الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • رؤساء سورية وطنيون أم موظفون ؟! الرئيس الثالث تاج الدين الحسني

رؤساء سورية وطنيون أم موظفون ؟!   الرئيس الثالث تاج الدين الحسني
تاج الدين

 


لويين والدروز واعلان أعاد الجبلين ، شيخ القوائم ، صاحب العفو " الأعرج " أسند له جمال باشا السفاح رئاسة تحرير جريدة الشرق عام 1916 وكان عضواً في المجلس العمومي لولاية سوريا بالعهد العثماني ، عينه الملك فيصل ( 1918-1920) مديراً للقصر الملكي وعضواً في محكمة التمييز الشرعية وفي مجلس الشورى واختارته فرنسا رئيساً لسوريا لفترتين الأولى خلال الفترة (1928-1931) والثانية (1941-1943) ورئيساً للحكومة في عهد الرئيس الرابع محمد العابد (1934- 1936).


 


وصفه مؤيدوه بأنه رجل دولة من الطراز الأول وقالوا عنه كان مخلصاً ومتزناً وصاحب انجازات وطنية ودستورية ومعمارية بينما اتهمه معارضيه من الكتلة الوطنية "حزب الاستقلال" و "حزب الشعب" بمحاباته للفرنسيين وطالبوه بالاستقالة اكثر من مرة .


 


تاج الدين الحسني الدمشقي المولد (1885-1943) المراكشي الأصل الرئيس الثالث لسوريا تتلمذ على يد والده الشيخ بدر الدين الحسني أحد أبرز علماء بلاد الشام في عصره و أصبح مساعداً له ثم مدرساً في المدرسة السلطانية وعضواً في مجلس اصلاح المدارس . وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الحسني ليس جد رئيس مجلس الائتلاف الأسبق معاذ الخطيب كما أشيع وهذا ما أكده الخطيب بعد التواصل معه.


 


قرر تاج الدين الحسني العيش في باريس بعد خلع فرنسا للملك فيصل عام 1920 وكان قد شغل عدة  مناصب في العهدين العثماني والملكي حيث أسندت له رئاسة تحرير جريدة الشرق التي اسستها الدولة العثمانية وعين بدوره القومي المعروف شكيب أرسلان نائباً له الذي استقال احتجاجاً على إعدام عدد لابأس به من كبار المثقفين العرب ببيروت ودمشق ليكلف الحسني محمد كرد بدلاً من أرسلان .


 


ولم يتردد الملك فيصل الذي ألتقى به بصفته عضواً في مجلس اصلاح المدارس في تعينه مديراً للقصر الملكي وعضواً في محكمة التمييز ومجلس الشورى كما فاز بمقعد نيابي ممثلاً عن دمشق في المؤتمر السوري العام.




خلال فترة تواجده في باريس نسج الحسني علاقات جيدة مع بعض القادة الفرنسيين أصحاب القرار الذين كلفوه برئاسة سوريا بعد استقالة الرئيس الأول صبحي بركات و اعتذر بسبب ظروف الثورة الكبرى لتسند المهمة للرئيس أحمد نامي  ، ومع نهاية الثورة تم تكليفه في 15 شباط 1928 رئيساً لسوريا .


 


حقق الحسني ما عجز عنه سابقوه وفي فترة وجيزة استطاع ان يقنع المفوض السامي  هنري بونسو بالموافقة على الدعوة لانتخاب مؤتمر تأسيسي من 68 عضواً لكتابة دستور عصري للدولة وحدد يوم 24 نيسان من عام 1928 للانتخابات ورشح الحسني و وضع أسمه على كافة القوائم الانتخابية ممثلاً عن دمشق بما فيها قائمة الكتلة الوطنية التي فازت بثمانية مقاعد وذهب المقعد التاسع للشيخ الحسني وعليه لقب بـ " شيخ القوائم " .




باشرت اللجنة الدستورية عملها في 9 حزيران 1928 برئاسة هاشم الاتاسي وتمكنت من كتابة الدستور خلال أسبوعين ولكن المفوض السامي طالب بتعديل ست مواد تعطي صلاحيات كبيرة للاحتلال ورأى الحسني الموافقة على التعديلات التي قوبلت بالرفض القاطع من الكتلة الوطنية وعليه لم يتم نشر الدستور وبقي حبيس الأدراج حتى 14 أيار لسنة 1930 حيث نشره المفوض السامي الفرنسي هنري بوسنو نتيجة للمطالبة الشعبية والدعوة لإطلاق الثورة السورية الكبرى من جديد ، بعد إضافة المادة 116 التي أعطت صلاحيات كبيرة لسلطات الاحتلال .




كما تمكن الحسني من اصدار عفواً عاماً عن الثوار الذين شملتهم الأحكام الفرنسية خلال ثورة (1925-1927) واستثنت فرنسا 70 شخصاً من بينهم سلطان باشا الأطرش وشكيب أرسلان وعادل العظمة و عبدالرحمن الشهبندر وشكري القوتلي  وعليه لقب بالعفو "الأعرج " .




 


بناء على دستور 1928 والذي نشر في 1931 اجريت انتخابات 1932 ورشح الحسني نفسه للانتخابات النيابية وفاز بمقعد دمشق والرئاسية ضد هاشم الاتاسي "الكتلة الوطنية" ورضا الركابي " حزب اللأمة الملكي" و حقي العظم " التيار المهادن للفرنسيين" والمرشح المستقل محمد العابد الذي فاز بالانتخابات في 11 حزيران 1932 .


 


غاب الحسني عن الواجهة السياسية حتى عام 1934 حيث أسند إليه الرئيس محمد العابد رئاسة الحكومة التي شكلها واختار غالبية أعضائها من الكتلة الوطنية التي تتهمه دائماً بمحاباته للفرنسيين وكأنه يريد من اثبات العكس ، ولم تخلو هذه الفترة من المظاهرات المطالبة بنهاية الاحتلال وما زاد الطين بلة قيام فرنسا بحل مجلس النواب لرفضه معاهدة الصداقة والسلم لتندلع المظاهرات بعموم سوريا اعتقل على إثرها سعد الله الجابري وشكري القوتلي وتزامن ذلك مع وفاة الزعيم الوطني إبراهيم هنانو 1935 ونادت الجماهير الغاضبة التي خرجت في وداعه بالاستقلال وإسقاط الحكومة فكان رد السلطات قاسياً باعتقال عدد كبير من الوطنيين عندها تمت الدعوة إلى العصيان المدني والاضراب الستيني الذي استمر ستين يوماً انتهى بوعد بالاستقلال وإقالة حكومة الحسني وتشكيل حكومة وطنية برئاسة عطا الأيوبي بعد التفاوض مع هاشم الأتاسي رئيس الكتلة الوطنية .


 


عاد الحسني إلى باريس وبقي هناك حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939 ونتيجة للظروف الدولية والمحلية قرر الفرنسيون تعليق العمل بالدستور وتعيين الحسني رئيسا في 12 أيلول 1941 وبطلب من السلطات الفرنسية قام الرئيس برفع الضرائب وسعر الخبز والمواد الاستهلاكية لتأمين الدعم المالي للمجهود الحربي الفرنسي عندها وافقت فرنسا على اعادة الجبلين الدروز والعلويين للدولة السورية وذكرت بعض المصادر أن الموافقة كانت بمثابة مكافأة للحسني على الدعم المالي بينما قالت مصادر آخرى أن الموافقة تمت نتيجة وعود لبقاء قواعد عسكرية فرنسية في سوريا مع امتيازات سياسية واقتصادية .






أعلن الحسني عام 1942 استقلال سوريا بناء على التعهد الخطي من المندوب الفرنسي العام في 27 أيلول لسنة 1941 واستقبل الإعلان ببرود شعبي لبقاء المؤسسات تابعة للمفوضية التي أعلنت " بعدم وجود نية للاستقلال قبل انتهاء الحرب " و مع ذلك أبرق فائز الخوري وزير الخارجية إلى غالبية دول العالم معلناً عن الاستقلال وقوبل الإعلان بردود رسمية من ملك مصر فاروق الأول وملك السعودية عبد العزيز آل سعود وملك بريطانيا جورج السادس وقام كلٌ من ملك اليونان جورج الثاني و الأمير محمّد رضا بهلوي ولي عهد إيران بزيارة رسمية إلى دمشق تأكيداً منهم على استقلال سوريا .




 


يحسب للرئيس الحسني كتابة الدستور وضم الجبلين العالاستقلال وإن لم يكن مكتملاً بالإضافة إلى الحركة العمرانية الكبيرة التي قادها وبناء العشرات من المستشفيات والمدارس وفتح الطرق في مختلف المدن السورية .


 


كما يحسب له إلغاء الرقابة على الصحافة التي تعد السلاح الأجدر في تقويم الدولة والمجتمع وحماية الوطن والمواطن رغم تعرضه وباستمرار لانتقادات لاذعة وكان مادة دسمة لمجلة " المضحك المبكي " حيث تصدر رسمه الكاريكاتيري الكثير من إصدار المجلة مع انتقادات مباشرة لشخصه .




ولم تستمر فترة رئاسة الحسني الثانية طويلاً فقد داهمه الموت بصورة مفاجأة إثر وعكة صحية ألمت به لبضعة أيام ، و تضاربت الأقوال حول أسباب وفاته في 17 كانون الثاني 1943و قيل إنها كانت نتيجة أزمة قلبية بينما رجح فريق الأطباء اللبنانيين الذين تم استدعاؤهم يوسف حتي و إلياس الخوري أنه تعرض لتسمم بالدم وبقيت التساؤلات حول لغز وفاته مفتوحه بين من دس له السم ، فرنسا ؟  بريطانيا ؟ أم خصومه ؟ .




 


ليفانت-طه الرحبي 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!