-
العقوبات الأمريكية الأوروبية على بكين لا تغني جوع هونغ كونغ للاستقلالية
تتطوّر قضية هونغ كونغ ومساعي بكين للاستحواذ على قرار المدينة بشكل دراماتيكي، حيث يدرك الغرب أنّ خياراته محدودة في الضغط على الصين، بغية التراجع عن جهودها تلك، لتبقى عصى العقوبات الأمريكية والأوروبية مرفوعة في وجه الصين، وإن كانت جدواها محدودة.
وقد أيّد البرلمان الصيني، في مايو الماضي، قراراً لتطبيق قانون الأمن الوطني، في هونغ كونغ، التي يتخوّف نشطاء ودبلوماسيون ورجال أعمال، من أن يقوّض الوضع شبه المستقلّ الذي تتمتع به المدينة، ودورها كمركز مالي عالمي، وتوعدت بكين عبره بفرض عقوبات صارمة على جرائم السعي للانفصال والتخريب تصل إلى حدّ السجن مدى الحياة، وهو ما يرجّح إثارة المزيد من التوتر مع الولايات المتحدة وبريطانيا وحكومات غربية أخرى، تتخوّف من أن يؤدّي القانون إلى تقليص الحريات في المدينة.
إجراءات أمريكية في وجه بكين
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت قضية هونغ كونغ تطورات عديدة، حيث شجبت الولايات المتحدة، في الثلاثين من يونيو، إقرار بكين التشريع الجديد للأمن القومي، وأشارت أنّ تلك الخطوة “تنتهك” التزامات بكين الدولية، وذلك على لسان جون أوليوت، الناطق باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، الذي قال إنّ إجراءات قاسية ستفرض “ضد أولئك الذين خنقوا حرية واستقلالية هونغ كونغ”، مردفاً، أنّ سلطات بلاده “تحثّ بكين على التراجع عن مسارها فوراً”.
ليقرّ مجلس النواب الأمريكي، في الأول من يوليو الجاري، تشريعاً يفرض عقوبات على البنوك التي تجري معاملات مع المسؤولين الصينيين الذين ينفذّون القانون الصيني للأمن القومي في هونغ كونغ.
فيما قالت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إنّ القانون الصيني يكتب شهادة الوفاة لمبدأ “دولة واحدة ونظامان”، ووصفت القانون الصيني بأنّه “حملة وحشية كاسحة على شعب هونغ كونغ، والهدف منه تدمير الحريات التي وعد بها”، وذلك بالتزامن مع لجوء الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات، من بينها إنهاء الامتيازات التي تمتعت بها هونغ كونغ، وإيقاف الصادرات العسكرية، وتقييد إمكانية حصول المنطقة على المنتجات التكنولوجية المتقدمة.
بريطانيا تُساند مستعمرتها السابقة
وكانت قد وقّعت كل من بريطانيا والصين إعلاناً مشتركاً، في العام 1984، بخصوص قضية هونغ كونغ التي كانت مستعمرة بريطانية، حيث مثّلت، تلك، مُعاهدة مُصدق عليها، ومسجلة لدى الأمم المتحدة، تنصّ على أن تعود هونغ كونغ إلى السيادة الصينية بحلول عام 1997، على أن يبقى النظام السياسي والاقتصادي الخاص بالجزيرة دون تغيير لمدة 50 عاماً قادمة، أي حتى العام 2047.
لكن الإجراءات الصينية من الواضح أنّها تمثّل انتهاكاً للاتفاقية السابقة، وهو ما أشارت إليه وزيرة الداخلية، بريتي باتيل، في تصريح لها، في الثاني من يوليو الجاري، عندما قالت: “إنّ المملكة المتحدة تتحمل التزاماً تاريخياً وأخلاقياً تجاه المواطنين البريطانيين في الخارج في هونغ كونغ، وسوف نحترم التزامنا تجاههم”، مشيرةً أنّ “قرار الصين بفرض قانون أمن قومي على هونغ كونغ مؤسف للغاية”.
ويبدو أنّه لم يبقَ أمام لندن من خيارات كثيرة، عقب الإقرار الصيني للقانون، سوى أن تمنح مواطني المدينة الحق في استحواذ الجوازات والجنسية البريطانية، كأخف الشرور وطأة على الهونغ كونغيين، إذ قال وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب: “إنّ حقوق المواطنة التي يتمتع بها أبناء هونغ كونغ المؤهلين للحصول على جواز السفر البريطاني في الخارج، سوف يجري تمدديها لمدة خمس سنوات”، ذاكراً أمام مجلس العموم، أنّ القواعد الجديدة سوف تتيح لما يزيد على ثلاثة ملايين من أبناء هونغ كونغ بالحياة والعمل في بريطانيا، دون التقيّد بمدة الستة أشهر المعمول بها حالياً.
فيما سيتاح لحاملي جوازات سفر المواطنين البريطانيين في الخارج، عقب خمس سنوات من الإقامة في المملكة المتحدة، التقدم لتسوية الأوضاع ثم التقدم لطلب بطاقة مواطنة، بعد ذلك بعام، فيما أشارت الحكومة البريطانية إلى وجود قرابة 2.9 مليون مواطن من حاملي جوازات السفر الموطنين البريطانيين في الخارج، يقيمون في الوقت الراهن في هونغ كونغ.
توافق أوروبي في رفض سياسات بكين
ورغم ما سعت له بكين من الحصول على النفوذ عقب جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، لا يبدو أنّها تمكنت من تحقيق ذلك الهدف، إذ بقيت القوى الأوروبية الرئيسة متقاربة في رؤيتها حول قضية هونغ كونغ، وهو ما يمكن استنتاجه من دعوة للمستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في الثالث من يوليو، حين طالبت بضرورة أن يتحدّث الاتحاد الأوروبي بصوت واحد مع بكين، إذا أراد التوصل إلى اتفاقات طموحة لضمان مصالحه.
وذكرت ميركل، أمام المجلس الاتحادي الألماني: “إنّه من أجل التوصّل إلى علاقات ناجحة مع الصين، وتعزيز مصالحنا الأوروبية بفاعلية، على أوروبا أن تتحدّث بصوت حاسم واحد”، مردفةً بالقول: “الدول الأعضاء في الاتحاد لا يمكن أن يكون لديها الثقل الكافي لتحقيق اتفاقات طموحة مع الصين إلا بالوقوف معاً”، مردفة: “بناءً على الحوار الصريح، نتحدث أيضاً عن حكم القانون وحقوق الإنسان، وكذلك مستقبل هونغ كونغ، حيث يساورنا القلق من أنّ المبدأ المهم القائم على دولة واحدة ونظامين يتآكل”.
فيما أبدى مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن قلقه جراء احتجاز محتجين في هونغ كونغ، عقب إقرار بكين لقانون أمن قومي جديد لهذه لمنطقة الإدارية الخاصة التابعة لها، وذكر الناطق الرسمي باسم مكتب حقوق الإنسان في جنيف، روبرت كولفيل، للصحفيين، أنّ مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان يستمر في دراسة القانون الجديد بعد دخوله حيز التنفيذ، فيما يتعلق بامتثاله للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان.
وأردف: “أعتقد أنّه تم اعتقال عدّة مئات من الأشخاص منذ بدء الاحتجاجات، يوم الأربعاء، وأعتقد أنّ 10 من هؤلاء الأشخاص قد تم اتهامهم بموجب القانون الجديد، لكن ليس لدي المزيد من التفاصيل في هذه المرحلة حول طبيعة التهم”، مستكملاً: “الزملاء يعملون بنشاط كبير، ويحاولون الحصول على هذه الأنواع من التفاصيل وسنرى أيّ نوع من المخاوف سيتكوّن لدينا بشأن الحالات الفردية”.
مشيراً أنّه توجد تعريفات “غامضة وواسعة بشكل مفرط” لبعض الجرائم في القانون الجديد الذي اعتمده مجلس النواب الصيني، مبيّناً أنّ “هذا قد يؤدّي إلى تفسير وإنفاذ تمييزي أو تعسفي للقانون، مما قد يقوّض حماية حقوق الإنسان”.
وعليه، من الجلي أنّ بكين تتوجّه إلى تمكين قبضتها على المدينة، التي تضم واحدة من أعلى الكثافات السكانية في العالم، نتيجة دورها في عالم الأعمال، وهو ما يبدو أنّ بكين غير معنية بالحفاظ عليه، في ظل السياسة الصينية القائمة على ابتلاع مجموعة من المناطق المجاورة لها، فيما قد يعني فشل الغرب في حماية هونغ كونغ، وأنّ التهديد ذاته يمكن أن يطال مناطق مُجاورة أخرى، تراه بكين جزءاً منها، وترى هي ذاتها دولة مستقلة كـ”تايوان”.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!