الوضع المظلم
الثلاثاء ١٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الانتخابات التركية المبكرة بين عجز المعارضة ومماطلة أردوغان

الانتخابات التركية المبكرة بين عجز المعارضة ومماطلة أردوغان
رودوس خليل

منذ الانتخابات البلدية التي تقدمت فيها المعارضة وفازت فيها ببلديتي أنقرة وإسطنبول بعد 25 عاماً من هيمنة حزب العدالة والتنمية عليهما، بدأت المعارضة، المتمثلة بتحالف الشعب، تنادي بانتخابات مبكرة، وهناك من طلبها فورية، لأنّها ترى نفسها في حالة أفضل في استطلاعات الرأي، إلا أنّ الجانب الآخر، المتمثّل بتحالف الجمهور برئاسة أردوغان، يقول إنه ليس هناك ضرورة لانتخابات مبكرة في البلاد مستنداً إلى حليفه في حزب الحركة القومية برئاسة دولت بهجلي، والذي يردد أسطوانة حليفه بأن الانتخابات ما زالت في موعدها المقرر في شهر حزيران من العام 2023.

في قلب هذه الأسطوانة التي بات الشعب التركي يسمعها كل يوم بين تحالف الجمهور وتحالف الشعب بخصوص الانتخابات المبكرة، من الذي يملك من الناحية القانونية والدستورية قرار الدعوة لانتخابات مبكرة في البلاد؟

أولاً: الرئيس التركي بدون إبداء الأسباب، وهي صلاحيات أقرّها الدستور للرئيس في ظل النظام الرئاسي الجديد.

ثانياً: مجلس الأمة التركي الكبير(البرلمان)، ولكن بشرط أن يحصل مشروع القرار على موافقة 360 نائباً من أصل 600 نائب، وهو تعداد الأعضاء في البرلمان، وهذا شبه مستحيل، وفي الحالتين إذا أعلنها الرئيس أو البرلمان فإن الرئيس ينهي ولايته والبرلمان يحلّ نفسه، فالانتخابات متزامنة ومن يطالب بها يخسر جزءاً من المدة المتبقية له، سواء أكان رئيساً للجمهورية أو نائباً في البرلمان.

لا أحد يملك في البرلمان الرقم 360 نائباً للدعوة إلى إجراء الانتخابات، ففي المجلس لا حزب العدالة والتنمية يملك هذا الرقم حتى لو أضيف إليه نواب حزب الحركة القومية، ولا المعارضة التي تطالب بها تملك هذا الرقم (حزب الشعب الجمهوري + حزب الجيد + حزب السعادة + حزب الشعوب الديمقراطية الذي يدعم التحالف من الخارج)، وأكثر من ذلك، إذا غير حزب الحركة القومية رأيه وانضم إلى صفوف المعارضة لن يصل العدد إلى الرقم 360.

فعلياً البرلمان ليس بمقدوره الوصول إلى هذا القرار، لهذا يبقى القرار دائماً في القصر الرئاسي، والرئيس أردوغان سعيد ومطمئن لهذا، لذلك لا تكف المعارضة بالضغط على الرئيس، ومؤخراً مع تدهور الليرة ووصولها إلى أرقام قياسية زادت المطالبات من أحزاب المعارضة بضرورة التغيير، لأن هناك حالة اقتصادية تفرض عليه الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية عاجلة.

سجال ما زال قائماً منذ الانتخابات البلدية لا تهدأ المعارضة وتريد أن تعطي انطباعاً بالثقة بالنفس والجهوزية الكاملة لهزيمة التحالف الحاكم برئاسة أردوغان.

شهدت تركيا عبر تاريخها السياسي الطويل انتخابات مبكرة في ظل أزمات خانقة وانسداد سياسي واختلافات سياسية بين الأحزاب الائتلافية التي كانت تشكل الحكومات، ولكن هذا كان قبل النظام الرئاسي الحالي، لذلك ينفي الرئيس أردوغان وجود أزمات كبيرة، وأن الحكومة تعمل بشكل طبيعي، وأن موظفي الدولة يتقاضون رواتبهم كل شهر، وأنه تم تغيّر النظام البرلماني أصلاً لتشكيل حكومات قوية ومستدامة.

ومن الشعارات التي ترفعها المعارضة، أن الرئاسة الحالية عاجزة عن مواجهة أزمات البلاد الداخلية والخارجية وحلّ المشاكل، ولا سيما التحديات التي تواجه الاقتصاد، ولذلك فإنّ تراجع قيمة الليرة مؤخراً اتخذته المعارضة سلاحاً لأنها تزعج وتؤذي شرائح واسعة من الشعب التركي، فثمّة صراع بين التحالفين الحاكم والمعارض على السردية المتعلقة بهذا الأمر. تقول المعارضة إن الأزمات الحاصلة هي بسبب سوء إدارة أردوغان للملف الاقتصادي، وإن تدهور الاقتصاد والليرة سيستمر ويكبر ويتعمّق وسيصل إلى طريق مسدود، بينما يقول الرئيس إنها بسبب الضغوط الخارجية المقصودة وإن بلاده تخوض حرب الاستقلال الاقتصادي، وإن هذه الأزمة مرحلة انتقالية وسيتحسن الاقتصاد بعد ستة أشهر.

لذلك فإنّ المعارضة تريد أن تخوض هذه الانتخابات الآن في ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية والنقدية، بينما يحبذ حزب العدالة والتنمية أن تجرى في موعدها حتى يكون المواطن قد لمس بعض التحسّن. فالانتخابات القادمة، سواء أكانت مبكرة أو في موعدها، ستكون الامتحان الأصعب لحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه.

أعتقد أنّ الهدف الرئيس للمعارضة في المطالبة المتكررة بإجراء الانتخابات هو الضغط النفسي على الرئيس أردوغان وليس الانتخاب بحد ذاته، حتى إن زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، بات يتحدّث وكأنه الرئيس المقبل ليصنع صورة معينة بأن المعارضة قادمة وأن حزب العدالة والتنمية انتهت صلاحيته، لذلك نرى الرئيس أردوغان على المنابر يتكلم بعصبية، حتى إنه وجه انتقاداً حاداً لكليجدار أوغلو ووصفه بالفاشل الذي لا يستطيع إدارة رأسين من الخراف.

إن التفاؤل الذي تظهره المعارضة باعتقادي غير مسلم به، بدليل أن استطلاعات الرأي تعطي انخفاضاً في شعبية حزب العدالة والتنمية، ولكن ليس لصالح المعارضة المؤلفة من حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، فالذي يخصم من حصة حزب العدالة والتنمية هم كتلة المترددين من الشباب والأحزاب الجديدة التي تشكلت من رحم حزب العدالة والتنمية كحزب داوود أوغلو (حزب المستقبل)، وحزب علي بابا جان (الديمقراطية والتقدم)، فلا حزب الشعب الجمهوري يخطى بنسبة 25% ولا حزب الجيد بنسبة 10% في استطلاعات الرأي الأخيرة.

من المفترض أنه عندما تطالب المعارضة بانتخابات مبكرة بل فورية أن تكون جاهزة ومستعدة لها وأن يكون لها مرشح معلن وواحد يتفق عليه الجميع، ولكن إلى هذه اللحظة لا يوجد مرشح، والصورة ضبابية، فهل ستتجه المعارضة بأكثر من مرشح؟ فاللقاءات متواصلة وكانت هناك ضغوطات من حزب الجيد بالدفع بأكرم إمام أغلو، رئيس بلدية إسطنبول، للترشح أمام أردوغان، ولكن نتيجة للضغوطات من قبل حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كليجدار أوغلو، نفى أكرم إمام أوغلو نيته في الترشح، وصرّح أنه يركز الآن على عمله في البلدية وتقديم الخدمات إلى الشعب التركي من خلالها.

أعتقد أن عدم قدرة المعارضة على إعلان اسم مرشحها له عدة أسباب:

أولاً: إن الأحزاب الصغيرة والجديدة تنظر إلى الانتخابات بأنها فرصة للحشد وللتعريف بالحزب، فمثلاً في الانتخابات الرئاسية السابقة رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، التي تطالب اليوم بمرشح توافقي، دخلت السباق الانتخابي لوحدها وأفشلت فكرة المرشح الواحد الذي اتفقت المعارضة عليه في حينها، وهو عبد الله غول، وكانت هذا فرصة لها واستطاعت أن تدخل إلى البرلمان وتحصل على حوالي 10% من الأصوات.

ثانياً: في حزب الشعب الجمهوري كانت هناك حسابات انتقامية بين القيادي المعارض، محرم إينجة، ورئيس الحزب، كليجدار أوغلو، الذي أصرّ على الترشح، فقدمه كليجدار أوغلو إلى مذبحة الانتخابات الرئاسية، فخسر الرجل وخرج من الحزب ليتجه أخيراً لتشكيل حزب أسماه حزب البلد.

ثالثاً: حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد الآن في أزمة وجودية، وزعيمه صلاح الدين دمرتاش قابع في السجن، وهناك قضية مرفوعة أمام المحكمة الدستورية لحل هذا الحزب، لذا قد يقرر أن يدخل السباق الرئاسي بمرشح مستقل ليأخذ الكثير من الأصوات من المرشح التوافقي للمعارضة إذا اتفقوا في النهاية.

رابعاً: إذا كان هناك مرشح توافقي للمعارضة فينبغي أن يأخذ الأصوات من الجميع، ولكن من هم الجميع؟

الجميع هم كالتالي: حزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار، حزب قومي يميني، وحزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كليجدار أوغلو، حزب يساري علماني، وحزب السعادة برئاسة تمل كارامولا أوغلو، حزب يميني إسلامي، وحزب الشعوب الديمقراطية برئاسة صلاح الدين دمرتاش، حزب يساري علماني قومي كردي.

حتى تأتي بمرشح يرضي كل هذه الأذواق مستحيل، لذلك رفض حزب الشعب الجمهوري فكرة ترشيح عبد الله غول، المرشح التوافقي في الانتخابات الرئاسية السابقة لأنه إسلامي محافظ لا يختلف عن أردوغان بشيء. لذلك هناك معضلة كبيرة في المعارضة بهذا التنوع والاختلاف فيما بينهم، فهم مجتمعون فقط على العودة إلى النظام البرلماني وعلى معارضة أردوغان، وبسبب الأفكار والأيدولوجيات المنتشرة بين أنصارهم، من الصعب الدخول بمرشح واحد يحصل على إجماع الجميع.

هناك فرصة تاريخية في القادم من الأيام بمتناول أحزاب المعارضة إذا أحسنت الاختيار والتصرف، فالصورة ونتائجها واضحة، فمنذ العام 2017 تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية، وخاصة منذ نتيجة الاستفتاء في التحول إلى النظام الرئاسي، والأسباب واضحة، فهو حزب يحكم منذ 19 عاماً، والأحزاب التي تحكم طويلاً تترهل وتضعف وتتراجع ثقة الناخب به، وهناك مشاكل داخلية وخارجية للبلاد قد لا تكون خانقة ولكنها موجودة ومزعجة وتراجع الوضع الاقتصادي محسوس بالنسبة للمواطن التركي، وكذلك هناك تغير في فكر وممارسة حزب العدالة والتنمية للعمل السياسي فقد بدأ حزباً إصلاحياً، وكان خطابه أكثر هدوءاً، ولكنه الآن تحول إلى حزب قومي يميني بخطاب حاد أحياناً يميل إلى الشعبوية في بعض الأمور والاستمرار في الحكم لفترة طويلة يعطي انطباعاً بأنه حزب حاكم ومتحكم بمفاصل الدولة، وهذا غير مرغوب به.

أخيراً.. تبقى الانتخابات القادمة مفتوحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تكون مفاجئة وصادمة لمراقب في الشأن التركي، فعلى صعيد التحالفات قد يتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب السعادة، وهذا وارد بقوة، فكلا الحزبين قد خرجا من رحم حزب الفضيلة الذي حل عام 2002، وقد تعود الأحزاب الجديدة إلى أحزابها الأم، وعلى صعيد التوقيت قد يدعو الرئيس أردوغان إلى انتخابات خاطفة إذا رأى أن الاقتصاد قد تحسن، وقد يدعو أيضاً إلى انتخابات مبكرة إذا أيقن أن شعبية الحزب في تدهور مستمر، ولينقذ ما تبقى من رصيد الحزب، وقد يدخل أكرم أمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، السباق الرئاسي في اللحظات الأخيرة، وهو سياسي ذو ثقل كبير، وقد يغير الموازين لصالح المعارضة، وعلى صعيد الحظوظ وخدمة للأزمة الاقتصادية وتدهور الليرة يبقى اسم علي بابا جان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، والمنشق عن حزب العدالة والتنمية، الأكثر حظاً، فهو رجل اقتصاد لامع وقد تسعفه الأزمة كثيراً، فالرئيس أردوغان يدرك ثقل هذا الرجل وهو الآن يحرك دعوة قضائية ضد أحد قيادات هذا الحزب بتهمة التخابر مع دولة أجنبية، وقد يتم حل الحزب إذا ألبسوه التهمة.  

رودوس خليل



ليفانت - رودوس خليل

 

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!