-
السياسات اللاأخلاقية في سوريا
معروف في جميع القوانين والأعراف الدولية أنّ أنظمة الحكم تتغير حسب الظروف والوقائع، ولكن أن يتغير الشعب بأكمله هذا ما لم يحدث عبر التاريخ وما لا يقبله العقل والمنطق، وقد حصل أو يحصل لمجموعة أو أقلية في دولة ما، كما حدث إبان حكم ستالين عندما هجَّر الكورد من مناطقهم في ناغورني كرباخ وتشتيتهم في معظم ولايات الاتحاد السوفييتي آنذاك، وأيضا خلال مجزرة الأرمن في تركيا، حيث تمَّ قتل وتهجير الملايين من الأرمن، وفي الهجرة المليونية للكورد في عهد النظام العراقي البائد، ولكن أن يحدث هذا التغيير لدولة بأكملها، يبيد ويهجِّر نظام حكم لشعبه هذا لم يحدث من قبل.
ما حدث ويحدث في سوريا يفوق الخيال والتوقعات، الذي تغير هم الشعب السوري بمعظمه الذين تمَّ تهجرهم عنوةً أو مجبرين وتشتيتهم إلى دول الجوار وإلى معظم دول العالم، وتم تبديلهم بميليشيات وفصائل وعناصر إرهابية تمَّ جلبهم من مناطق مختلفة في العالم، وغالبية هؤلاء من سَفَلَة الشعوب ومنحطيها.
هذه الثورة التي بدأت قبل عقد من الزمن ضد نظام الأسد الدكتاتوري الذي حكم البلد بقبضةٍ من حديد، جعلت من سوريا حديقة خاصة لعائلة الأسد الحاكمة ورجالاتها. الثورة التي كانت منفذ الشعب السوري للخلاص من كم الأفواه والظلم وقيود الاستبداد، خرجوا إلى الشوارع بروح من التفاؤل والأمل، غرفوا الهِمَمَ والمعنويات العالية من الشعارات الرنانة التي نادت بها الدول الكبرى من الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن لم يكن يعلمون أنّ هذه الشعارات ستصبح وبالاً ثقيلاً على كاهلهم، يؤدي بهم إلى الهلاك.
مرت شهور وسنوات وتحولت تلك الثورة السلمية إلى صراع مسلح، وتحولت سوريا إلى ساحة صراع دولية وبؤرة إرهاب عالمية، اجتمع فيها معظم إرهابيي العالم وانضمت إلى ميليشيات وفصائل مسلحة وتحت مسميات عديدة، حوّلوا سوريا إلى مستنقع مرعب، تحوم حوله أشباح، أرضٌ احتوت- رغم مساوئ النظام وجبروته- شعباً مسالماً يعيش على الحب والتسامح والعيش المشترك، وخوفهم على بعضهم البعض من الذلِّ والهوان، هذا ما كُنا نحسُّ بها آنذاك، هذا كله كان إحساس الشعب السوري، وما يحدث الآن من إقصاء الآخر والتهميش هم ليسوا الشعب السوري بل هم مَنْ كانوا مع النظام المجرم ويقتاتون على موائده وهم من بائعي الوطن.
هذه الظروف والأهوال وجبروت النظام وحلفائه وبموافقة ضمنية من قبل دول العالم عَرَّضَت الشعب السوري إلى القتل والتشريد والهجرة والنزوح، أكثر من ثلثي سكان سوريا يعيشون خارج حدود وطنهم، بينما النظام المجرم الذي تفنن في قتل شعبه بقي داخل سوريا يسرح يمرح دون أن يكون له رادع يوقفه أو يردعه عن القيام بجرائمه وممارساته البشعة.
من أجل حفنة من المرتزقة والفاسدين واللصوص والمجرمين يضطر معظم الشعب السوري المسالم إلى التشتت والتسوّل في جميع بقاع العالم ويقبلون ذلك على أنفسهم بدل أن يكونوا أدوات وأعوان لهؤلاء المرتزقة والعملاء لأنّهم تربوا على القيم النبيلة والعزة والكرامة وحب الآخرين. ورغم كل هذه الجرائم التي حصلت وما زالت تحصل، يبقى المجرم بشار وأعوانه في هرم نظامه الفاسد ويأخذ شرعيته من الدول أصحاب الشعارات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ويطالبون بمفاوضته لبقائه هو ونظامه الفاسد، ولكن لا العقل ولا الضمير يقبل أن يتم التفاوض مع مجرم استخدم أبشع الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية ضد شعبه.
سابقة لاأخلاقية من منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى- الذين طالما نادوا بالوقوف إلى جانب الشعوب المقهورة والمظلومة- بأن يرعوا مفاوضات بين النظام المجرم الذي بقي في الداخل، والمعارضة على حساب الشعب السوري، مشتتين في الداخل والخارج. الذين في الداخل ذاقوا مرارة الخوف والجوع والموت، والذين في الخارج ذاقوا مرارة الغربة والتسوِّل.
لولا التخاذل والتماطل والسياسة المصالحية من قبل منظمة الأمم المتحدة والدول الكبرى لمّا تمادى نظام الأسد في طغيانه وجبروته.
بعد مرور هذه السنوات من أهوال القهر والظلم والحرمان ما زال الشعب السوري في ترقب وانتظار لأنْ يأتي ذاك اليوم الذي يسقط فيه النظام الفاسد، ويعودون إلى وطنهم وأرضهم ليس ثقة بدول الأنظمة العالمية التي خذلتهم، ولكن بسبب إيمانهم بالله وثقتهم بأنَّ الشرَ مهما طال ستبقى هناك فتحة أمل وفرج، وسينتصر الحق ويزهق الباطل، يذوب الظالم والمستبد في لعنة التاريخ والإنسانية.
ليفانت - عز الدين ملا
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!