-
بلاد الرافدين مُهددة بالاندثار.. مياه العراق ضحية للتعدّيات الإقليمية
يسجل العراق منذ سنوات أزمة جفاف، ازدادت وتيرتها في غضون السنوات الثلاث الأخيرة، مما أدخل البلاد في حالة إنذار وصل فيها الخطر إلى تأمين المياه الصالحة للشرب، حيث عاش نهرا دجلة والفرات انخفاضاَ كبيراً في مناسيب المياه تخطت الـ50%، مما دفع السلطات العراقية لتقليص خطتها الزراعية من المحاصيل الصيفية والشتوية.
اقرأ أيضاً: الصدر رفض مبادرة "الإطار التنسيقي" للتسوية قي العراق
وخاض العراق، على مدار السنتين الأخيريتين، جولات تفاوضية مع الدول الجارة إيران، تركيا وسوريا لتأمين حصة البلاد من مياه نهري دجلة والفرات وقد استطاع تحقيق اتفاقات مع لتسكين الأزمة، بحسب وزارة الموارد المائية، باستثناء التفاوض مع طهران التي لا تزال ترفض تقاسم ضرر أزمة المياه، وذلك مع تصنيف العراق ضمن الدول الخمس التي تعاني من شدة التغيرات المناخية، التي يشهدها العالم، بما ينذر بتوالد الأزمات على مستويات المياه والغذاء والبيئة، ليلجئ العراق إلى التهديد أكثر من مرة بتدويل الأزمة المائية مع إيران، عقب إصرار الأخيرة على موقفها واستمرارها بحرف مسارات الأنهار، مما انتهى مؤخراً بإعلان "شبه وفاة" لسد حمرين شرقي البلاد بعد قطع روافده المغذية من نهر سيروان القادم من إيران.
الاستنزاف الجائر
في بداية أبريل الماضي، أكد حاكم الزاملي النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي، أن إهمال ملف المياه يهدد حياة العراقيين ويضر بمصالح مشتركة للعراق مع دول الجوار، داعياً في بيان صحفي رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى "تشكيل هيئة عليا لمتابعة ملف المياه وإدارته بصورة فاعلة من أعلى المستويات، كما هو معمول في الدول المجاورة، والتدخل المباشر لمخاطبة دول الجوار وممارسة الضغط عليها لزيادة حصص العراق المائية واطلاقها في القريب العاجل".
اقرأ أيضاً: البنك الدولي يدعو العراق لإصلاحات هيكلية محذراً من تحديات خطيرة
وحذر من أن "أي إهمال أو تأخير بإدارة هذا الملف سينتج عواقب وخيمة تهدد حياة الشعب العراقي، وتضر بالمصالح المشتركة، سيما الاقتصادية، مع دول الجوار"، مشدداً على ضرورة "التحرك الجاد لمنع الاستنزاف الجائر للخزين الاستراتيجي المائي من خلال منع التجاوزات الحاصلة على الحصص المائية في بغداد وباقي المحافظات، وتفعيل بروتوكول التعاون في نهر دجلة مع تركيا، وإنشاء المركز البحثي المشترك لتحديد الحصص المائية لنهري دجلة والفرات".
مفاوضات مع تركيا
وبالصدد، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، في التاسع من أبريل الماضي، أنها ستجري مفاوضات مع الحكومة التركية في مايو، بشأن "حسم" ملف المياه، وقال المتحدث باسم الوزارة علي راضي في تصريح صحفي، إن "الحكومة العراقية ستعقد اجتماعات مع الجانب التركي للتفاوض بشأن ملف المياه".
وأضاف: "خلال الشهر المقبل ستكون هناك زيارة مهمة للمبعوث الخاص للرئيس التركي فيصل أراوغلو إلى بغداد، تهدف إلى التباحث حول ثلاثة محاور رئيسية منها محور النقاش في حصة العراق من المياه"، مشيراً إلى أن "العراق سيسعى لتأمين حصة المياه العادلة وفق استحقاقاته".
اقرأ أيضاً: تركيا تعلن مقتل أحد جنودها متأثراً بجراحه شمال العراق
وأكمل، بأن "المحور الثاني سيركز على مركز البحث المستمر بين العراق وتركيا حيث استكملت كل الأمور اللوجستية من جانب العراق، وسيكون مركزاً بحثياً مشتركاً، أما المحور الثالث فستتم فيه مناقشة تقاسم الضرر في فترات الشح المائي مع وجود التغيرات المناخية".
انخفاض كبير بمناسيب الأنهر
ورغم ذلك انتشر، في بداية مايو الماضي، مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهر الانخفاض الكبير لمنسوب مياه نهر دجلة في العراق، بعد أن كان يعرف بغزارته التي تفوق غزارة الفرات، وأتضح تدني منسوب المياه في النهر بشكل بين حيث يتخلل المقطع شاب يبدو وكأنه يمشي على سطح الماء في بقعة تتوسط النهر حيث يفترض أن يسمح مستوى المياه بالسباحة.
فيما كشفت وزارة الموارد المائية العراقية، أن المياه التي يحصل عليها العراق من نهري دجلة والفرات سوف تجف في غضون 20 عاماً إذا لم يتم فعل شيء ما، بينما أصبحت حالات الجفاف والعواصف الرملية ودرجات الحرارة التي تتجاوز الـ50 درجة مئوية شائعة بشكل متزايد في العراق، في وقتً شدد فيه الرئيس العراقي برهم صالح، على أن تغير المناخ يشكل تهديداً وجودياً للبلاد، موضحاً أن "مصير بحيرة ساوة، التي أصبحت الآن أرضاً ملحية قاحلة، تذكير بالخطر الذي ينتظرنا".
اقرأ أيضاً: إحصاءات تشير إلى هيمنة الإطار التنسيقي على البرلمان العراقي.. بعد انسحاب الصدريين
ووجه الرئيس العراقي في التاسع من مايو، دعوة تتعلق بمبادرة لـ"إنعاش" بلاد الرافدين، وذكر بيان رئاسي، أن "صالح استقبل وزير الموارد المائية مهدي رشيد وبحث معه تطورات الوضع المائي في البلد وانخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات"، ونقل البيان عن الرئيس قوله، إن "ملف المياه يجب أن يكون أولوية قصوى باعتباره أحد مرتكزات الأمن القومي العراقي، وهناك ضرورة للتواصل مع دول الجوار لتنظيم العلاقات المائية على مبادئ حسن الجوار ومراعاة المصالح المشتركة للجميع، وعدم الإضرار بالعراق".
وأكد أهمية "حماية المسطحات المائية وصيانة السدود، ووضع خطط استراتيجية تشترك فيها كل مؤسسات الدولة وبالتنسيق مع الخبرات الدولية في مجال مواجهة أزمات الجفاف والتصحر والتغير المناخي الذي بات أزمة عالمية تعاني منها الدول وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط"، موضحاً ضرورة أن "يكون التصدي لتغير المناخ أولوية وطنية في العراق، والشروع في مبادرة إنعاش بلاد الرافدين".
خطر في حمرين
أما في حمرين، فقد انخفض منسوب البحيرة الاصطناعية الواقعة في وسط العراق إلى مستويات حادة، على ما أعلن مسؤول عراقي في العشرين من مايو، عازياً ذلك إلى قلة الأمطار وتراجع الواردات المائية من إيران، حيث قال مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب لـ"فرانس برس" إن بحيرة حمرين الواقعة في محافظة ديالى الحدودية مع إيران تشهد "انخفاضاً عالياً بمنسوبات المياه بالتأكيد".
مضيفاً: "مجموع التخزين الحالي فيها بحدود 130 مليون متر مكعب فيما طاقتها الاستيعابية مليارا متر مكعب، كمية المياه فيها قليلة جدا"، وعزا "الانخفاض الحاد" في منسوب المياه بالبحيرة إلى أن "ما يردها أقل مما يطلق منها خصوصا بسبب قلة الأمطار في عامي 2021 و2022، وحتى عام 2020"، وفضلاً عن الجفاف، قال المستشار إن "الجارة إيران اتخذت إجراءات بتغيير مجار وقطع بعض الأنهر وإنشاء سدود، كلها عوامل مؤثرة إضافية".
اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء العراقي يزور إيران والسعودية
وأوضح ذياب أن هذا الانخفاض حصل سابقاَ في العام 2009، إذ جفت البحيرة بالكامل وتحولت حينها إلى نهر ومجرى مائي، معرباً عن أمله بـ"هطول نسبة عالية من الأمطار السنة المقبلة"، لتمتلئ البحيرة من جديد، في وقتً تراسل فيه الحكومة العراقية باستمرار كلاً من طهران وأنقرة، للمطالبة بزيادة الحصة المائية للعراق من نهري دجلة والفرات، بينما اعتبر البنك الدولي، أن غياب أي سياسات بشأن المياه قد يؤدي إلى فقدان العراق بحلول العام 2050 نسبة 20% من موارده المائية.
طهران لا تأبه
ورغم هلاك مناطق زراعية كبيرة بالعراق، جراء السياسات المائية التي تتبعها إيران بتغير مجرى الأنهار والروافد، تُصر طهران على أنها خارج مسببات الأزمة، لكن حسب معلومات، كشفت عنها وزارة الموارد المائية العراقية، عملت إيران خلال نحو عقد من الزمن، على حرف وتحويل مسارات أكثر من 42 رافداَ يصب داخل الأنهر والسدود العراقية، فيما تشتغل السلطات العراقية عبر وزارة الخارجية لتحريك مذكرة تدويل تجاه إيران احتجاجاً على سياساتها المائية.
وفي تصريح أثار الجدل، قال مدير عام شؤون الأنهار الحدودية الإيرانية، جبار وطن، إن إيران لم تنتهك حقوق الشعب العراقي في استخدام مياه الأنهار الحدودية، وأضاف وطن، أن "إیران تعترف بحقوق المياه العراقية في الأنهار الحدودية، وأن تحديد هذه الحقوق المائية من القضايا التي يجب متابعتها في اللقاءات الثنائية في إطار بنود اتفاقية استخدام مياه الأنهار الحدودية"، مستدركاً بالقول: "لطالما اعتمدت سياسة إيران في استخدام الموارد المائية علی أقصى معدل تدفق المياه إلى الأراضي العراقية، انطلاقاً من مبدأ الصداقة وحسن الجوار".
اقرأ أيضاً: ولي العهد السعودي يستقبل رئيس الوزراء العراقي
لكن الجانب العراقي، وعلى لسان مستشار وزارة الموارد المائية، عون ذياب، أكد أن "التصريحات الإيرانية غير واقعية وحملت أرقاماً ومواقف ليست دقيقة"، وأوضح ذياب لمنصة "ارفع صوتك"، في الرابع والعشرين من مايو، أن "العراق دعا الجانب الإيراني لحضور مؤتمر المياه الذي عقد في مارس الماضي ببغداد، ولكن الأخير لم يلب استجابة الدعوة التي كنا نأمل من خلالها مناقشة الأزمة الدائرة"، وعليه تبدو بلاد الرافدين مُهددة بالاندثار، في ظل تعدّي الأطراف الإقليمية من جهة، وعجز السلطات العراقية عن محاسبتها من جهى ثانية، خاصةً في ظل الاضطراب الحاصل بالنظام العالمي خلال العقد الأخير، والذي زادته الحرب الأوكرانية نغماً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!