاون مع وسام طريف
حاورتها: نور مارتيني
• أول إرهاصات الثورة عندما تحرّك الشباب في الجامعات عام 2003 احتجاجاً على المرسوم الذي أوقف العمل على توظيف المهندسين بعد التخرّج
• اندلاع الثورة فاجأ المعارضة السورية
• . أهم أخطاء النسويات هي الفصل بين الحِراك النسوي والسياسة
• لم أتحدث عن ارتكاب "أخطاء كبيرة" في المنشور الذي نشرته على الفيسبوك، ولم أتحدث عن "مبالغ طائلة"
• أغلب اعتقادي أن سبب إبعادي هو التخوف من إغضاب دولتين داعمتين لوسام طريف.
• رياض سيف أصرّ أن أحمل هذه المهمة لأن الائتلاف بحاجة إلى (وجه) يخاطب المجتمع الدولي
• أعتقد أن المعارضة التقليدية لم تكن تصلح أساساً لتمثيل الثورة
• قبلت بالأجر المرتفع الذي ورد في جدول الأجور، لأنه ثمة من يحمي الجميع، وأنا كنت أنا بلا ظهر أستند إليه
• كان هناك ملفاً يتعلق بمبلغ أخذه وسام طريف إلى لبنان بهدف شراء أرض لبناء مخيم للاجئين عليها، وبعد التدقيق اتضح أنه لم يتم شراءها
سنوات عشر مرّت على اندلاع الثورة السورية، نشأ خلالها جيلٌ كاملٌ لم يَعِش تفاصيل الثورة الحقيقية، ولا الإرهاصات التي سَبقت مخاض هذه الثورة منذ مطلع الألفية الثالثة، جيلٌ لم يطّلع على الحراك السلمي للمثقفين والأكاديميين، وبالمقابل فهو لا يملك الوقت ولا عوامل الرّفاهية التي تمكّنه من مراجعة هذه المرحلة.
هذا الجيل، فتح عينيه ببساطة على أصوات المراصد التي ترصد طائرات الموت، أو مشهد الأب الحائر أمام جوع أطفاله وعجزه عن تأمين القوت لهم، جيل حُوصر في حمص ودرعا والغوطة، ويحاصر اليوم في إدلب. ورغم أنّه نجا من المفخّخات وقصف الطيران، فيما لم ينج من الأمراض والتشوّهات النفسية والجسدية..
سهير الأتاسي واحدة من الشخصيات التي تحمل دلالة رمزية بالنسبة للجيل الذي عايش مرحلة البدايات، من خلال منتدى والدها جمال الأتاسي، والذي كان آخر منتديات المجتمع المدني التي تمّ إغلاقها على يد النظام السوري، لتعلن القبضة الأمنية للنظام السوري نهاية مرحلة ما عرف باسم "لربيع دمشق".
من اللافت أنّ سبب إغلاق منتدى جمال الأتاسي، يعود إلى أنّ المعارض السوري علي العبد الله ألقى فيه وقتها كلمة مرسلة من قبل المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين صدر الدين البيانوني، والمحظورة من قبل النظام السوري.
شغلت الأتاسي منصب نائب رئيس الائتلاف المعارض، والذي كان يشغله معاذ الخطيب وقتها، واستقالت على خلفية اتهامها بالتورّط في ملفات فساد خلال الفترة التي شغلت فيها منصب رئيس وحدة تنسيق الدعم التابعة للحكومة الموقتة، والتي تهتم بإدارة الاموال والمساعدات التي تصل إلى السوريين.
تفاعلت القضية بشكل كبير لتصل ذروتها في ديسمبر/كانون الأول عام 2013 وتعلن سهير الأتاسي استقالتها من منصب رئيس الائتلاف السوري المعارض، ولكن القضية تفاعلت بشكل كبير، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وما زاد الأمر غموضاً هو التزام الأتاسي الصمت وعدم الرّد على هذه الاتهامات.
ابتعدت سهير عن دائرة الضوء لسنوات، غير أنّها في الآونة الأخيرة عادت لنشاطها على صفحة فيسبوك القديمة، وبدأت نفي بعض الشائعات التي تناولتها شخصياً، ومن ثمّ قالت أنها بصدد الحديث عن أخطاء الماضي..
في الحوار التالي تحاول ليفانت الوصول إلى الحقيقة مباشرة دون وسيط، مع محاولة لتسليط الضوء على محطات مهمة في حياة سهير الأتاسي، والتي مكّنتها من تصدّر مؤسسات المعارضة، وجعلتها محطّ اهتمام وسائل الإعلام، وبالتالي عرضة للكثير من الأقاويل والشائعات التي نالت منها شخصياً.
تلفت ليفانت اهتمام متابعيها إلى أنّ سهير الأتاسي احتجّت على صياغة بعض الأسئلة، واعتبرتها انجراراً وراء التهويل الإعلامي الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أننا أّكّدنا بأننا نسعى في الحوار التالي إلى تقديم الحقائق، نقلاً عن المعنيين بالأمر مباشرةً، من منطلق المصداقية والأمانة الصحفية.ِ
1- في ذكرى انطلاق الثورة السورية، لا بدّ من أن يستحضر المرء إرهاصات ما قبل الثورة، تحديداً ربيع دمشق ومنتدى جمال الأتاسي، إلى أيّ حد كان لهذه المرحلة دور في تحضير الشارع السوري للثورة ضد نظام الأسد؟
أعتقد أن تلك الفترة التي سبقت الثورة، والحراك المدني الذي تجلّى بتجارب المنتديات وربيع دمشق، كانت عبارة عن عمل تراكمي، فلا يمكننا فصل الثورة عمّا سبقها، ولكنّ اندلاع الثورة في تلك الظروف وبذلك التوقيت فاجأ المعارضة السورية.
وما ميّز ربيع دمشق هو بدء النشاطات العلنيّة، وظهور شخصيّات مستقلة وليس فقط أحزاب، حيث بدأ نشاط منظّمات حقوق الإنسان ولجان إحياء المجتمع المدني والمنتديات، التي تميزت بنشاطها العلني وبفعاليتها الملموسة وعدم الاكتفاء بطرح الآراء والبيانات.
الانعطافة الحقيقية التي أعتقد أنه كان لها أكبر الأثر في الثورة السورية كانت في الحراك الطلابي والجامعي، والتي بدأها طلبة جامعة حلب عام 2003، ومن ثمّ جامعة دمشق، حيث اعتصم طلاب كلية الهندسة وتضامن معهم طلبة كلية الطب، احتجاجاً على المرسوم الذي أوقف العمل على توظيف المهندسين بعد التخرّج من الجامعات.
أعتقد أنّ الحراك الشبابي هو التحدّي الأكبر للنظام الذي يعتبر أنّ الجامعات هي المحرّك الأكبر الذي يحرّض ويعمل على التغيير، وبالتالي كان النظام متخوّفاً من حراك هذه الفئة أكثر بكثير من تخوّفه من حراك المعارضة الكلاسيكية. وكان منتدى جمال الأتاسي هو المنتدى الذي أعطى المنبر للشباب لطرح قضيتهم، وكان النظام يستغل اسم منتدى جمال الأتاسي ليروّج لفكرة انفتاحه على الحرّيات في الوقت الذي أغلق فيه بقية المنتديات، وفي الوقت الذي رفض فيه البعض من رموز المعارضة التقليدية إتاحة هذا المنبر للشباب لأنهم اعتبروه تحدّياً للنظام. ولكن بقيت مجموعة داخل مجلس إدارة المنتدى، وكنت منهم، متمسكة باستثمار وجود المنتدى إلى حده الأقصى وتجاوز "الخطوط الحمراء" التي فرضها النظام، ومشاركة الشباب هذا المنبر للتعبير عن رؤاه وتطلّعاته، حتى أننا كنا نعمل على تأسيس منتدى جمال الأتاسي للشباب، وذلك هو السبب الحقيقي لاعتقال مجلس إدارة المنتدى ثم منعه وحصاره عام 2005، حيث ورد في قرار المنع أن المنتدى بدأ باستقطاب شريحة الشباب.
من المهم ألا ننتقص من أهمية الحراك السياسي النضالي للمعارضة التقليدية، ولكن يجب أن نبرز الدور المهم الذي لعبه هؤلاء الشباب، والذين كانوا المحرّك الأساسي للاعتصامات التي تمت تضامناً مع ثورات الربيع العربي، وكان بينهم من خرج في اعتصام الداخلية عام 2011، ومنهم من كان في مظاهرة الحميدية في 15 آذار 2011 مثل صبر درويش، بالإضافة بالتأكيد إلى طاقات شابة ساهمت في هذا الحراك، وكانت أكثر جذرية من المعارضة التقليدية البراغماتية.
2- كسيدة سورية شاركت في صناعة البدايات، دفعت ضريبة مضاعفة منذ مرحلة ما قبل الثورة، ما هي الضريبة الأكبر التي تعتبرين أنك دفعتها على الصعيد الشخصي، وكامرأة سورية نالها نصيب مما نال النساء الأخريات اللواتي تمرّدن على ممارسات النظام؟
كسيدة سورية سياسية معارضة ومطلّقة، وفي ظلّ غياب الأب، كون والدي الدكتور جمال الأتاسي قد توفي منذ العام 2000، تحوّلت إلى الركن الأساسي في عائلةٍ قوامها والدتي وولدي الوحيد. ونظراً لنشاطي السياسي فقد كنت دائماً عرضةّ للمطاردة والملاحقة والاعتقال، ولكنني كنت أتحمّل مسؤولية ترك تلك العائلة للريح وبدون سند، فالرجال عندما يُعتقلون يتركون العائلة للأمهات، الأمر الذي دعا ولدي لأن يأخذ مسافة عاطفية عني بعد اعتقالي القصير الأول عام 2005، حتى يتمكن من الاستمرار في دراسته ومسؤولياته، كان قراره واعياً وموجعاً له ولي في آن معاً، كان قراره أكبر من عمره بكثير، واستسلمت لذلك القرار لأنني كنت قد حسمت خياري بالمضيّ في الطريق الذي بدأته، وكانت معركة مجهولة المصير في مواجهة نظام الأسد، ولهذا اخترت أن أتجاوب مع القرار الأقل أنانية من طرفي، وهو البقاء على مسافة من عائلتي ليكون غيابي المحتمل أقل وطأة عليهم.
وفي مرحلة الاعتصامات التضامنية مع ثورات الربيع العربي تلقّيت تهديدات بالاختطاف والاغتصاب والقتل، وكامرأة سورية تحمّلت الكثير من قبل النظام الذي يطال النساء بطريقة مختلفة، وللأسف من قبل بعض المعارضين أيضاً، فقد كنت عرضة للكثير من الشائعات والتهم التي نالت من شخصي وسلوكياتي وعائلتي. فلم يكن الانتقاد موجهاً لأفكاري أو آرائي ومواقفي، بل كان متمحوراً حول كوني امرأة، وكان الأذى مضاعفاً، فالاتهامات بالعمالة التي واجهتها من قبل النظام -على قسوتها- كانت أخف وطأة من الاتهامات التي نالت من سلوكي وأخلاقي وأمانتي، سيما بوجود ابني الشاب الذي تتأثر نفسيته بالتأكيد بسبب هذه الاتهامات، خصوصاً وأنني ووالدتي المرحومة الوحيدتين في عائلته الصغيرة.
وما يدعو للأسف أن بعض الجهات التي من المفترض أنها محسوبة على الثورة انتهجت نهج النظام، وبعد قيام الثورة التي كانت من أجل القضاء على النظام وعلى أساليبه الرخيصة، صارت تلك الجهات تتناقل الاتهامات وتعمل على تكريس انطباع خاطئ وظالم بحقي، ما دعا صفحات النظام إلى إظهار الشماتة بي.
الأمر ببساطة يعود إلى أنّ الطرفين تعاملا مع المرأة العاملة في الشأن العام على أنّها وجه، ولم يتعاملا مع أفكارها وآرائها وموقفها السياسي.
3- نشرت على صفحتك على فيسبوك منشوراً تحدّثت فيه عن الأخطاء التي ارتكبتها على الصعيد الشخصي، برأيك ألم يأت هذا الاعتراف متأخرا؟ وهل ما زال من الممكن تصويب أخطاء السنوات السابقة؟
بخصوص موضوع الأخطاء، بعض المقرّبين مني يعلمون أنني تحدثت في بعض اللقاءات والاجتماعات، وخصوصاً تلك التي تتحدث عن المراجعة، عن ضرورة إجراء مؤتمر صحفي يرمي إلى مكاشفة السوريين بمالنا وما علينا. فمن يعمل يخطئ، خاصةً وأننا كنا نعمل في ساحةٍ بالغة التعقيد من حيث العوامل الداخلية والخارجية، ولست بصدد تبرير هذه الأخطاء، والتي كان مردّ بعضها إلى أنّ العاملين في الشأن السياسي مارسوا النضال السياسي سابقاً وليس العمل السياسي، فقد عمل النظام على إلغاء الحياة السياسية في كل سوريا، حتى منتدى الأتاسي كان محاصراً ولم يتح له المجال أن يمارس نشاطه على منابر المراكز الثقافية للقاء القاعدة الشعبية العريضة. هؤلاء الناشطون السياسيون وجدوا أنفسهم أمام مسؤولية إدارة مؤسسات بأكملها، السياسية والمدنية والإغاثية والحكومة المؤقتة، حيث يفترض بمن يتصدّى لهذا النوع من العمل أن يتمتّع بالخبرة غير أنّ الواقع كان هو أننا كنا جميعاً نخوض التجربة للمرة الأولى نسبياً.
طبعاً كنت قد صرّحت بأنني سأدلي بشهادتي قريباً عن تلك المرحلة، لأنّ أحداً ما لم يكن مطّلعاً على ماهية ما يجري داخل تلك المؤسسات، طبيعة التكتّلات والتجاذبات وأحياناً المعارك، ولم نكن قادرين على إخراج تلك الأمور للعلن، كيلا يستغلّ النظام تلك الثغرات لصالحه، وأبقيناها محصورة داخل المؤسسات.
تلك المكاشفة التي اقترحت أن تتم في مؤتمر علني، كان من المفترض أن يكون الحديث فيها عن العوامل الذاتية ومثيلتها الخارجية التي تسبّبت بالأخطاء التي وقعنا فيها. وحتى لو أتت المكاشفة متأخرة بسبب التخوف من استغلال النظام لها، ولكن من الأفضل أن تكون الصورة كاملة فيها، وغير مجتزأة.
الحديث عن الأخطاء متاح دائماً، أياً يكن حجمها، وليس جميع من يخطئون يتعمّدون ذلك. ثمّة أخطاء غير مقصودة، أو أنّ هناك من يرغب في التراجع عن خطئه والقول بأنّه لم يعد يصلح لقيادة المرحلة القادمة، والحكم في ذلك متروك للناس. ومن يتحدّث عن هذه الأخطاء ليس بالضرورة أنه يريد من ذلك العودة إلى الواجهة، فقد تكون الغاية من الحديث عن الأخطاء الماضية تجنيب الجيل الذي سيقود القضية في المرحلة القادمة الوقوع في الخطأ ذاته.
اقرأ المزيد: رئيس الائتلاف السابق خالد خوجة مؤسساً في حزب إخواني تركي جديد يقوده داوود أغلو
4- أنشئت كيانات نسوية كثيرة خلال السنوات الماضية، وتعدّدت التوجّهات في هذه الكيانات، ما هو تقييمك للحراك النسوي والطريقة التي يدار بها، وهل يلتقي مع تطلّعاتك ورؤاك كسيدة سورية؟
بالتأكيد لدينا ناشطات نسويات قدّمن مجهوداً عظيماً من أمثال د.مية الرحبي واللواتي بدأن حراكهن النسوي منذ ربيع دمشق، ولكن برأيي الشخصي ظلّت الكيانات النسوية منقوصة الفعالية، لأن عدم وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار السياسي والسيادي يجعلها غير قادرة على استكمال الدفاع عن النساء وتحصيل حقوقهن بشكل فعلي، وعندها تكون المرأة غير قادرة على المشاركة في صنع التغيير في المستقبل، سواء أكان في الدستور أو في قانون الأحوال الشخصية، وتكتفي بالضغط مع باقي النساء سعياً وراء ذلك التغيير.
باعتقادي أنّ بعض الكيانات النسوية ارتكبت أخطاءنا ذاتها في الثورة، ذات أخطاء التنسيقيات والكيانات الثورية التي ظهرت لاحقاً، والتي فصلت بين الثورة والسياسة، واعتبرت العمل في السياسة خطيئة على أساس أنّها تسلب الثورة نقاءها، وهو نفس النهج عندما ارتأت بعض النسويات الفصل بين الحراك النسوي والسياسة، والذي أدى إلى بعض القصور في الوصول إلى الهدف. وبعضهن تركّزت مطالبهن على طلب المقاعد في الكيانات السياسية القائمة، كالائتلاف وهيئة التفاوض والوفد المفاوض واللجنة الدستورية، وتلك المؤسسات قائمة أساساً على المحاصصات وعلى توازنات معينة مرتبطة بالتكتّلات التي صبّت اهتمامها بالمعارك الانتخابية والوصول إلى الهيئات القيادية، ولأنّ تلك المؤسسات تعتمد، في أغلبها، وجود المرأة كصورة ووجه، وحفاظاً على توازناتها ومحاصصاتها، صارت تلجأ إلى انتقاء نسوة يسهل إدارتهن والتحكم بقرارهن.
هذا الاستسلام للأمر الواقع يعتبر قصوراً في أداء بعض الكيانات النسوية، والتي لم تسعَ لتكوين كيان سياسي نسوي يصنع المشهد والقرار، وللأسف أغلب تلك الكيانات توجّهت إلى الائتلاف أو هيئة التفاوض واكتفت بالمطالبة بالمقاعد. وكانت الكوتا الوحيدة المتاحة في قيادة الائتلاف هي منصب نائب الرئيس، وبالتالي كان التنافس نسائياً بامتياز، ولكن أياً من تلك النساء، بمن فيهن أنا، لم تحاول أن تنافس الرجال على مقعد رئيس الائتلاف أو الأمين العام.
من وجهة نظري يجب على النساء أن يتجهن إلى تشكيل كيان نسائي سياسي فاعل، بعيداً عن المحاصصات، كيان قادر على انتزاع مشاركة النساء في صناعة القرار بشكل حقيقي، سيما بوجود نساء يتمتعن بالوعي والكفاءة قطعن شوطاً مهماً في التجربة خلال فترة الثورة.
5- ملف وحدة تنسيق الدعم واحد من الملفات الإشكالية التي تسبّبت بتوجيه اتهامات لسهير الأتاسي، وأن عمل الوحدة يتسم بالفوضوية وضعف بالإدارة والبذخ الشديد، خاصة بعد تراشق الاتهامات بينك وبين وسام طريف في ضياع مبالغ طائلة، والقضية التي طويت من قبل الائتلاف ضد وسام طريف بناءً على هذه الاتهامات بالاضافة إلى الاضرابات التي حصلت في الوحدة، وقد تحدّثت بشكل مقتضب خلال منشور المراجعة الذاتية عن ارتكابك لأخطاء كبيرة في تلك المرحلة، هل لك أن تشرحي بالتفصيل أبرز الأخطاء التي ارتكبتها في تلك المرحلة؟
نحن شعب يجنح بطبيعة الحال نحو المبالغة، فأنا لم أتحدث عن ارتكاب "أخطاء كبيرة" في المنشور الذي نشرته على الفيسبوك، ولم أتحدث عن "مبالغ طائلة".
أنا أعتبر نفسي أنني أخطأت بحق نفسي بدايةً بوصفي سياسية، وبحق الائتلاف وبحق وحدة تنسيق الدعم، ولكنني لم أدّعِ يوماً أنني إدارية. أنا لم أختر موقعي في وحدة التنسيق والدعم، بل تعرّضت لضغط كي أكون في هذا الموقع. أنا لا أعتبر نفسي سياسية بالمعنى الكلاسيكي للسياسة، بل كنت أقرب للثورة وشباب الثورة.
حين انتخبت كنائب رئيس للائتلاف بعد انضمامي للمشاركة في تأسيسه نظراً لاعتقادي بأن الائتلاف سيعطي للحراك الثوري مكانه الذي يستحق داخله، وللمشاركة في تمثيل جزء من الحراك الثوري، أعتقد أنني أخطأت في قبولي لرئاسة وحدة التنسيق والدعم. وحصل ذلك في اجتماع عقد في لندن مع "أصدقاء الشعب السوري" بعد أن تسلّمت موقعي كنائب رئيس في الائتلاف، وتحدّثت يومها عن أنّ أهم أسباب الفوضى داخل الثورة: وهو تعدّد قنوات الدعم الإغاثي والعسكري، وهو ما أسفر عن إثارة الخلافات في صفوف الثوار، والتأسيس لفكرة الدّعم مقابل الولاء. وتمنيت على الدول اعتماد الائتلاف كقناة موحّدة وواحدة يمرّ عبرها الدعم، وقالت إحدى الدول: هل تريدون احتكار الدعم؟ وأجبت: بل نريد تنسيق الدعم وليس الاحتكار، وتقديمه بالاعتماد على المؤسسات الموجودة في الداخل وعلى أساس معايير وأولوية احتياجات. سهير الأتاسي
يومها طلب مني رياض سيف، وكان حينها نائباً لرئيس الائتلاف، أن أرأس نواة الدعم الإغاثي التي نتجت عن هذا الاجتماع، والتي سمّيت لاحقاً بوحدة تنسيق الدعم، وقد رفضت هذا الأمر بداية لكنه صمّم أنني يجب أن أحمل هذه المهمة لأن الائتلاف بحاجة إلى (وجه) يخاطب المجتمع الدولي، فقبلت تحت وطأة الإلحاح. أعترف أنني أخطأت لأنني قبلت بهذا المنصب رغم أنني قلت يومها أنني لا أتمتّع بالخبرة الإدارية الكافية، واليوم حين أراجع مبرراتي للقبول أجدها غير كافية، سيما وأنني خسرت الكثير من الرصيد إن لم أقل أنني خسرته كله. يومها كان قد اختار رياض سيف شخصين من داخل الاجتماع، وكلّفهما بالمهام الإدارية، وهما كانا قد أصرّا أيضاً على أن يكون رئيس تلك النواة نائب رئيس للائتلاف لضمان التواصل الدائم معه، وقال لي سيف أنّه لا داعي لأن أنشغل بالإدارة، وأن المهمة المنوطة بي أن أتفرّغ لمخاطبة الدول. سهير الأتاسي
اقرأ المزيد: صاحب مقولة سوريا جزء من تركيا.. يعود رئيسًا للحكومة السورية المؤقتة
التحدي الأول الذي واجهته هو كتلة مصطفى الصباغ ثم أحمد الجربا، وكان النظام الداخلي للائتلاف وقتها يصبّ في مصلحة الأمين العام للائتلاف والذي كان يشغله مصطفى الصباغ نفسه ويجعله متحكّماً بكل مفاصله، وبالتالي صرنا محكومين بكتلته أيضاً، واتضح أن أحد الشخصين اللذين اختارهما رياض سيف لإدارة وحدة تنسيق الدعم كان مقرّباً من كتلة الصباغ.
وبدأت المشاكل مع محاولات الصباغ احتكار الموارد المخصّصة للإغاثة لصالح كتلة سياسية وقالها لي علناً أنه يريد لها أن تأخذ الشرعية من الأرض، وهنا بدأت الخلافات بيني وبين مصطفى الصباغ وكتلته والإداري في وحدة تنسيق الدعم، أما الشخص الإداري الثاني الذي اختاره سيف فقد استقال لظروف صحية طارئة خاصة بعائلته، وكنت في هذه المرحلة قد رفضت أن أتقاضى معاشاً من الوحدة كوني أتقاضى معاشاً من الائتلاف بوصفي نائب رئيس.
ومع اعترافي بالخطأ باستلامي موقع الرئيس في الوحدة إلا أنني أعتقد أنه فيما لو أخذنا الجانب الإيجابي في أنّ موقعي استثمرته في منع توجيه الدعم لصالح كتلة سياسية محددة أو توجه معين، والوقوف في وجه شراء الولاءات عن طريق الدعم، فهذا كاف بالنسبة لي.. لقد جعلت بهذه الطريقة من العديد من أعضاء الائتلاف أعداءً محتملين لي وللوحدة لأنني لم أقبل بتوظيف وحدة تنسيق الدعم لإعطاء الشرعية له، وذلك كان موضع خلاف بيني وبينهم، فهم كانوا يريدون الحصول على الشرعية من خلال الدعم الإنساني، أما أنا فكنت أعتبر أن المصداقية والتعاطي المؤسساتي على أساس المعايير في توزيع الدعم، هما الوسيلة الصحيحة للحصول على الشرعية. سهير الأتاسي
وصارت مؤسسة الوحدة هدفاً لبعض أعضاء الائتلاف لاستغلالها كسباً لشرعية مفقودة، وبالتالي عدوةً عندما لا يتمكنون من ذلك. أعتقد أنني نجحت في منع تلك الممارسات حتى آخر لحظة من تواجدي في ذلك الموقع قبل سحب الصلاحيات مني من قبل أحمد الجربا عندما كان رئيساً للائتلاف، نجحت بذلك بمساعدة الشباب الثوريين الذي كانوا عماد وحدة تنسيق الدعم. وصرنا في مواجهة حيتان، ليس سورية فقط، بل ودولية، فبعض الدول كانت تريد من خلال الدعم الذي تعطيه الترويج لكتلة حليفة داخل الائتلاف أو مؤسسة أو هيئة حليفة لها خارجه، وذلك من خلال اللوغو المستخدم على طرود المساعدات الإغاثية، وهو ما رفضناه وتسبب لنا أيضاً بعداوات دولية، وهو ما أنوي الإفصاح عن تفاصيله في شهادة لاحقة تفصيلية وبشهادة شهود.
في مرحلة المبادرات التي أطلقها رئيس الائتلاف معاذ الخطيب، انشغلت عن وحدة التنسيق بدوري السياسي، لأعود وأجد دولاً تحاول التحكّم بالوحدة وقرارها عبر ممثليها في المجال الإنساني، وتحاول تحويل السوريين فيها إلى موظفين لديهم، فأصدرنا يومها قراراً بمنع دخول ممثلي الدول إلى الوحدة إلا أثناء الاجتماعات الرسمية معهم، وأننا جاهزين لمناقشة مقترحاتهم، ولكن لسنا على استعداد لأن نكون مأمورين، وكانت تلك الخطوة عاملاً إضافياً في أن تصبح الوحدة بسياستها الاستقلالية مستهدفة من قبل بعض الدول أيضاً.
الشخصان اللذان رشحهما رياض سيف لإدارة وحدة تنسيق الدعم تركا عن موقعيهما، أحدهما بسبب ظروف طارئة خاصة، والآخر ترشح لرئاسة الحكومة السورية المؤقتة. سهير الأتاسي
من القضايا الإشكالية التي أخذت الكثير من النقاش بيننا وبين الائتلاف، تعاقدنا مع شركة ديلويت وهي شركة محاسبة وتدقيق متعارف عليها دولياً، وكلّفتنا دفعة مالية سنوية. وقتها كانت وجهة نظر الائتلاف أننا نبدّد تلك الدفعة، فيما كنا نرى نحن أننا نمنح الوحدة والائتلاف مصداقية من خلال الشفافية التي اعتمدناها في تقارير معتمدة من تلك الشركة، ونحاول أن نطمئن جمهور الثورة والمعارضة كما الدول المانحة، بأننا موضع ثقة، ولم نقتنع بمقترح الائتلاف تشكيل لجنة تدقيق منبثقة عنه، لأنه كان الطعن بها من الممكن أن يكون سهلاً كوننا جهة تتبع للائتلاف.
أؤكد، والأيام ستبرهن على ذلك، أن الشباب الذين كانوا في موقع المسؤولية يومها في وحدة تنسيق الدعم، وكذلك الرئاسة لم يكن لدينا فساد مالي أو إداري، وكنا نتعامل بحسّ من المسؤولية، وقد كنا نخصص المساعدات النقدية للمناطق المحاصرة، ولهذا أؤكّد أن أي جهة ستلجأ إلى تدقيق الملفات المالية، لربما تكتشف أخطاءً، ولكن بالتأكيد لا وجود للفساد الإداري والمالي المزعوم. سهير الأتاسي
في مرحلة لاحقة قصيرة لرئاستي وحدة تنسيق الدعم، اختار رياض سيف أديب الشيشكلي في موقع المنسق الإنساني للوحدة، وهو يكون أعلى مني منصباً. وعندما اعتذر أسعد العشي بداية ثم غسان هيتو عن مهامهما في إدارة الوحدة، رشح أديب وسام طريف، وهو لبناني الجنسية، للمساهمة في التأسيس لإدارة الوحدة بناءً على خبرته في العمل المدني والمؤسساتي سيما وأن العمل المدني في لبنان كان متاحاً على عكس سوريا.
خلال هذه الفترة غبت عن متابعة أمور الوحدة لانشغالي في متابعة دوري في الائتلاف، وعدت لأجد أن وسام طريف قد قسم الوحدة إلى كتلتين: محافظة وعلمانية، ما أثر على أداء الوحدة وروح الفريق الذي يفترض بأنه تكنوقراط، وبدأت الحزازات داخل الوحدة وبين الموظفين، وصارت إحدى تلك الكتل تستخدم اسم الوحدة حتى خلال ممارساتها الشخصية، والبعض منها هو الذي قام بالإضراب لاحقاً. سهير الأتاسي
المسألة الأخرى هي سلم الرواتب الذي وضعه وسام طريف، والذي تم نشره ووصفه بأنه عال، وهو بالفعل كذلك قياساً لأنه يوضع في ظرف الثورة، ولكن بعض الأجور الحالية في منظمات المجتمع المدني حتى في ظروف حصار المعارضة تماثل الأجور التي اعتمدناها حينها، ولأن وحدة تنسيق الدعم كانت دائماً تحت المجهر والضوء بدأت تتوجه سهام النقد لها. سهير الأتاسي
لم أناقش أو أعترض على جدول الأجور ذلك لعدة أسباب، ففي البداية لم أكن أتقاضى راتباً من وحدة تنسيق الدعم لأنني كنت أتقاضى أجر تفرّغي من الائتلاف كوني كنت نائب رئيس فيه، ولكنني حين بدأت أحصل على دخل من وحدة تنسيق الدعم كنت أمرّ فعلاً بضغوط كثيرة وحملات بدأت من بعض أعضاء الائتلاف، فيما كان من حولي يتمتعون بحماية كتل وكيانات وربما دول، وكنت أنا بلا ظهر أستند إليه، فقبلت بذلك الراتب لحماية نفسي وتأمين استقلاليتي والاكتفاء مالياً دون أن أحتاج لمساعدة أحد، ورضخت تحت وطأة الخوف من الحالي والآتي، ولو عاد بي الزمن لما قبلت بالمبالغ الواردة في سلم الأجور، علماً أن كتلة الأجور لم تكن تُقتطع من أموال الإغاثة، بل كانت تُعطى للوحدة بوصفها أجوراً تشغيلية. سهير الأتاسي
لقد كان قبولي بمجيء وسام طريف خطأ، دفعت أنا والوحدة ثمنه. لم نتراشق الاتهامات أنا وهو، وإنما كان هناك ملفاً يتعلق بمبلغ أخذه إلى لبنان بهدف شراء أرض لبناء مخيم للاجئين عليها، وبعد التدقيق اتضح أنه لم يتم شراءها. وعندما رفعنا الملف للائتلاف للتحقيق فيه، تم طيّ الملف، وأغلب اعتقادي أن سبب ذلك هو التخوف من إغضاب دولتين داعمتين لوسام طريف.
أخطأت أيضاً بعدم الرد على الحملات التي شنها بعض الحيتان ضدّنا، وآثرنا حينها أن نستمر بالعمل بصمت. كان البعض يقول لي بأنه ثمة ماكينة ممولة هي من تقف وراء الحملات ضدي، ما جعلهم يتراجعون عن الدفاع عني خوفاً من أن تنقلب تلك الماكينة عليهم هم أيضاً، وبالفعل مازالت تلك الماكينة تجدد حملاتها رغم ابتعادي عن الصفوف الأولى في المشهد السياسي الراهن. سهير الأتاسي
أما عن الإضراب، فله بحث مفصّل، وملف ورقي أعتقد أنني سأوثقه في شهادتي لاحقاً. فلقد أثّر بي كثيراً على المستوى الصحي والنفسي، وفاجأني لأن المضربين لم يتقدموا باعتراضات قبل الإضراب كمقدمة طبيعية له، بل على العكس، كنا نعمل يداً بيد في إعادة هيكلة وحدة تنسيق الدعم. وكانت نتيجة الإضراب هو نجاح أحمد الجربا في تجميد صلاحياتي وإعطائها للسيد أسامة القاضي الذي صار مديراً تنفيذياً للوحدة. واستقلت من الوحدة لأنني بتّ أتحمل مسؤولية لم أعد شريكة حقيقية فيها. سهير الأتاسي
اقرأ المزيد: تيار المستقبل الكردي يطالب المجلس الكردي بتجميد عضويته في الائتلاف
6- بدخول الثورة السورية عامها العاشر، وفي ظلّ ممارسات النظام القمعية، نشأ جيل كامل يتبنى أفكاراً ومعتقدات تختلف كلياً عن الأجيال السابقة، جيل لم يعد يكترث للتابوهات في عالم السياسة، هل ما زالت المعارضة التقليدية تصلح لقيادة هذا الجيل؟
أعتقد أن المعارضة التقليدية لم تكن تصلح أساساً لتمثيل الثورة، وأنّ الخطأ الأكبر الذي ارتكبه شباب الثورة هو أنّهم جعلوها تتصدّر المشهد السياسي للثورة والمعارضة، وهذا كان رأيي رأيي منذ وجودي في دمشق عند تأسيس المجلس الوطني.. فقد كنت أرى في أغلبها معارضة براغماتية، على الرغم من خبراتها وتضحياتها التي لا يمكن إنكارها، وكنت أعتبر نفسي جزءاً من الحراك الشبابي. ولكن شباب الثورة ارتأوا تسليم المعارضة زمام تمثيل الثورة على أساس العلاقات الدولية التي يمكن أن تهيئها وتدعم الثورة من خلالها. سهير الأتاسي
ولذا أناشد اليوم شباب الثورة بصناعة مشهدهم الخاص، سيما بعد تبلور المشهد الحالي الذي لا يتناسب مع تضحيات الشعب السوري، خاصة وأنّ هؤلاء الشباب اكتسبوا خبرات كثيرة من خلال العمل على الأرض وفي مواقع شتى، ويمكنهم أن يستعينوا بشخصيات من المعارضة كمستشارين أو داعمين، ولكن عليهم أن يقودوا حراكهم بأنفسهم وأن يتحكموا بقرارهم المستقل النابع من تجربتهم الثورية.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!