الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • لعبة الحياة والموت.. إدمان النساء بين مطرقة الوصم وسنديان العلاج

لعبة الحياة والموت.. إدمان النساء بين مطرقة الوصم وسنديان العلاج
عفاف عبد الكريم ربيع

في ظلّ تنامي ظاهرة استخدام المخدرات بين الشعوب وكونها تعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدّد منظومة الأمن الشامل لأي مجتمع لما تفرضه من انعكاسات صحية ونفسية واجتماعية وسلوكية وأمنية، وهذه الانعكاسات لا تقتصر على المتعاطي والمدمن فقد، بل تتعدّى إلى كافة افراد الأسرة والمجتمع. والأكثر تضرراً، تحديداً من هذه المشكلة تكون الفئات الهشة الضعيفة من الأطفال والإناث خاصة.

 لماذا الإناث الأكثر تضرراً من ظاهرة المخدرات؟

الأمر لا يقتصر هنا كونها تعيش في أسرة تعاني من إدمان أحد أفرادها للمخدرات، بل يزيد تعقيداً إذا كانت هي نفسها مستخدمة للمخدرات لما تلاقيه من وصمة عار وتهميش وإقصاء من العائلة والمجتمع.

حيث أجمعت الدراسات والتقارير العالمية ومن خلال الخبرة العملية في العمل مع النساء المدمنات أن موضوع إدمان النساء من أكثر الموضوعات الشائكة في عالم الاستخدام والتعاطي لما يرتبط بالوصم الاجتماعي العالي والتهديد العالي لحياة المستخدمة وهذا ما ذكرته إحدى النساء المدمنات "أنا أعيش الخوف كل دقيقة.. لا أعلم متى تكون النهاية". وأخرى تحدثت بأنها تعيش حياة تشبه الحياة رغم أنها متعافية من سنوات "لدي أسرة وطفل جميل لكن استخدام المخدرات حرمني الكثير من الأشياء الجميلة وجعلني أعيش الخوف الدائم".

نعم أتفق مع من يقول الإدمان أنثى

مجتمعاتنا العربية والعالمية ليست ببعيدة عن ذلك، ذكورية بامتياز في التعامل مع قضية إدمان النساء ورعايتهن. لو نظرنا كل في مجتمعه لمن توجه خدمات الرعاية والعلاج وكيف نتعامل مع إدمان الذكور مقابل الإناث، نجد أن المدمن الذكر يحصل على الدعم والإسناد العالي من أسرته للتوجه للعلاج وإعطائه حوافز للاستمرار، في المقابل المرأة يتم إنهاء حياتها منذ لحظة اكتشاف أمرها داخل الأسرة من خلال حرمانها من تلقي أي رعاية طبية ونفسية خوفاً من انكشاف أمرها، وهذا بدوره يعزز حالة الارتهان الصحي العالية التي تلحق في الإناث المدمنات، وعند  القرار لإدخالها مصحة علاجية في بعض الدول يقف الأهل عاجزين أمام خيارات توفر خدمة العلاج التي تكاد تكون معدومة، إما تدمج في مراكز خاصة في الذكور أو إغراقها بالمهدئات والأدوية النفسية دون أي متابعة مما يزيد وضعها أكثر تعقيداً.

تقارير عالمية تتحدث حول ذلك

حيث أشار تقرير سنة 2021 وسنة 2022 لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن النساء ما زلن يمثلن أقلية في صفوف متعاطي المخدرات على مستوى العالم، كما وأشار زيادة في استهلاكهن للمخدرات والانحراف نحو الاضطرابات المرتبطة بتعاطي المخدرات بسرعة أكبر من الرجال، حيث تحتل النساء ما يقدر 49.45% من مستخدمي الأمفيتامينات والمنشطات الصيدلانية والمسكنات والمواد الأفيونية. إضافة الى أن فجوة العلاج ما تزال كبيرة للنساء على مستوى العالم. وبالرغم أن النساء يمثلن نصف مستخدمي مادة الأمفيتامينات إلا أنّ واحدة مقابل خمسة أشخاص من الذكور المستخدمين يتعالجن من اضطرابات تعاطي المخدرات. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا.. لماذا؟ فحسب التقرير إن النساء يؤدين عدة أدوار في عالم الإدمان وتجارة المخدرات من حيث زراعة المخدرات ونقل كميات من المخدرات وتهريب المخدرات إلى السجون.

نساء في دائرة الوصم والتمييز والتهميش والإقصاء.. كيف وصلن لهذه الدائرة؟

المشاكل العائلية والعنف الأسري الموجه لهن بكافة أشكاله كان السبب الرئيس والمشترك بين كافة المدمنات على المخدرات وتعرض البعض منهن للاعتداءات الجنسية من داخل الأسرة. ويأتي الشريك العاطفي أو الزوج أيضاً، كأحد الدوافع الكبيرة ليغرر بالنساء لتجربة واستخدام المخدرات إما من أجل المتعة الجنسية أو استغلالها من أجل تأمين نفسه بالمخدرات "استغلالها جنسياً". مع حالة القهر والعجز التي عاشتها أنثى تتعرض للعنف بكافة أشكاله اعتقدت لوهلة أن الهروب من المشاكل والألم نحو استخدام المخدرات هو مداواة لنفس مقهورة ومحبطة في حالة تخبط وعدم وعي وجهل بما سيؤول إليه حالها، فالخبرات المؤلمة إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحي وسليم ستبقى مهددة باستمرار لأمنها النفسي.

إن غالبية المريضات بمرض الإدمان تعشن ألم الاستخدام والمرض وألم انعدام الخدمات العلاجية والنفسية الخاصة وألم الوصمة الاجتماعية اتجاهها.. فهن تحتجن لقوة نفسية جبارة لكي تستطعن أن تتعافين في ظلّ مجتمع لا يتسامح معها في أبسط الأمور فكيف مع قضية إدمان المخدرات والتي تعتبر ضرباً لشرف العائلة والحمولة.

الدخول في دائرة الإدمان لا يتوقف هنا

آثار تعاطي المخدرات على النساء المدمنات تكون أكثر ألماً وإقصاء، وهذا ما أكدته غالبية المدمنات أنه يتم لمحاولات استغلالهن جنسياً في مرحلة الإدمان، سواء من داخل الأسرة "سفاح قربى" أو خارجه، يظهرن خوفاً وتوتراً عالياً بسبب التعرض للوصمة الاجتماعية، وخاصة حين تتورط بعضهن بالعمل الجنسي أو إجبارهن للعمل في الجنس من أجل تأمين حاجتهن وحاجة الشريك العاطفي أو الزوج من المخدرات، مما يلحق بهن مشاكل اجتماعية كالطلاق أو مشاكل مستمرة مع الزوج وحالة من الأرق وتقلب المزاج والخوف واكتئاب وقلق وتوتر من المجهول الذي ينتظرها كل لحظة، ووضع اجتماعي سيء وعنيف (عنف تجاه الآخرين)، وهي شكل من أشكال المقاومة وإنكار المشكلة، خوفاً من الوصمة الاجتماعية العالية ومعاناتها من اضطرابات نفسية (اكتئاب، إحباط، قلق، وخوف عالي) وهلاوس والشعور بالاضطهاد الدائم، رؤية الموت يلاحقها في كل لحظة "حياة بلا معنى وقيمة".

وماذا عن العلاج؟

تقول إحدى المتعافيات من مرض الإدمان "تهت كثيراً ولم أجد من يساعدني. افترشت الحواري والشوارع، مت مراراً ولم يشأ الله موتي وكأني على موعد أبدي مع الألم والمعاناة.. وبعد حياة حافلة بالتيه والانحراف كان لا بد من التوقف عن الاستخدام لحظه تأتـي لا تعرف متى وكيف.. لكن إنها الرغبة بالحياة وكانت لي حياة أخرى ليست بالوردية ولكن بدون مخدرات.. أصبح لي من سنوات التعافي ست سنوات ورغم ذلك لم أجد لي مكاناً بين أهلي والمجتمع فأنا خسرت سمعتي وأهلي من أول مرة استخدمت المخدرات حاربت الإدمان ومستمرة في محاربة ما لحق بي من وصم".

أبرز ما يواجه النساء المريضات بمرض الإدمان من تحديات للتوجه للعلاج هو عدم ضمان السرية وانكشاف أمرهن، الخوف من العائلة حين اكتشاف وضعها بإنهاء حياتها، والخجل وعدم إدراك المشكلة، وخاصة متعاطيات ومدمنات المهدئات والترامال، والوصمة الاجتماعية وعدم تسامح المجتمع مع قضية إدمان المرأة، واعتبارها عاراً وليس مرضاً، والتوقعات العالية من المرأة للدور الذي تقوم فيه داخل أسرتها، يجعلها تحاول إخفاء إدمانها عن الآخرين. والطبيعة البيولوجية للمرأة وعلاقتها بفترة الانقطاع عن المخدرات والحالات المزاجية المتقلبة التي تمر فيها والخوف من مرحلة الانقطاع في ظل ندرة خدمات العلاج الخاصة بالنساء المدمنات، فعزوفهن عن تلقي أي خدمة علاجية وإن توفرت يبقى شبح الوصم الاجتماعي يلاحقهن ومهدداً لهن.

إذاً ما المطلوب؟

على المجتمع الدولي ومجتمعاتنا العربية أن تتعامل مع قضية إدمان النساء بأكثر اهتمام بعيداً عن التمييز فيما يتعلق بالخدمات النفسية والعلاجية والتدخل المبكر مع حالات العنف اتجاه الإناث داخل أسرهن وخارجه وإن تتوفر قوانين رادعة وحامية للإناث الصغيرات المعرضات لكافة الاستغلال في أسر هشة مفككة تعاني مرض الإدمان وكف التعامل مع موضوع إدمان النساء بنظرة ذكورية. فالذكر هو من أدخلها لدائرة الإدمان بتعنيفه واستغلاله وهو من يقوم على حرمانها من حياة طبيعية بفرض طوق عليها يمنعها من الاستفادة من خدمات علاجية وحقوق لها بحجة سمعة وشرف العيلة.

كفى وكفى لكافة أشكال التعنيف والتمييز والتهميش.. لهن الحق في الحياة والعيش بكرامة كإنسانة.

ليفانت - عفاف عبد الكريم ربيع

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!