-
مفهوم الوطن والحكومة وأكثر
الوطن هو أي مكان تقطن فيه لفترة من الزمن وبكل المراحل والحالات المستقرة أو القلقة. المنزل، المدرسة، الجامعة والحديقة العامة وطن. المستشفى، أو أي مركز خدمات عامة وطن. المطار، الطائرة، الميترو، السرفيس، الفندق وطن. القرية، الحي، المدينة، الشاطئ والشارع وطن. والحكومة هي من تدير شؤون أي وطن.
كلمات المقال هي رسالة واضحة بمعانيها، لذا حقاً إنه مقال جدير بالقراءة، آملاً القراءة بهدوء بقدر حبِّك لأي وطن، ومهما كان حبُّك أو كرهك، للحكومة أو نقدك لها، كي لا نخلط بين الحكومة والوطن.
مفهوم الحكومة والوطن في المجتمع العربي
كان "روبرت فيسك" من أشهر الصحفيين في العالم، وأحد الذين يعرفونن طباع العرب جيِّداً، عاش في بلاد العرب ثلاثين عاماً، وكان يسكن في مدينه بيروت كمراسل للإندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط، ومن الصحفيين الغربيين القلائل، ويُعتبر صحفياً مناهضاً لسياسة أمريكا وبلده بريطانيا في الشرق الاوسط. يقول: أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النَّظافة، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك؟ السببُ أنَّ العرب يشعرون أنَّهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنَّهم يملكون أوطانهم.
هل فعلاً شوارعنا متسخة وعفنة، لأنَّنا نشعر أنَّنا لا نملكُ أوطاننا؟
وعلل أن هذا يرجع إلى سببين، الأوَّل: إنَّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة فنعتبرهما واحداً وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها. الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد، بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد، لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن، والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن، وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا.
ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها ابني وابنك وبالمستشفى التي يتعالج فيها الجميع؟
الأشياء ليست مِلك مَن يديرها وإنَّما مِلك مَن يستخدمها حيث نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى، لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً.
الثَّاني: إنَّ ثقافة الملكيَّة العامّة معدومة عندنا، حتى لنبدو أنَّنا نعاني انفصاماً ما. فالشخص الذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام. والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر اسمه على مقعد المدرسة والجامعة. والأبُّ الذي يريد أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره. والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت ابنتها محاضرة هي نفسها التي تهربُ من الدوام.
خلاصة القول، الحكومة ليست الوطن، شئنا هذا أَم أبَينا ذلك، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب أي وطن. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته غير كفوءة لا يستحقُّ حكومة أفضل، ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها، وكأي غرفة في الوطن.
لو تأمَّلنا حالنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا حقاً وأنَّه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن. وصدق القائل: الإنسان لا يحتاج إلى أماكن نظيفة ليكون محترماً، ولكن الأماكن تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة.
ليفانت - خالد بركات
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!