-
بريد هيلاري يبرهن “خيانة قطر”.. وصمود العرب في وجه التقسيم
أعادت الرسائل المسرّبة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، الحديث عن الدعم الأمريكي المقدّم للتنظيمات الإرهابية والقوى المؤدلجة في الشرق الأوسط، خاصة أنّها كشفت للمرة الأولى عن الأسماء والمبالغ المالية التي قدمتها الولايات المتحدة مقابل تنفيذ أجندات ذات أهداف محددة، وكيف لعبت قطر دور الوسيط في هذه العملية، منذ مطلع كانون/ يناير 2011، وما شهدته البلاد العربية من أحداث وتطورات تبعت هذا التاريخ.
وأثار قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع السرية عن بريد “كلينتون” حالة جدل كبيرة على المستويين الدولي والإقليمي، خاصة أنّ الرسائل رسمت خريطة مفصلة للدعم الممنوح من جانب إدارة باراك أوباما للتنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، ما وصفه مراقبون بأنّه مقابل أو ثمن لتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” القائم بالأساس على تقسيم المنطقة من خلال إثارة الحروب والفوضى وتغيير الأنظمة العربية وتصعيد تيارات تتفق مع الرؤية المطروحة من الجانب الأمريكي.
اقرأ أيضاً: السودان يواجه الكارثة.. خبراء يوضحون لـ”ليفانت” أسباب الفيضانات المدمّرة
ويرى مراقبون تحدّثوا لـ”ليفانت” بشكل منفصل، أنّ التوقيت يعدّ عاملاً محورياً في قضية البريد المسرب لكلينتون، فضلاً عن كون المعلومات الواردة في الوثائق تعدّ توثيقاً رسمياً للدعم الأمريكي للتنظيمات المتطرّفة، واعتراف رسمي بتورّط إدارة أوباما في الأحداث التي اجتاحت العالم العربي، منذ 2011 وغيّرت خريطة السياسة في الشرق الأوسط.
الإخوان ومشروع التقسيم
إلا أنّ الجزء الأهم الذي يعلّق عليه المراقبون بشأن التسريبات، يتعلّق بطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإخوان، وتباين درجات التقارب والتفاوت، وفقاً لتغير الإدارات والاختلاف الأيدلوجي الكبير بين الجمهوريين والديموقراطيين، إلا أنّ الجماعة حافظت على مساحة من التقرّب للإدارة الأمريكية، وارتبطت بشكل أساسي بتنفيذ الأجندة الأمريكية في المنطقة وتحقيق المزيد من الأهداف التي تتفق معها.
وحول ذلك، يقول الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية بمركز الأهرام للدراسات: “إنّ تسريبات هيلاري توضح بجلاء إلى أي مدى كانت أبعاد سياسة أوباما في الشرق الأوسط تستهدف تقسيم المنطقة وإعادة ترسيم الشرق الأوسط من جديد، بالاعتماد على الثورات وإثارة الشعوب ضد حكامها، واعتمدت في ذلك على عدة أدوات أهمها التنظيمات المؤدلجة، مثل جماعة الإخوان الإرهابية، بذراعيها السياسي والمسلح، وغيرها من التنظيمات التي ظهرت في المنطقة بالتزامن مع تلك الأحداث، وكانت تعمل على خطّ متوازٍ يستهدف في النهاية تحقيق المصالح الأمريكية وهذا ما كشفت عنه الوثائق بشكل واضح”.
كيف وظّفت أمريكا أموال الدوحة لتخريب المنطقة؟
ويؤكد “أحمد” في حديث لـ”ليفانت، أنّ “قطر كانت أهم أدوات المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، وسخّرت كافة مقدراتها لخدمته، من أموال وأدوات إعلامية، في مقدمتها قناة الجزيرة، التي عملت وفق إستراتيجية واضحة ومحددة منذ تدشينها، تستهدف “دس السم في العسل”، وإثارة القلاقل والفوضى بتحريض الشعوب على حكامهم وبلادهم لتغيير الأنظمة العربية بشكل كامل، باستغلال شعارات الحرية والعدالة، ثم عملت فيما بعد أحداث يناير على تجميل صورة جماعة الإخوان والتمهيد لصعودها للحكم”.
مشيراً إلى “أنّ المخطّط كان يستهدف في المقام الأول تمكين جماعات الإسلام السياسي تحت غطاء الشعارات السياسة البراقة، وباستغلال حقوق الإنسان، لذلك استخدمت قطر قناة الجزيرة لإظهار كوادر التنظيم باعتبارهم قادة قادرون على صناعة التغيير، وبالفعل نجحت الجزيرة في جزء من مهمتها، لولا ما تكشف من حقيقة فيما بعد، أكدت بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة هذه المخططات”.
اقرأ أيضاً: سياسيون ليبيون لـ”ليفانت”: نتائج بوزنيقة وبرلين 2 “حبر على ورق”
ويتابع الخبير المصري، أنّ الثورات العربية “نجحت في خداع الشعوب بشعارات تتعلق بالعدالة والحريات والتنمية، لكنها في الحقيقة كانت مدفوعة من جانب الإدارة الأمريكية لتحقيق مشروع يتفق مع رؤيتها لتقزيم الشرق الأوسط وتقويض دور الدول الفاعلة فيه، وفي القلب منها، مصر والسعودية والإمارات، لأنّ ما اتّضح خلال السنوات الماضية أنّ الهدف كان هدم الجيوش وإعادة تقسيم موارد المنطقة، وتدمير بلدان كاملة، مثل سوريا وليبيا واليمن والعراق، بما يتّفق مع المصالح الأمريكية، وهذا ما تؤكده الرسائل”.
ويلقي الخبير المصري الضوء بشكل خاص على التسريب المتعلق بزيارة هيلاري كلينتون لقطر في عام 2010، ولقائها وضاح خنفر، رئيس قناة الجزيرة، آنذاك، والذي طالبها بتقديم دعم سياسي وتسهيل عملية تدشين مجموعة من القنوات التي ستعمل على صياغة أهداف المشروع الأمريكي بما يتناسب مع الأحداث المرتقبة في الشرق الأوسط، وبالفعل تم تدشين مجموعة قنوات ومراكز بحثية وإعلامية بالإضافة لقناة الجزيرة.
“السعودية.. مصر.. الإمارات”.. القلب الصلب في المواجهة
ويرى “أحمد” أنّ السعودية والإمارات بجانب مصر، نجحوا في إجهاض المخطط إلى حدّ كبير، قائلاً: “بالرغم من حجم الدمار والفوضى الذي خلّفه المشروع الأمريكي في المنطقة وتسبب في هدم دول بشكل شبه كامل وتشريد الملايين وقتل وإبادة شعوب، وحرمان أجيال كاملة من التعليم وحتى الطعام والشراب، إلا أنّ المخطط كان أكبر من ذلك، وكان يستهدف تقسيم المنطقة ونسف ملامحها القديمة وبناء خريطة سياسية وجغرافية جديدة”.
ويؤكد الخبير المصري، أنّ المملكة العربية السعودية كانت القلب الصلب الي جانب مصر لإجهاض هذا الدور، لأنّ الإدارة الأمريكية طلبت من السعودية فعلياً أن تشارك في هذا المخطط وأن تلعب دوراً يضاهي الدور القطري، لكن المملكة كانت ثابته على موقفها تجاه قضيتها وحاربت هذا المخطط بكل قوة، ووقفت إلى جوار مصر ولعبت دوراً محورياً في كشف المخططات والتوعية بها، كما رفضت الإمارات أيضاً أي تدخل من الجانب الأمريكي في الشأن الخليجي أو المصري، وكان ردّها حاسماً على هيلاري كلينتون، عندما حاولت التدخل في الأحداث والاعتراض على إرسال درع الجزيرة للبحرين.
اقرأ أيضاً: خريف إيران في الشّرق الأوسط.. نهاية نفوذ دولة الملالي “قاب قوسين أو أدنى”
وضمن أخطر الأسرار التي كشفتها الرسائل، موقف الإمارات والسعودية من إرسال “قوات مشتركة” إلى البحرين في آذار/ مارس 2011، في رسالة بعثها مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية السابق لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، في 13 مارس/ آذار 2011 بعنوان “عبد الله بن زايد: استجابة القوات السعودية والإماراتية لطلب بحريني للمساعدة”.
وقال فيلتمان في رسالته، إنّ الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، أكد له أنّ الإمارات والسعودية ترسلان قوات إلى البحرين، بناء على طلب من الحكومة البحرينية، وأنّ بلاده تستجيب لطلب استعادة النظام، وأضاف الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، أنّ دول مجلس التعاون الخليجي لن تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد آخرين “يأخذون البحرين رهينة”، وألمح الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى أنّ دولا أخرى قد تنضم، مؤكداً أنّ “هذا شأن داخلي لمجلس التعاون الخليجي”.
وفي الصدد، يقول الكاتب السعودي حسن الشيخ: “إنّ التسريبات فضحت الكثير عن دور المال القطري لزعزعة الأوضاع في بداية ما يسمى “الربيع العربي”، من خلال التطرّق للكثير من الرسائل المتبادلة بين كلينتون وحمد بن جاسم، إبان اندلاع الأزمة في مصر وتونس، وتصدّر الإخوان المشهد على الساحتين المصرية والتونسية، الأمر الذي أسعَدَ قطر وكلينتون التي اقترحت تقديم الدعم بصورة استثمارية، تهرباً من تحمل مغبة الدعم المباشر لتنظيم لا ينتهج إلا التدمير وضرب السلام والأمان، فتم التسويق للأمر على شكل “صندوق الاستثمار الأمريكي المصري”، ومشروع مماثل في تونس تحت المسمى ذاته “صندوق الاستثمار الأمريكي التونسي”، وتمويل المشروعين بعشرات الملايين من الدولارات للمساهمة في تعويم المشروع الإخواني القطري، ولكن قطر لم تكتفِ بذلك حسب التسريبات، فقد أبدت استعدادها لتقديم الدعم إلى مصر وتونس الإخوان بعشرات المليارات من الدولارات خارج هذين الصندوقين.
ليفانت-خاص
إعداد: رشا عمار
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!