-
"أردوغان" يواصل تقييد المجتمع التركي بذريعة الانتماء لـ"غولن"
في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والداعية فتح الله غولن، منذ محاولة الإنقلاب يوليو العام 2016، عقب إتهام انقرة للمنفي في بنسلفانيا في الولايات المتحدة بالمسؤولية عن التخطيط له، تزداد الإشارات التي تؤكد الفائدة التي جناها حاكم أنقرة من محاولة الإنقلاب عليه، إذ سمحت له وفق التقارير المعنية بتمكين حكمه والتخلص من المعوقات التي كانت تعترض طريقه نحو تسيُد المشهد التركي برمته.
فعلى مدار الأعوام التي تلت الإنقلاب التركي، شنّت القوات الأمنية التركية حملات ممنهجة للقضاء على ما يعتبرها الرئيس التركي بالكيان الموازي والذي يرى فيه أردوغان بأنه أشبه بدولة داخل دولة، عبر تغلغل مناصري الداعية التركي في مؤسسات الدولة لا سيما الجيش والقضاء والتعليم، وهو ما يعتبره مناصرو أردوغان مُبرراً لعمليات الفصل من الوظائف والاعتقال، فيما يراها مناصرو الداعية سبيلاً لنيل الرئيس التركي من معارضيه، وصنع تركيا جديدة لا مكان فيها لغير تمجيده، وعليه تتواصل الحملات الأمنية التركية بحق متهمين مفترضين بالإنتماء لما تسمى بحركة غولن أو حركة الخدمة.
حملات داخل الجيش منذ بداية العام
ومن المعروف أن تركيا العلمانية التي أسسها أتاتورك، كانت قائمة على فصل الجيش عن السياسة، لكنها قاعدة كسرها أردوغان عقب محاولة الإنقلاب أواسط يوليو العام 2016، والتي تبعها حملات إعتبرها الرئيس التركي تطهيراً للجيش من أتباع خصمه الداعية، وهي حملات لا تزال مستمرة حتى الوقت الراهن، ففي الرابع عشر من يناير الماضي، توجهت السلطات التركية إلى اعتقال 115 جندياً، يشتبه بصلتهم بـ غولن، وذكرت وسائل إعلام تركية إن هؤلاء الجنود هم من بين 176 جندياً أمر الادعاء باعتقالهم في إطار تحقيق مستمر في شبكة غولن، حيث كان من بينهم 108 ما زالوا في الخدمة العسكرية، ومن بينهم أيضاً 6 من قادة طائرات إف 16، و4 من قادة الدرك في المحافظات، وهي أرقام صغيرة مقارنة مع وجود حوالي 77 ألف شخص في السجون بذات التهمة من مختلف المؤسسات الإدارية والعسكرية وحتى التعليمية، إضافة إلى إقالة نحو 130 ألف آخرين من وظائفهم الحكومية.
إقرأ أيضاً: مُشكلة أنقرة في إدلب.. (خسارتها) دون كسب كوباني
تلك الإجراءات وغيرها، دفعت فتح الله غولن، في السابع والعشرين من يناير، للقول بأن سياسة رجب طيب أردوغان تحركها الغيرة والكراهية والانتقام، وإنه سيلقى نفس مصير الزعيم النازي أدولف هتلر، وذلك في تصريحات لصحيفة “دي فيلت الألمانية”، قائلاً إن حركة الخدمة التي يتزعمها لم تكن لها أي علاقة بأردوغان، وأن الأخير حاول في البداية إلصاق نفسه بالحركة، للاستفادة من التزامنا بالديمقراطية، متابعاً أن الرئيس التركي ما إن وصل للسلطة، حتى أظهر وجهاً مغايراً تماماً، بعيداً كل البعد عن الديمقراطية، بالقول: "فهو يحاول باستماته أن يكون قائداً للعالم الإسلامي، لكن سياساته المتناقضة تقضي عليه".
وإنتقد غولن دعم أردوغان تطورات في الشرق الأوسط التي أدت لصراعات وحروب، مؤكداً أن سياسته “تحركها الغيرة والكراهية والانتقام، وقرارات الحكومة التركية يحركها جنون العظمة”، قائلاً: “جميع الطغاة النرجسيين مثل هتلر، يحظون بنهايات سيئة، وينتهي حكمهم على يد الغضب الشعبي.. أردوغان سيلقى المصير نفسه”.
تضييق على الصحافة والسياسيين
ويبدو أن خلاصة "الفائدة" التي يجنيها أردوغان من غولن في تمكين أركان حكمه عبر إعتقال وفصل المعارضين بتهمة الإنتماء لحركة الداعية المنفي، قد تحولت إلى شبه يقين لدى مختلف الأطراف المتابعة للملف التركي، ففي الثامن والعشرين من يناير، أجرى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، اجتماعاً لمراجعة سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان منذ آخر تقرير دوري شامل في سنة 2015، للوقوف على وضعية حقوق الإنسان في أنقرة من خلال التطرق إلى مجموعة من الملفات، عبر مراجعة المشهد الحقوقي في تركيا في الفترة التي شهدت محاولة الانقلاب في العام 2016، والتي تلتها حالة طوارئ دامت سنتين، استخدمت فيها السلطات إجراءات أمنية مشددة، تم فيها إيقاف الآلاف من الأشخاص واعتقالهم بحجة انتمائهم إلى حركة غولن.
وخلالها، شدد منتقدو حكومة حزب العدالة والتنمية على إنها استغلت حالة الطوارئ لتفرض قيوداً على خصومها السياسيين، وإقصاء بعض هؤلاء من المشهد السياسي، إضافة إلى إلقاء حملة صارمة على الصحافيين ونشطاء المجتمع المدني، حيث حوكم الكثيرون بتهم تزعم دعمهم للإرهاب بسبب انتقادهم لسياسات الحكومة في ملاحقتها لأبناء حركة غولن وقمع الحركة السياسية الكردية، فيما اعتبرت لجنة حماية الصحافيين تركيا أكبر بلد يسجن الصحافيين في العالم بعد الصين، وذلك لمدة ثلاث سنوات إلى حدود سنة 2019، حيث سجنت الصين 48 صحافياً بينما سجنت تركيا 47!
إقرأ أيضاً: داعش يعود.. فمَن يمتلك الرغبة في عودته؟
فيما قالت الصحافية والناشطة في مجال المجتمع المدني، نورجان بايسال، في كلمة ألقتها خلال اجتماع للمرصد الدولي لحقوق الإنسان “أصبحنا نمارس الرقابة على أنفسنا بسبب هذه المخاوف. على سبيل المثال، قبل المجيء إلى هنا، سألت نفسي ما إذا كنت أستطيع توظيف كلمات معينة، أو إذا ما كان ينبغي أن أستخدم مصطلح ‘غزو’ أو ‘حرب’، لأن كلمة الحرب محظورة في تركيا. يؤثّر كل ما أقوله على حياتي وعلى حياة عائلتي وأطفالي”.
تحويل الدولة إلى مرتع للمليشيات
وإضافة إلى حملات الاعتقال في صفوف الجيش والتضييق على الصحفيين والسياسيين وفصل الموظفين في مؤسسات الدولة بحجة غولن، بدأ الرئيس التركي بتوجيه تركيا نحو منحى خطير، يتلخص في تسليح المدنيين وتحويلهم إلى مليشيات، ففي بداية فبراير الجاري، شهد البرلمان التركي جدلاً حول مشروع قانون تقدم به الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية من أجل تسليح حراس للمدن والأسواق ليلاً، حيث عبّرت عدة أوساط سياسية تركية معارضة عن تخوفها من تحول هؤلاء المدنيين أصلاً إلى ميليشيات موالية للحزب الحاكم، لا سيما أن وزارة الداخلية هي التي ستعينهم من بين أنصار الحزب.
وعبّر البعض عن تخوفهم من تحول هؤلاء إلى ميليشيا موازية لقوات الأمن يديرها الحزب الحاكم، ويستخدمها أداة في تقييد حرية المواطنين، حيث قال النائب السابق بحزب العدالة والتنمية مصطفى ينار أوغلو إن “السلطات الممنوحة للحراس خاطئة جداً”، مردفاً عبر “تويتر”: مجالات التنفس في المجتمع تزداد ضيقاً يوماً بعد يوم، فإعطاء سلطات الشرطة، مثل استخدام الأسلحة، والتوقيف، والبحث والتفتيش عن الهوية، في يد أشخاص لم يحظوا بتعليم أو تدريب كافٍ، سيؤدي إلى انتهاكات صارمة لحقوق الإنسان”.
تخوف شاركه فيه النائب عن حزب الشعب الجمهوري، سزجين تانري كولو، الذي قال إن حزب العدالة والتنمية “أنشأ قوة ميليشيا محلية، تتألف من أعضائه تحت اسم الحراس، والآن يعطي سلطة التدخل في الحريات في أي وقت باسم الأمن، ويتم تنفيذ شؤون أمن الدولة من خلال الموظفين المدنيين”.
إقرأ أيضاً: تركيا وروسيا.. هل صدامهما في إدلب حقيقي أم مُزيف؟
التخوف في أوساط تلك الأحزاب جاء عقب تقديم نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، محمد موش، في يناير الماضي بمشروع قانون، من 18 مادة، إلى البرلمان من شأنه زيادة سلطات الحراس، بمنحهم سلطة على الأحياء والأسواق وصلاحية سؤال المواطنين عن هوياتهم، وكذلك منحهم سلطة التفتيش القضائي، إلى جانب دعمهم للمواطنين، إذ يمنح الحق للحراس في حالة نشوب شجار بين المواطنين احتجازهم، وإخبار قوات الأمن بهم، حيث وافقت لجنة الشؤون المحلية بالبرلمان التركي على 9 مواد من مشروع القانون الذي تقدم به الحزب الحاكم.
ولا يبدو أن الصراع الموجود بين الرئيس التركي والداعية المنفي، إلا إستكمالاً للحجج والذرائع التي يتمكن من خلالها حاكم أنقرة تثبيت دعائم حكمه، فـ "دعم الإرهاب" تهمة تُلاصق المواطنين في تركيا بمجرد إبدائهم موقفاً معارضاً للسلطة، وهي إن كانت مُطبقة بحق المواطنين من المكون الكُردي في تركيا منذ أمدٍ بعيد، بذريعة مُوالاة "العمال الكُردستاني"، والتي يتم بموجبها حتى تجريد رؤساء البلديات المنتخبين في المناطق ذات الغالبية الكردية جنوب شرق البلاد من مناصبهم، وتعيين آخرين من الحزب الحاكم بدلاً عنهم، فموالاة "غولن" هي تهمة أنسب للمواطنين الأتراك، وهو ما تذرع به السفير التركي فاروق كايماكشي في إجابته على انتقاد مجلس حقوق الإنسان، حيث قال إن الحق في حرية التعبير لا يغطّي ما أسماه "الدعاية للإرهاب".
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!