-
وفي النهاية الكلمة أيضاً
أستغرب اليوم وبعد ما يقارب العشر سنوات من عمر الثورة السورية، استهجان الكثيرين لعدم تغطية الإعلام الرسمي السوري لأحداث بلدة القريا، في محافظة السويداء، في صراعها مع فصيل المصالحات الروسي الصنع، وأعني الفيلق الخامس المتمركز في بصرى الشام، في محافظة درعا، والذي أودى بحياة ستة عشر شهيداً من السويداء، مدافعين عن كرامة السويداء.
فحين حوت البلاد أربعمائة نقطة تظاهر، كان إعلامنا الرسمي في جولة على رواد النرجيلة في حدائق دمشق لسبر (السياحة الداخلية وخلو بال ورفاه المواطن السوري).
ولطالما كانت غواية القنوات الفضائية البحث عن الحدث الساخن، واستضافة أشخاص على منابرها للتعليق عليه، ولطالما توافر لها قدر كبير من السذج القابلين للظهور فقط، لمجرد انتمائهم لهذه المجموعة البشرية دون امتلاكهم الحد الأدنى من أدوات التحليل العلمي والموضوعي للمجتمع الذين يعيشون فيه، بل كانوا عن قصد أو غير قصد مروّجين لخطاب طائفي بغيض معتمدين على نظرية المؤامرة سيئة الصيت في تقديمهم للحدث.
وفي ظلّ غياب قسري لمعظم ناشطي السويداء ومثقفيها بفعل الملاحقات الأمنية التي دفعتهم تهجيراً خارج حدود الوطن، وضمن سياقات طائفية تتبنّاها معظم وسائل الإعلام العربية، والتي للأسف ما زالت غائبة عن أذهان الكثيرين، يتم تمرير جملة من الرسائل عبر أولئك السذج، مرة بلبوس طائفي، وتارة بتعمية مقصودة، ومرة بخفة شديدة لا تأخذ بالحسبان خطورة الكلمة، فتتحول الوطنية عند قائلها البسيط الى مناطقية وطائفية مقيتتين.
وكأنّ أداء القنوات التلفزيونية (المعارضة) يخدم عندها عن قصد أو عن سذاجة أو جهل كل الأجندات غير الوطنية، فتارة يتم التواصل مع أشخاص مشهود لهم بالغباء في فهم سوسيولوجيا المنطقة، وطوراً مع آخرين معروفين بجني مكاسب شخصية على حساب الحراك العام في المحافظة، ومرة ثالثة مع متأتئ في اللغة، عدا عن تأتأته في التحليل والفهم، ليتحول خطاب هؤلاء بمعظمهم الى تشبيح طائفي رخيص تارة، سوقي تارة أخرى، والأنكى من كل ذلك تحميله على بعد وطني فطري ذي صلة بالثورة السورية الكبرى وزعيمها سلطان باشا الأطرش.
وهذا الكلام ينطبق بدرجة كبيرة على ما نعاينه في وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يتعلق بالخطاب الذي يصدر عن الفصائل الموجودة على ساحة المحافظة، فعلى سبيل المثال، على الرغم من وجود لوائح اسمية بممتهني الخطف وكثير من مرجعياتهم ومشغليهم، إلا أنّ أحداً من متصدّري الشاشات لم يجرؤ أو لم يستطع تقديم تحليل موضوعي لهذه الظاهرة، في غياب لتحليل الأسباب والدوافع والإحصاءات وحضور طاغ لنظرية المؤامرة سيئة الصيت.
وإذا اتفقنا اليوم أنّ سلاح الإعلام لا يقل فتكاً عن الأسلحة النارية، فعلينا مرة أخرى إتقان استخدام هذا السلاح، مزودين بالفطنة والحذر في استعمال كلماتنا ومفرداتنا، إذ لا معنى لقضية عادلة بلغة ظالمة وركيكة وجاهلة، وعلينا أن نوقن أنّه وفي البدء كانت الكلمة.. وفي النهاية ستكون الكلمة.
ليفانت – أسامة هنيدي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!