الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
من داخل السويد.. عن غزوة السوسيال
محمد سعد خيرالله

العنوان من داخل قائمة المسميات التي يفضلها المنتمون للجماعات "الإسلاموية" وتساعدهم في ضخ جرعات هائلة لأدرنالين قلاع الكراهية، وهي وصفة مجربة بالنسبة لهم بنجاح، سبق تجريبها عدة مرات، أشهرها من بعد ثورة يناير في مصر، حيث أطلقوا على الانتخابات بتلك الفترة "غزوة الصناديق". 

وعلى نفس النهج، ولكن داخل السويد، وكأنها مهمة مقدسة، وبعد أن انتهوا على أكمل وجه من خراب ودمار بلدانهم، يسعون جاهدين لاستكمال المهمة وخراب بقية بلدان العالم، "بالطبع لن يفلحوا"، تتعرض السويد منذ فترة إلى هجوم ضارٍ ممنهج وصل في أيامه الأخيرة إلى سعار غير مسبوق للنيل من دولة، قال عنها تقرير مؤشر الديمقراطية، منذ عدة أيام، إنها من ضمن خمسة دول في الصدارة عالمياً، "المركز الرابع" للعام المنصرم ٢٠٢١.

١٠٠ عام مضت على ديمقراطية مترسخة يشهد لها العالم، ولكن كل ذلك لم يفلح معهم ويثنيهم عن "الغزوة المباركة"، على حدّ وصفهم.

بدأ مسلسل الاستهداف منذ فترة ليست بالقصيرة بقناة شؤون إسلامية على يوتيوب، وهي القناة التي تبث محتواها التحريضي من داخل إحدى دول الشرق الأوسط، كل من يستعرض فيديوهات القناة يشعر وكأنها أنشئت خصيصاً من أجل التحريض على السويد. عشرات الفيديوهات التي تصورها وكأنها الدولة التي تتربص بالإسلام والمسلمين وتريد وأد الدين والتنكيل بكل من يعتنقه. 

وكعادتهم دائماً في إجادة توزيع الأدوار على "اليوتيوبز" المنتمين لهذا التيار، والمعروف عنهم دعمهم للتشدد والحض على العنف، بل وبعضهم يروق له خطاب داعش، ويأتي في الصدارة "عبد الله الشريف"، الذي خرج منذ فترة يدافع عن الشيخ عمر عبد الرحمن "مفتي الدم والإرهاب"، وقد أذاع عدة فيديوهات داخل حلقته عن "أطفال المسلمين بالسويد"، فلقد ادّعى أن الطفل الذي ظهر مع الشرطة وهي تقوم بمحاولة السيطرة عليه قد أخذ عنوة من والديه، في حين أن الحقيقية التي ظهرت أنه جاء إلى السويد بدون والديه ويريد الهروب من دار للرعاية، وبرغم نشر ذلك على أوسع نطاق، خرج في حلقته الأخيرة يتحدّث عن الموضوع ويشحن ويصعد ويتناول الوسم من جديد دون أن يشعر بالحرج ويعتذر لجمهوره على تضليله لهم "في أوقات كثيرة تعجز القواميس عن تقديم أوصاف لكي تطلق على هؤلاء". 

ولكي تحقق الحملة المغرضة الممنهجة أهدافها المرجوة، تم "اصطياد خطأ وارد" داخل السيستم الوظيفي الخاص بالأطفال الذين يتعامل معم السوسيال بموجب القانون. هذا الخطأ الوراد حدوثه في أي مكان بالعالم، تم  بناء تلال من الأكاذيب عليه للدرجة التي دفعت أحدهم لكي يقول وبملء الفم كل ما هو عكس بعضه، في وصلة هزلية، ولكنها من نوع جديد لم يعهده العالم من قبل. قال صابر مشهور: "السويد دولة علمانية شيوعية ملحدة نصرانية مثل الصين بالضبط منحلة مع الحريات حتى النهاية، هي دولة تريد أن يتجرد الأولاد والفتيات من ملابسهم قبل النزول لحمامات السباحة، كما تريد من الجميع الانحلال، ومن يرفض يتم سحبه فوراً من أسرته". أنقل بالنص بعض مما قاله في الفيديو الخاص به، ولقد شعرت بأنني في إحدى الملاهي الليلية للعراة وليس في دولةٍ المقدس الأول عندها "حرية الفرد"، وبالتأكيد لن أنزلق للرد على تلك الترهات.

ودخل آخر على الخط "محمد الصغير"، الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام، وعضو مجلس الأمناء باتحاد علماء المسلمين، ومستشار وزير الأوقاف السابق في مصر، وقت تولي جماعة الإخوان (هذا العنوان من تعريفه لنفسه على حسابه الموثق بتويتر)، وهو أحد أكبر شيوخهم، خرج لكي يعطيهم صكاً فقهياً كان يلزمهم لكي يكون كله باسم الدين، ما تم وما سيتم، وصل الصغير إلى حتمية تبني الحملة والدخول فيها والاشتباك معها لكي تكون المسلم الحق.

وبالطبع، أجمع الكل على المفردات الحاضرة المعروفة والمعهودة لهم في كل معاركهم، المؤامرة العالمية الكونية على الإسلام التي يتم تنفيذها بأزرع سويدية، تلك المرة إنها الحرب الصليبية في نسختها الجديدة.

لن تنحاز السويد إلا للقيم العليا والمواثيق والمعاهدات الدولية، وقبل ذلك "الضمير الإنساني" في أنبل صورة، فتحت ذراعيها واستقبلت مئات الألوف من شتّى بقاع الأرض والذين اضطروا إلى الفرار من حجيم الحروب والصراعات أو من أنظمة فاشية مستبدة. لم تفرق ما بين مسلم أو مسيحي  يهودي أو بوذي ملحد أو لا ديني، استقبلت الكل، لدرجة وصول عدد الأجانب وأسرهم إلى أكثر ٢ مليون، يعيشون ويحصلون على كامل الحقوق، كما لو كانوا مواطنين سويديين، في دولة تعدادها ١٠ مليون، أي أن المهاجرين وصلوا إلى ٢٠% من إجمالي تعداد السكان.

لن ينكر أحد أن هناك أخطاء، بالتأكيد، ولكن هل هي متعمدة؟ هل هي ممنهجة؟ هل مقصودة؟ هل وراءها مؤامرة من أي نوع؟

قولاً فاصلاً "لا توجد أدنى مؤامرة".. نعم هناك خطأ، ولكن يحل بالمنطق والحوار وليس بالتحريض وإطلاق الاتهامات وفتح النوافذ لصبية مزايدات العنف والترهيب والإرهاب وشن الحملات ومأسسة الأكاذيب.

وفي هذا السياق أعرض مقترحين من أجل المساهمة في الحلّ بموضوعية وإيجابية: 

الأول: لا بد من توثيق التحذير الذي يتم ما بين المكلف من قبل السوسيال المتعامل مع الحالة، ومع ولي الأمر، باليوم والتاريخ والساعة، للرجوع إليه لو اقتضى الأمر. 

الثاني: من يتم تحذيرهم عدة مرات دون استجابة، يتم تنظيم دورة مكثّفة لهم مع أحد من الأخصائيين الاجتماعيين لتأهيلهم للتعامل مع أطفالهم طبقاً للوائح وقوانين الدولة التي يعيشون فيها، وهي بالتأكيد حقوق ينصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الطفل.

وفي النهاية أريد أن أطرح سؤالاً على المسؤولين عن المواقع المختلفة بالسوشل ميديا، وبخاصة يتوتيوب: هل التحريض على العنف والكراهية والتشجيع على ارتكاب الأعمال الإرهابية يأتي بالنسبة لكم ضمن حرية الرأي والتعبير؟ ومع الوضع في الاعتبار نسبة مشاهدات تلك القنوات مجتمعة قد بلغت مئات الملايين، متى سيتوقف هذا الجنون؟

 

 محمد سعد خيرالله

ليفانت - محمد سعد خيرالله

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!