الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
سوريا والعراق مرة أخرى.. داعش يعود من جديد
محمد محمود بشار

استمرار الأزمات والصراعات ونسف الأطراف المتصارعة فيما بينها لحصون بعضهم البعض، هو العامل الأكثر قوة الذي يستند عليه التنظيم الذي حكم لعدة سنوات مساحات شاسعة من سوريا والعراق.

من مسجد النور في مدينة الموصل العراقية أعلن أبو بكر البغدادي دولة الخلافة بداية شهر تموز /يوليو عام 2014 ونصّب نفسه خليفة على هذه الدولة التي اختفت في الباغوز بريف مدينة ديرالزور السورية في شهر آذار/ مارس من سنة 2019.

قتل البغدادي المولود في العراق في قرية سورية على الحدود التركية، ومن ثم توالى الخلفاء من بعده وكل إلى مصيره المحتوم وهو الموت قتلاً برصاصة أمريكية.

 اختفت داعش من على وجه الأرض كقوة عسكرية وسلطة إدارية، ولكنها بقيت في الخفاء تستمد قوتها من استمرار الحرب السورية وتأزّم الأوضاع في العراق وكثرة وتعدد مناطق النفوذ في البلدين.

هذا التنظيم يجيد بمهارة الدخول من خُرم الأزمات والتسرب من الثقوب والتشققات التي تسببت بها الحروب والصراعات داخل هذه المجتمعات.

داعش يستهدف الكُرد أولاً.. أين يكمن اللغز؟

من بين ركام الدمار وأنقاض الحرب في مدينة كوباني استطاع المقاتلون الكرد المرور إلى ضفة النصر على داعش، كان ذلك في سنة 2014 داخل سوريا، حينذاك وعلى الرغم من ضخامة حجم الألم، كانت القوات الكردية هي القوات الوحيدة التي وقفت في وجه أعتى تنظيم إرهابي وألحقت به الهزيمة.

ومن ثم تتالت هزائم التنظيم على يد قوات سوريا الديمقراطية في سوريا وكذلك على يد البيشمركة والحشد والجيش العراقي في الجانب الآخر من الحدود، إلى أن كانت نهاية الخلافة المزعومة في بلدة الباغوز. ولكن الاستراتيجية التي اتبعها التنظيم أثناء الهزيمة كانت توحي بأن هناك عاصفة قادمة، حيث سلم الآلاف من أفراد داعش أنفسهم إلى قوات سوريا الديمقراطية والتي بدورها احتجزتهم في سجون خاصة وأبقت عائلاتهم في مخيمات ضخمة في شمال وشرق سوريا، أبرزها مخيم الهول.

بداية محاولة داعش للعودة من جديد كانت في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير في بدايات عام 2022 وذلك في سجن الصناعة في مدينة الحسكة السورية. ولكن تصدت قوات سوريا الديمقراطية بمساعدة التحالف الدولي لهذا المخطط الداعشي، حيث استمرت الاشتباكات عدة أيام، إلا أن التنظيم سقط مرة أخرى وتكررت صورة استسلام مسلحي داعش في الحسكة كما تم الأمر في الباغوز.

ومن بين محاولات داعش للظهور والعودة كانت في محافظة السليمانية بإقليم كوردستان العراق قبل عدة أيام، أي في أواسط شهر كانون الأول/ ديسمبرمن عامنا الحالي، حيث كانت التحضيرات هذه المرة أكبر وأكثر اتساعاً من تحضيرات محاولة السيطرة على سجن الصناعة في مدينة الحسكة، ولكن قوات الأمن الكردية في السليمانية استطاعت أن تكتشف أمر الإمارة التي يعد لها داعش في الجبال المحيطة بالسليمانية وأقضيتها ونواحيها، فتم اعتقال العشرات من أفراد التنظيم، وبالتالي تم إفشال مخطط آخر كانت الغاية منه العودة إلى خارطة القوة والنفوذ.

أما آخر المحاولات فقد كانت اليوم في الرقة في السادس والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2022 وذلك داخل مدينة الرقة التي كان التنظيم قد أعلنها عاصمة له أثناء خلافته المزعومة، حيث تبنى التنظيم الهجوم الذي تم تنفيذه من قبل مجموعة من الانتحاريين ووصف القادم بالأدهى والأَمَرّ.

منذ بداية سنة 2022 ولحد ما يقرب من نهايتها كانت جل محاولات داعش للعودة تتم ضمن المناطق الكردية في سوريا والعراق، وذلك يعود لمجموعة من العوامل والأسباب منها:

الانتقام من القوات التي هزمتهم، وبالتالي التأكيد على شعارهم الذي يعتمد على الجملة التالية (باقية وتتمدد).

تكفير الكرد لم يقتصر على داعش، فأغلب الحركات والمجموعات الجهادية المتواجدة في سوريا قامت بتكفير الكرد وسلب ممتلكاتهم وقتلهم وتهجيرهم أينما ثقفوا بهم. فباتت محاربة الكرد في عرفهم وتفكيرهم من أكثر المهمات إلحاحاً عليهم وفي قائمة سلم الأولويات لديهم.

العمليات العسكرية التي قامت بتنفيذها الدولة التركية بزعامة حزب العدالة والتنمية والذي هو حزب إسلامي، كانت أغلبها ضد المناطق الكردية في سوريا، وما زال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستمراً في تهديداته للقيام بعدوان عسكري جديد ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهذه التهديدات أنعشت تنظيم داعش الذي استفاد من انشغال مقاتلي قسد بالتحضيرات لصد العدوان التركي المحتمل على المنطقة.

الخلاف القائم بين إقليم كوردستان العراق وبغداد وبقاء الكثير من المناطق بين الإقليم والمركز متنازعاً عليها، وخاصة قضية كركوك، الأمر الذي استفاد منه داعش في إعادة تنظيم صفوفه، خاصة في جبال حمرين المتاخمة لكركوك وقرجوخ في مخمور الواقعة بين أربيل والموصل.

الكيان السياسي والإداري للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وعدم الاعتراف بهذا الكيان من قبل دمشق وأيضاً عدم تقبل أطراف كثيرة من المعارضة السورية لهذه الإدارة التي كانت فكرة تأسيسها تعود لحزب الاتحاد الديمقراطي وهو من أكبر الأحزاب الكردية في سوريا، ولكن ضمت الإدارة أثناء تأسيسها ولحد هذه اللحظة جميع المكونات القومية والدينية في المنطقة، ولكنها وعلى الرغم من ذلك، بقيت عرضة للاستهداف من قبل الحركات الجهادية التي تدعمها تركيا بشكل مباشر.

فكانت الإشكاليات التي يحملها الواقع السياسي إزاء الإدارة الذاتية أيضاً عاملاً من العوامل التي جعلت داعش يستهدف بالدرجة الأولى مناطق هذه الإدارة.

في مرمى نيران داعش لا فرق بين عربي وأعجمي

داعش لم يعد ذلك التنين الذي ينفث نيرانه في كل الاتجاهات فقد تم تمريغ أنفه في التراب عدة مرات على هذه الأرض الذي ادعى  فيها الخلافة، ولكنه يسعى بكل قوة ولا تهمه الحجة أو الوسيلة مهما كانت، فالمهم لدى التنظيم الآن هو العودة من جديد إلى خارطة السلطة والنفوذ، وهو حسب ما يتضح يرى بأن المدخل هي أرض الكرد وبلاد ما بين النهرين، ومن ثم إذا تمكن من تحقيق ما يصبو إلية فلن يسلم من شره لا كردي ولا عربي ولا سرياني ولا أي شعب من شعوب العالم إن تمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى، فالخطر ما زال قائماً والدرع الكردي بات يحمل أثقالاً كثيرة.

منتديات الحروب وانكماش مسارات الحلول

مما لا شك فيه أن الاجتماعات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بمناقشة الوضع السوري تحوّلت بفعل أمر الواقع إلى منتديات لإطالة أمد الحرب وإدامة الأزمة التي دخلت في عقدها الثاني.

فعلى سبيل المثال، اجتماعات أستانا منذ بدايتها ولحد هذه اللحظة لم تفرز سوى المزيد من الصراعات، حيث تم من خلال أستانا تحديد الخطوط الجديدة لمدى اتساع الحرب وتثبيت مناطق النفوذ وشرعنة الاحتلال التركي لمساحات شاسعة من الأراضي السورية، وفي كل لقاء أستانوي كان الحديث عن خطوط الصراع وخرائط النفوذ لا عن إنهاء الحرب.

من جهة أخرى، تعدد وكثرة اجتماعات ومؤتمرات جنيف الخاصة بالمعضلة السورية وعدم التوصل إلى أي نتيجة ملموسة، كانت أيضاً عاملاً مساعداً للتصعيد واتساع رقعة نيران المعارك.

في التقاطعات التي تشكلها مسارات جنيف وأستانا وسوتشي، تشكّل هناك موطئ قدم للحركات الجهادية التي تعمل تحت الوصاية التركية داخل هذه اللقاءات الدولية التي يتم تداول مصير السوريين فيها.

تلك الحركات الجهادية أو البعض منها يبدو أنها تحتفظ بخيوط للتواصل مع تنظيم داعش، وليس هناك دليل أكثر وضوحاً على وجود هذه الخيوط والعلاقة، من تواجد خلفاء داعش في المناطق التي تسيطر عليها تلك الفصائل والحركات الجهادية، حيث تم قتل أبو بكر البغدادي في قرية تابعة لمحافظة إدلب السورية على الحدود التركية في عملية للتحالف الدولي، وقبل أن تتم عملية قتله كانت أمور الخليفة ميسورة في تلك البقعة من دون أي عوائق.

السوريون كلهم تقريباً يعرفون ما هو المطلوب لإيجاد الحل، ولكن المعضلة الحقيقة تكمن في السؤال التالي: ما هو الممكن؟ ما هو الحل الواقعي الذي يمكن تطبيقه عملياً لحلحلة الأمور؟

استقبل قسم من السوريين (داعش) التي جاءت مع خليفتها من العراق، كما استقبل قسم منهم قبلها (جبهة النصرة) التي جاءت بتعليمات من القاعدة في جبال تورا بورا الأفغانية، واستقبل قسم منهم ما هب ودب من ميليشيات طائفية ومذهبية وفصائل من المرتزقة وقوات دولية متعددة.

مر عقد من الزمن وأكثر على هذه المذبحة والمقتلة، تغيرت الكثير من المفاهيم والأمور لدى السوريين جميعاً، فبعد كل حفلات الاستقبال التي تم ذكرها ألن يستطيع السوريون استقبال الحل الذي سيضع حداً لهذه الحرب؟

 

ليفانت - محمد محمود بشار

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!