الوضع المظلم
السبت ٣٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ترقب كردي سوري للمؤتمر الديمقراطي الكردستاني-عراق
شفان إبراهيم

يُنهي الحزب الديمقراطي الكردستاني - العراق مؤتمره الرابع عشر في الخامس من تشرين الثاني 2022 في محافظة دهوك، وسط حقلٍ من الألغام التي تعصف بالمنطقة وإقليم كردستان والعراق، كطبيعة العلاقة مع بغداد، قانون النفط والغاز، المناطق المشمولة بالمادة /140/، مستقبل الإقليم ما بين راهنيته وتحريك ملف الاستفتاء مُجدداً، علاقة الحزب بالوضع الكردي في سورية... إلخ.

وعُرف عن ذلك الحزب إصراره وبقاءه على ثوابته القومية والوطنية والكردستانية منذ بداية تأسيسه عام 1946، خاصة في المجال الدفاع الدائم عن الوجود القومي للكرد، وتعبر سياساته العامة عنه وعن أسسه ورؤيته السياسية للقضايا الداخلية والخارجية، ومراعاة العمق والامتداد الكردستاني له خارج قواعده التقليدية في دول الجوار، وسعيه لحماية مصالح كردستان العراق، ومصالحه الحزبية، خاصة وإنه الحزب الحاكم منذ عقود في الإقليم إلى جانب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تارةً يكون منافساً وتارة أخرى يدخل في شراكات مع البارتي الديمقراطي، لكن الأخير مسيطر على أغلب مفاصل القرار في الإقليم عبر استحواذه على رئاستي الإقليم والوزراء منذ عدة دورات متتالية، ونائباً لرئيس البرلمان الكردستاني والعراقي ووزيراً للخارجية العراقية، وهو من تمكن من فك طلاسم عقدة الرئاسة العراقية والبدء بتشكيل الحكومة، وإنجاح مرشحه لرئاسة العراق، الرئيس عبد اللطيف رشيد العضو في الاتحاد الوطني، وصاحب الكلمة العليا في الانتخابات النيابية في الإقليم والعراق.

 إلى هنا والأمور لا تخرج عن سياق تاريخ ونضالات وتشعب علاقات الحزب المذكور، لكن الملفت في الأمر اهتمام كرد سوريا بالمؤتمر، وإن كانت بعض الأطراف لا تبدي أيّ اهتمام ظاهري، أو يُعيب بعض النشطاء والكتّاب على نظرائهم ذلك الحجم من الاهتمام، لكن في حقيقة الموضوع أن لا كتلة أو حزب أو جهة سياسة في المنطقة الكردية لم تهتم لأمر المؤتمر، بما فيه الإدارة الذاتية نفسها إن لم تكن أكثر من غيرها، وإن تعالت بعض الصيحات هنا وهناك حول استقلالية قرار كرد سورية، لكن في عمق القضية هم أيضاً مُتابعين للموضوع نفسه، أو لنقل وفقاً للمثل الدارج لدى المهتمين رداً على المعترضين "إن لم يكن لنّا علاقة، فلما لك علاقة باهتماماتنا"، ولكُلِ طرفٍ حساباته ومشاريعه الخاصة، منها المتقاطعة والمتنافرة فيما بينها.

في عمق القضية، يحمل كُرد سوريا تاريخاً معقداً من العلاقات مع الإقليم، تتجلى في خمس قضايا متشابكة، أولها: انخراط أعداد كبيرة منهم إلى جانب أشقائهم في كردستان في الثورات والانتفاضات التي قادها كرد العراق ضد الأنظمة العراقية المختلفة، وانخراطهم ضمن المؤسسات العسكرية والسياسية ووصولهم لمناصب رفيعة، ومشاركة بشمركة روج، وهي قوات عسكرية سورية تأسست في كردستان العراق منذ بداية النزوح الكردي إلى هناك، في محاربة داعش والحشد الشعبي، ونزوح أعداد كبيرة من الكرد العراقيين إلى المدن والقرى الكردية في سورية إبان تلك الانتفاضات، خاصة في تسعينات القرن الماضي. ثانيتها: روحانية المُلا مصطفى البارزاني مؤسس الحزب وقائد أغلب الثورات الكردستانية، لأغلب الكرد، ومده الفكري والقومي والارتباط الروحي لكرد سوريا به، ومن بعده حجم الحب والعاطفة والاقتداء بنجله الرئيس الحالي للحزب السيد مسعود البارزاني، ويُنظر للجيل الثالث السيد نيجرفان البارزاني رئيس الإقليم، والسيد مسرور البارزاني رئيس الوزراء، كحملة الراية القومية والدفاع عن الحقوق الكردستانية. ثالثتها: احتضان إقليم كردستان العراق منذ بداية الحدث السوري لمئات الآلاف من الكرد السوريين، وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لأغلب السوريين وهو ما شكل تمتين الروابط والعلاقات، وحصول آلاف من الطلبة لمقاعد مجانية وأحياناً مع مساعدات مالية في جامعات الإقليم، عدا عن المساعدات الإغاثية والطبية والرعاية التي قدمها الإقليم عبر مؤسسة البارزاني الخيرية للمنطقة الكردية، سواء في الازمات أو للمخيمات أو إرسال كميات كبيرة من المستلزمات المعيشية. رابعتها: إدارة الإقليم وخاصة البارتي الديمقراطي لملفات سياسية ومالية وجغرافية شائكة ومهمة تمس جوهر حياة الكرد السوريين والعراقيين على حدٍ سواء، كمعبر سيمالكا الشريان الحيوي الرئيس المغذي لأغلب شمال شرق سوريا، للبضائع القادمة من إيران - تركيا - كردستان، وتعتبر محافظة دهوك أبرز المعاقل التاريخية التقليدية للحزب، وسيطرة الحزب على المناطق الحدودية والحضرية المتاخمة مع حدود سوريا، جعل من سيطرة نفوذ والمد الجماهيري للحزب على تلك المناطق ذات تأثير سياسي وقومي قوي على كرد سوريا. وخامستها: وهي الأكثر تشكيلاً للذهنية والتطلع المستقبلي، وتقوم على تأثير ودور البارتي العراقي في الملف السوري، من حيث طبيعة التشبيك والعلاقات القوية مع تركيا صاحبة النفوذ القوي في الملف السوري، وحجم الخلاف مع إيران الداعم القوي لدمشق، والجمود السياسي للبارتي مع السلطة في دمشق، ونوعية وطبيعة العلاقات بينه وبين الأطراف السياسية الكردية السورية، ودوره الدولي في ترتيب البيت الكردي السوري. لمجمل هذه الملفات فإن كرد سوريا يجدون أنفسهم معنيين بنتائج المؤتمر وفقاً لموازين وأحجام الصراع والقوة والتوازنات والمخاوف المستقبلية.

فالمجلس الكردي المدعوم سياسياً ودبلوماسياً من البارتي والإقليم، يجد في نجاح المؤتمر استمراراً لسياسة دعم البارتي له بكل السبل لتثبيت شراكته في إدارة وحماية كرد سوريا، خاصة أن علاقات المجلس الكردي مع الديمقراطي الكردستاني عدا عن الارتباط القومي والمستقبلي، فهي تقوم أيضاً على أساس امتداد نفوذ الثاني عبر الأول في المنطقة، واستمرار المجلس في طرح دفاعه عن القضية والوجود القومي للكرد في سوريا، وينظر لنفسه أنه جزء من المشروع القومي الكردستاني الذي يديره الرئيس مسعود البارزاني، لذلك فإنه يُدرك أن نجاح صقور الفكر القومي وأصحاب المواقف الثابتة من القضايا القومية سيعني المزيد من تقوية نفوذ المجلس، دون إغفال المخاوف التي تعتري البعض من إمكانية التغيير الكبير في أداء المجلس وشخصياته، لكن دون المساس بجوهر السياسات العامة له.

الإدارة الذاتية: تأمل وتتخيل أن تغيير بعض الشخصيات في قيادة الحزب رُبما يعني المزيد من الانفتاح عليهم بغض النظر عن حجم الانتهاكات التي تُمارس ضد المجلس الكردي الحليف الاستراتيجي للبارتي، وطبيعة إدارة المنطقة. وتعتقد كامل المنظومة السياسية والعسكرية أن مواقف البارتي منقسمة على نفسها من الإدارة الذاتية، ناسية أن ثمة سياسة عامة تُطبق تجاه القضايا المحورية والجوهرية بغض النظر عمن يدير تلك الملفات، خاصة وأن لا إمكانية لاستبدال انتماء كرد سوريا للأمة الديمقراطية بالأمة الكردية، بل إن الفكر السياسي للبارتي العراقي لا يحتمل مجرد التفكير به، ولا قبول للمزيد من الإقصاء والتفرد في إدارة المنطقة. وأبرز ملفين "تحلم" الإدارة الذاتية بإنجازهما في مرحلة ما بعد المؤتمر هما 1- العلاقة مع تركيا، ففي الوقت الذي تُعيب فيه مسد والإدارة الذاتية على الإقليم وحليفه المجلس علاقاته مع تركيا، فإنهما يرغبان بتلك العلاقات، وبل أن يصبحوا أصحاب العلاقة الأكبر والأعمق، وتدرك الإدارة الذاتية أن حجم ونوعية وعمق العلاقات التركية -كردستان العراق لا يُمكن خلخلتها بتلك السهولة؛ لأسباب سياسية واقتصادية وتوازنات دولية وإقليمية بين الطرفين، لكنها تأمل في إبعاد المجلس عن الائتلاف وتركيا وأن تصبح هي صاحبة التواصل والعلاقات، وربما هو ما لن يتحقق دون توافق الإدارة مع الإقليم 2- الإدارة الذاتية غير مُعجبة ولا مستريحة لليد الطويلة للبارتي لدى كامل التحالف الدولي والإدارة الأمريكية في الملف السوري عامة والكردي السوري خاصة، وفي كل زيارة للغالبية المطلقة للمسؤولين أو السفراء أو ممثلي دول التحالف إلى شمال شرق سوريا، فإن محطة البداية والنهاية تكون في معقل البارزاني في "مصيف" المنطقة الجبلية في اربيل/هولير، وهي تسعى صوب خطين متناقضين إما تخفيف نفوذ البارتي في الملف الكردي السوري، أو أن ينفتح البارتي على الإدارة الذاتية دون أيّ تغيرات في سلوكيات الأخيرة، بما فيها افتتاح ممثلية لهم في أربيل، وتخفيف دعمهم للمجلس الكردي، وفتح أبواب الدبلوماسية الدولية أمامهم. علماً أن لا تغيير في قواعد اللعبة سواء نجحت شخصيات جديدة أو بقيت القديمة، فالسياسات العامة للحزب تُرسم على أساس المصالح الاستراتيجية والقومية وليست وفقاً لتغيير الأشخاص.

وفي الوقت الذي عجت به صفحات التواصل الاجتماعي بصور المرشحين للمجلس الرئاسي للديمقراطي الكردستاني، ومع غلبة شريحة الشباب وتخصيص نسبة ما لا يقل عن سبع مقاعد من القيادة للعنصر النسائي، وقرابة 20 مقعداً للشباب من أصل 51 قيادياً، فإن تطلعات الشباب الكردي في سوريا تكبر وتأمل في الاقتداء بهم، أو تحريك ملف الأحزاب الكردية السورية ذات العلاقات التاريخية والقوية مع هولير، والتوقف عن إقصاء الشباب من مراكز القرار وصناعته.

بالعموم فإن الأهم من قضية من سيتولى إدارة أيّ ملف، هو العمق الكردستاني والسياسي والقومي والارتباط الروحي لكرد سوريا مع هذا الحزب، وطبيعة علاقاته مع المعارضة السورية. وحجم ونوعية التغيير الواجب حصوله في أداء وعمل المجلس الكردي في سوريا، وكيف يتوجب على الأحزاب الكردية السورية الحليفة للبارتي العمل في المرحلة المقبلة التي تتطلب حقيقةً ذهنيات وشخصيات سياسية واكاديمية نشّطة، رُبما يكون لأربيل دور النصح فيها.

 

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!