-
المعارضة السورية واجترار أخطاء نظيرتها العراقية حول الفدرالية
تعتقد روسيا إنها نجحت في فرض رؤاها حول آلية عمل اللجنة الدستورية لمستقبل سوريا. وهي الداعية لإصلاح دستور2012 وليس كتابة دستور جديد. رغبة منها في فرض نتائج مساري سوتشي وأستانا عوضاً عن جنيف وما قدّ تحققه من نتائج إيجابية أقلها عودة سيطرة الدولة السورية على كامل الأراضي بعد نجاحها في تقويض مناطق خفض التصعيد سواء في إدلب أو درعا.
سبق وأن طرح ديمستورا عام2016 إمكانية نقاش الفدرالية كشكل للدولة السورية وكحل يحميها من التقسيم. رافقه تصريح لكبير المفاوضين آنذاك في الهيئة العليا للمفاوضات "محمد علوش" قائلاً "أن المعارضة لم تقرر بعد المشاركة في مفاوضات جنيف وتتوقع الابتزاز السياسي، مؤكداً أن المشاركة مرتبطة بتحقيق شروط التفاوض على أساس واحد هو تشكل هيئة حكم أنتقالي وليس حكومة وحدة وطنية"
هكذا كان ردّ المُعارضة السورية تجاه الطروحات الدولية قبل ثلاث سنوات. اليوم تذهب المُعارضة إلى حيث ما كانت ترفضه جملة وتفصيلاً، وبل توافق على مُخرجات مساري الحل السياسي في سوتشي وأستانة والتي يُمكن القول أن وظيفتهما شطب كل بيان جنيف ومجلس الأمن والقرار /2254/ الساعي صوب مرحلة الحكم الانتقالي وثم الإعلان عن تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد. وبات من الممكن إنه حتى سلال ديمستورا أُنيط بها الفشل والتفريغ قبل أن ترى النور. ويبدوا إن الوضع السوري أمام احتمالين إما أن النظام السوري بات وبمفاعيل حلفائه أقوى من الجميع، وخاصة مع حضور المعارضة جلسات اللجنة الدستورية دون أيَّ شرط أو آليات واضحة لعملها. أو ثمة ما يؤكد المساعي الأمريكية صوب أفغنة سوريا. ومؤخراً يتم إعادة الحديث حول الاستخدام الكيماوي في سوريا ضد المدنيين وكأنه ثمة مساعي صوب مُحاصرة روسيا وإيران عبر مساراتهم التي يرغبون بحل المشكلة السورية عبرها.
قبل حوالي عقد ونصف ألحَّ الكورد في العراق في إسداء النصيحة لأشقائهم العرب السنّة لإقامة فدرالية في المنطقة السنّية على الفور، لكنهم حتى اليوم يدفعون ثمن رفضهم للنصيحة الكوردية. عقد ونيف والمنطقة السنّية تنوء تحت وزرِ وحمل السلطة الشيعية الصرفة المتثوبة برداء المواطنة، وحين أدركوا حجم وغلاء النصيحة الكوردية في اللامركزية /الفدرالية، لم تشفع لهم ساعة الندم. وما الهوان والضيم الذي يعيشونه اليوم سوى تشبثهم بهوس حكم العراق كلّه وفقاً للعرف السنّي الموغل في القدّم مستنداً على إرثٍ قديمٍ قدّ يعود بملكيته إلى عهود صراعات مضت وتشبثهم بأحقيتهم في إدارة وامتلاك كُل شيء دون سواهم، ما ساهم بعيداً في تأخرهم عن اللحاق بالتطور التاريخي. لازالت نتائج مواقف القيادات السنّية، سابقاً، ضد تجربة الإقليم بادية، وهي الحالة عكسها تماماً ما يعيشه السنّي العراقي اليوم من تغنىً وتمجيداً بالتجربة الكوردية.
وها هم السنّة في سوريا يستعدون وبهمة عالية لقضم أظافرهم قريباً ندماً على مُحاربتهم للطرح الكوردي حول فدرلة سوريا. محاربتهم للظفر بالمركزية وبخيالاً إنها تعني السيادة المطلقة والوحدة عكس اللامركزية التي تعني إنهاء الدولة وتمزيق نسيجها الوطني، وهو النسيج عينه الذي لم تشهده سوريا منذ نشأتها وليومنا. يُخال ليَّ القول ثمة سُنّية سياسية ينحصر تفكيرها وفق المثل الكُردي /عقل بخط واحد/ ككناية حول كُل شيء أو لا شيء، تُفكر تحت مُسمى أن أخذ كُل شيء، أو لاشيء إلى حين الظفر بالكل.
ترفض المُعارضة السورية الطرح الفدرالي، وهي الساعية لإنهاء حكم النظام السوري. ورفض المجلس الكوردي التخلي عن المعارضة السورية، حتى مع الموافقة الروسية عينها على الفدرالية. تذهب المعارضة اليوم خالية الوفاض من أيَّ شروطً قبل اجتماع الهيئة الكُبرى للجنة الدستورية وما سينبثق عنها من هيئة صغرى. ولن تتمكن المعارضة من فرض شرط رحيل النظام السوري، ولا حتى منعه من الترشح مُجدداً لانتخابات 2021، فشرط موافقة ال75% على أيّ طرح يُجهض جميع تصورات المعارضة السورية. لا تحتاج الجغرافية السورية اليوم إلى مقاربات أو دراسات معمقة لمعرفة حجم الضرر العميق الذي لحِّقَ بمناطق السنّة وسُكناهم، وهم الأكثر لزومية بطرح الفدرالية لصعوبة العيش معاً مُجدداً، فلا الساحل ولا دمشق ولا المنطقة الكوردية في سوريا تضررت بحجم رُبع الكارثة البشرية التي لحقت بالجغرافية السنّية، ولو تمهلت السنّية السياسية قليلاً لاستفادت من عاملين أساسيين في الدستور المقبل، أولهما: تجربة كورد العراق مع سنّتها وتعنتهم المصر على المركزية مقابل دعم إيران وبكل ثقلها الجنوب العراقي, وعداء السنّة لكوردستان العراق, وخسارتهم نتيجة ضعف قراء المشهد السياسي والدور الدولي والوأد الإقليمي لهم. وثانيتهما: وهو ما تعيشه المعارضة السورية من وهمِ الانتصار المُحتم.
بعد مشاركة المعارضة السورية في لجنة صياغة الدستور السوري، ودون أن تفرض أي شرطاً أو دوراً في صياغة اللائحة الإجرائية، وحتى دون أيَّ توضيحاً منها حول مستقبل هذا الدستور وآلية الاستفتاء حوله، ومشاركتها عكس ما كانت تُنادي به حول القرار الدولي ومسار الحل السياسي في جنيف، فإن القرار الحازم الأكثر قطعاً ورفضاً تمحور حول رفضهم للفدرالية المطروحة من قبل الكورد في سوريا.
ثمة مظلومية سنّية واضحة في سوريا، لكن المحق الأكبر لهم سيتجلى قريباً في نتائج الدستور إن تم التوافق عليه، أو فإن أفغنة سوريا ستكون إحدى الأدوات القادمة لتمريغ الروس والإيرانيين في وحل ومستنقع الأزمة السورية، وهو ما يتطلب تواجد جماعات راديكالية جديدة تتكئ عليها الأفغنة في حربها ضد روسيا وإيران. وغالباً ما تكون المناطق الموبوئة والفقيرة حواضنَ لتلك الجماعات.
لو أرادت المعارضة السورية الخروج بنظام وشكل حكم ودولة يفي المظلومين حقوقهم وبضمان عدم تغّولِ وإعادة إنتاج دكتاتوريات جديدة، ما عليها سوى الإصرار على فدرلة سوريا في الدستور السوري الجديد عوضاً عن التقسيم الذي لن يكون منه مهرب، فتضارب مصالح خمس جيوش في سوريا /الولايات المتحدة، روسيا، إيران، قسد، النظام السوري/ والدعم الخليجي لجماعات مسلّحة، وتضارب مصالحها جميعاً ومع دخول سوريا نفقاً مُعتماً جديداً إن فشلت اللجنة الدستورية، فأن حرباً طاحنة شعواء ستكون عنواناً للعامين المقبلين إلى حين انتهاء نتائج الانتخابات الأمريكية.
المعارضة السورية واجترار أخطاء نظيرتها العراقية حول الفدرالية المعارضة السورية واجترار أخطاء نظيرتها العراقية حول الفدرالية
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!