الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تداعيات ما بعد حرق علم كردستان في بغداد
عبد الباري أحمه

في العرف السياسي وحتى الشعبي حين يمسّ أحدهم أو مجموعة من الناس رمزاً من رموز أي دولة، يعتبر تعدّياً واضحاً على الخصوصية لذاك الشعب أو الأمة، وما قامت به تلك المجموعة في بغداد بحرق مقرّ وعلم المقرّ التابع لحزب الديمقراطي الكردستاني، يندرج ضمن خانة المساس بكيان دولة أو مؤسسة.


أغلب الدلالات والمؤشرات تؤكّد على قيام مجموعة من أنصار الحشد الشعبي على هذا العمل، لهذا سارعت الرئاسة العراقية في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بإدانة هذا العمل بعد أن نسبته إلى مجموعة (غير منضبطة وخارجة عن الأطر السلمية في حرية التعبير عن الرأي). من هذا البيان التضليلي اختلفت الروايات والآراء حول تحديد هوية الفاعلين، لكن وبنفس الوقت وجّه الكثير من السياسيين ووسائل الأعلام أصابع الاتهام نحو أنصار الحشد الشعبي، وأكدت المعطيات بأنّ هذا العمل جاء كرد فعل من قبل الحشد حول تصريحات (هوشيار زيباري) القيادي في حزب الديمقراطي الكردستاني، حين نسبوا إليه (الحشد موال لإيران، وهم قوة خارجة عن القانون)، وما يؤكد تورّط الحشد بإحراق المقرّ أنّهم كانوا يحملون صور (قاسم سليماني) وأعلام الحشد.


بنفس السياق، أكد أغلب المسؤولين العراقيين والكرد بأنّ هذا الفعل هو دعوة للفتنة وإدخال العراق في أزقة ضيقة، والابتعاد عن لغة الحوار والشراكة في بناء العراق، وهذا ما أكده فائق الشيخ علي (نائب في البرمان) أنّ لغة الإحراق هي التي تسود الميليشيات الشيعية عند الاختلاف في الرأي مع الآخر.


ليس بخافٍ على أحد بأنّ إيران تقف وراء دعم الحشد الشعبي، مادياً ولوجستياً، وتعمل من خلال هذه المجموعات المسلحة على تجديد رسم سياساتها حتى يبقى المشهد العراقي السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أزمات متتالية، وما حدث بين (عصائب أهل الحق)، أكثر الفصائل الشيعية تزمتاً، وبين الجيش العراقي في محافظة صلاح الدين قبل أيام، راحت ضحيتها ثمانية أشخاص، لهي دلالة واضحة بأنّهم متورطون في أكثر من عمل مخلٍّ بالأمن، ويعدّ هذا التدخل من قبل إيران بمثابة ضربات استباقية لزعزعة الاستقرار الأمني في عموم العراق، والتي تهدف من خلالها بالتأثير على سير العمليات الانتخابية في أمريكا، بذات المنحى يعمل النظام في إيران ومن خلال هذه الميليشيات النيل من الاستقرار النسبي في العراق من خلال صناعة الفوضى والقتل والحرق والاختطاف.


من جانب آخر، طهران وحدها تدرك بأنّ لدى القيادة في بغداد (الكاظمي) مشروع وطني قد يهدّد تدخلها في شؤون العراق، وهذه الأعمال هي إشارات ورسائل للعراقيين ولأمريكا وحلفائهما بأنّها لن تسمح لأحد أن يمسّ مصالحها، وأنّها تعمل لتتقاسم الكعكة مع واشنطن في العراق وسوريا.


وبالعودة إلى المقدمات الحقيقية لهذا الخلط في الاوراق لدى الفرقاء المحليين في العراق، قد يكون اتفاق سنجار الأخير بين بغداد وهولير سبباً كافياً لحرق مقرّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، هذا الاتفاق يقضي بانسحاب كافة الميليشيات منها، وتحديداً الحشد الشعبي وانتشار الجيش العراقي و(البيشمركة) فيها وتولي إدارتها، وكون هذه المنطقة تتمتع بموقع إستراتيجي بالنسبة لإيران كونها بوابة لها لعبور قواتها إلى كلّ من العراق وسورية. من جانب آخر، تعمل تركيا بالدخول لهذه المنطقة برفد التركمان بثقافتها وتتريك المنطقة، ورعاية مصالح العرب السنة، لكنها وفي العمق الإستراتيجي تعمل على سلب كامل ثروات المنطقة.


باتت سنجار (شنكال) نقطة خلاف واضحة في المشهد السياسي العراقي، فبعد تحريرها عام 2015 من داعش، تولّى إدارتها القوات الكردية، لكن الاستفتاء الذي جرى في كردستان، والذي كان يرمي إلى إعلان حق تقرير مصيره، تدخلت الميليشيات الشيعية في سنجار وبعض المناطق المتنازع عليها 2017، هذه النقطة الخلافية وغيرها بين الكرد والحشد الشعبي أدّت إلى عقد اتفاق سنجار بين بغداد وهولير، مما دفع الحشد بإحراق المقرّ التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني.


مما يلاحظ في المنظور القريب، بأنّ العراق لا تملك سياسة أو مشرعاً وطنياً يتفق عليه كل الشركاء، كون العراق مقبل على أكثر من مشروع ولأكثر من دولة إقليمية وخارجية، فواشنطن تعمل على تقليص وهدم النفوذ الإيراني، والمعولون على سياسات إيران، ربما يجدون فيه تأكيداً لتحقيق مشاريعهم، وهذا ما يجعل العراق في مهب سياسات الدول المتصارعة عليها، والتي لا توافق رؤاهم في استقرار العراق، وفي النفق المظلم يلاحظ هناك رسائل تهدئة بين أغلب الأطراف لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية، من جانب آخر قد يلاحظ أيضاً تقارب بين الفصائل المسلحة وبين القيادة العراقية والكردية، من خلال حوار قد تصبح هذه التهدئة سارية المفعول.


وما المقدمات التي سبقت اتفاق سنجار إلا دلالات حتمية بظهور هذا الخلط، فقبل أسابيع من حرق المقرّ الخاص بالحزب الديمقراطي الكردستاني، قامت ميليشيات الحشد بحرق قناة دجلة، وقناة MBC العراقية في مايو/ 2020، وضرب السفارة الأمريكية قبل أسابيع، في حين كان استهداف هولير بالصواريخ رسائل واضحة للحكومتين بالإسراع لعقد هذا الاتفاق قبل أن تأتي بنتائج كارثية وخطيرة.


هل بات اتفاق سنجار مسمار الرحمة في نعش كافة الميليشيات المتواجدة فيها، ومن يدعمها من العواصم القريبة؟ أم هي لعبة سياسية تشبه لعبة الكراسي الموسيقية وتبادل الأدوار بين الفرقاء؟


ليفانت – عبد الباري أحمه

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!