-
الطفولة في سوريا.. المأساة المستمرة
مهما كانت طبيعة الصراعات، داخلية أم خارجية، واسعة النطاق أم قصيرة المدى، فإنّ أولى الفئات المتضررة هم الأطفال، وهم معرضون أكثر من غيرهم للموت أو الإعاقة أو اليتم والنزوح، أو الاستغلال الجنسي والزواج المبكر، أو في الإخفاء والتجنيد القسري. وهم الأكثر قابلية لأن تترك بهم ظروف الصراعات شروخاً وآثاراً نفسية طويلة الأمد. ووفقاً لمنظمة إنقاذ الطفولة، ارتفع عدد الأطفال الذين أصيبوا أو قُتلوا في النزاعات إلى ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي، ويعود هذا الازدياد في جلّه إلى العنف والاضطرابات العسكرية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها سوريا واليمن. الطفولة
وخلال الحرب السورية، التي اقتربنا من نهاية عامها العاشر، سجلت الطفولة في البلاد الثمن الأكبر، مع ازدياد نسبة الأطفال المعاقين نتيجة بتر أحد الأطراف وتفشي الأمراض، على رأسها أمراض الحصبة والتهاب السحايا والليشمانيا.
وفي مخيمات اللجوء الجرب والعدوى الفطرية، إضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في عدد الأطفال السوريين ممن يعانون سوء التغذية نتيجة تآكل قدرة الأسر السورية على تحمل تكاليف الرعاية الصحية وتأمين الغذاء المناسب. وكانت قد قدرت اليونيسف في تقرير خاص عن الأمن الغذائي، أنّ نحو 19 ألف طفل سوري ممن لم يتجاوزوا سن الخامسة عشر هم مهددون بالموت بسبب سوء التغذية. وقد حصل أن وثّق موت أطفال في مخيم الهول شرق سوريا نتيجة سوء التغذية. وهذا تقرير يضاف إلى تقارير أممية أخرى وثقت أنّ 89911 طفل تحت سن الخامسة عانوا من نقص تغذية شديد عام 2019، وأنّ هذا العدد مرشح للازدياد خلال هذا العام إلى نحو 150 ألف طفل. ويزيد من صعوبة الوضع وقوف أنظمة الرعاية الصحية في سوريا على حافة الانهيار مع هجرة عناصر الكادر الطبي وضخامة الحمل اللوجستي الذي تنوء تحته الخدمات الصحية المتهالكة، مع تسجيل 39% من عدد الأطفال السوريين ممن لم يأخذو اللقاح الثلاثي البكتيري (DPT).
ووثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنّ ما لا يقل عن 29375 طفلاً قضو في النزاع المسلح في سوريا، منذ مارس آذار 2011 وحتى نوفمبر تشرين الثاني الماضي، منهم 2005 قضوا على يد القوات الروسية و925 على يد قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة. كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ عدد المواطنين السوريين ممن لقوا حتفهم نتيجة مخلفات الحرب في مناطق متفرقة من الأراضي السورية خلال العام المنصرم، بلغ 421 شخصاً, بينهم 135 طفل. إضافة إلى 4261 طفلاً غيبوا قسرياً، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. فيما قالت هيومن رايتس ووتش إنّه في محافظة إدلب وحدها وثّق اختفاء حوالى 600 طفل عام 2019.
إنّ العمليات الحربية وما يرافقها من تدهور الأوضاع على مختلف الأصعدة، لا تترك فقط آثاراً جسدية على الأطفال، إنّما أيضاً آثاراً نفسية واضطرابات سلوكية قد ترافقه مدى الحياة، أهمها الغضب والقلق والاكتئاب والخوف ومشاكل في النوم. وهذه المخرجات السلوكية هي منعكسات لا واعية لمشاعر اليأس والإحباط واستسهال العنف، وتدنّي معايير القيم الإنسانيّة التي عاشوها.
وتقول الدكتورة إنّ منظور الحياة بالنسبة للطفل ممن تعرّض لصدمة الحرب تبدأ بالتشكّل على قناعات أنّ الآخر -بغض النظر من هذا الآخر- قد سلب منه الحقوق وحرمه الحياة التي كان يتطلع إليها، بالتالي لا يجد مفرّاً من مواجهة هذه الحياة سوى بنسق العنف أو الانسحاب، كحالة نكوصيّة انهزامية. وقالت منظمة اليونيسف، في تقرير لها، إنّ أكثر من 80% من الأطفال السوريين تأثروا نتيجة الحرب، منهم قرابة 6 مليون طفل ولدوا خلال عمر الحرب منذ عام 2011، وإنّ حوالي مليوني طفل سوري من اللاجئين هم بحاجة إلى دعم نفسي.
ولايجب عند الحديث عن أزمة الطفولة في سوريا أن نُغيّب موضوع التعليم، لما له من أهمية قصوى وأولية، غير أنّ الأرقام والإحصائيات تنذر بالسيء، إذ إنّ البقاء على قيد الحياة بكل ما للكلمة من معنى قد وضع التعليم في الشطر البعيد من الأولويات.
وعلى الموقع الرسمي للأمم المتحدة سلّط تقرير، بعنوان ''أطفال سوريا محرومون من طفولتهم''، الضوء على الواقع المروّع للتعليم في هذا البلد، وقال التقرير إنّ ''هناك مراهقين في سن الخامسة عشر أو السادسة عشر لا يعرفون القراءة والكتابة''، بعد انقطاع أكثر من 2.1 مليون فتاة وصبي عن ارتياد المدرسة، وحوالي 1,3 مليون آخرين معرضين لخطر التسرّب، مع تسجيل واحدة من كل ثلاث مدارس قد دُمرت أو تضررت او استخدمت كملاجئ للنازحين.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، يوجد حوالي 1.5 مليون طفل سوري في سن المدرسة، في تركيا والأردن ولبنان، لكن نصفهم تقريباً لا يحصلون على تعليم رسمي. وأشار تقرير لنفس المنظمة بعنوان "بدّي أكمل دراستي، العوائق أمام التعليم الثانوي للأطفال السوريين اللاجئين في الأردن"، والمستند على أرقام وإحصائيات أممية ومحلية الى ''انخفاض معدلات الالتحاق من حوالي 90% في الصفوف الابتدائية إلى 25-30% فقط في المرحلة الثانوية, فيما تصل هذه النسبة إلى 27% في تركيا، وإلى أقل من 4% في لبنان. وحثّت المنظمة الجهات المانحة الرئيسية، بما في ذلك الولايات المتحدة ومفوضية الاتحاد الأوروبي، إلى تحسين وصول الأطفال السوريين اللاجئين في هذه البلدان إلى التعليم الثانوي. يُذكر أنّ سياسات النظام السوري وضعت سوريا في المرتبة الأولى بمعدل التهجير على مستوى العالم بنسبة 8,25% من مهجري العالم لعام 2020.
إنّ هذا الواقع المفرط بالألم يفرض على المجتمع الدولي، كما النُخب السورية، أن تفكر جدياً بالحلول. ولا يمكن أن ينطلق اي حل دون الوصول إلى الجذر السياسي للمشكلة، من خلال تقوية مؤسسات الدولة السورية القائمة، كي تكون قادرة على مواجهة هذه القضية الهامة للغاية؛ الدولة القوية هي الدولة القادرة على تصميم السياسات وسن الأنظمة والقوانين ووضعها تحت موضع التنفيذ، كما يقول المنظّر الكبير فوكوياما. ولا يمكن أن تكون الدولة السورية قوية بغياب مبدأ تداول السلطة والشفافية كما هو قائم الآن, والظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بها تجعل تحقيق هذا الهدف صعب المنال في المستقبل القريب، وأنّ ظروفاً غاية في القسوة والصعوبة ستواجه الطفولة هذا العام إذا ما استمر احتكار السلطة بيد النظام القائم حالياً. لذلك لابد على المجتمع الدولي ممثلاً بالمنظمات الإنسانية والسياسية التدخل بإلحاح لحماية الطفولة في سوريا، فهذه القضية هي قضية عالمية بقدر ماهي قضية محلية ومعنية بالشأن السوري. الطفولة
ليفانت - صفوان داؤد
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!