-
الصين تقود دبلوماسيّة جديدة في الشرق الأوسط
لم تعتد شعوب الشرق الأوسط على قراءة اسم الدولة الأكبر في العالم (الصين)، سوى من خلال منتجاتها التي تكتسح الأسواق العالمية، وخاصة البضائع الرخيصة، التي تصل إلى الدول النامية في غرب آسيا وشمال أفريقيا، وتسلك البضائع عالية الجودة طريقها إلى دول الخليج العربي.
ولا يفوتنا أنَّ جائحة كورونا، التي تسرب رزازها من مختبرات الصين، كانت دعاية سلبية لها، بل وغيّرت نظرة شعوب العالم إليها، بسبب الفواجع البشرية والاقتصادية التي سببها الوباء، فضلاً عن آثاره النفسية. إلا أنَّ دول المنطقة التي تتبنّى العقيدة الدينية، وخاصة إيران، تتجاهل ما يحدث لمسلمي الأويغور، في شمال غربي الصين، من اضطهاد، على الرغم من علاقات طهران القوية مع بكين، إذ لم يرد إلى أسماعنا من نظامها أي إدانة حيال قتل وتهجير الأقليّة المسلمة هناك.
وفي مشهد فريد إلى حد ما بتعاطي الدبلوماسية الصينية مع قضايا الشرق الأوسط، تستضيف بكين وزراء خارجية أربع دول خليجية، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. ففي الفترة ما بين 10 يناير حتى 14 من الشهر الراهن، يحلّ وزراء خارجية السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان ضيوفاً عند نظيرهم الصيني "وانغ يي" وفي اليوم الثاني من زيارتهم يلتحق وزير الخارجية التركي "جاويش أوغلو" بالركب، على أن ينضم "حسين عبد اللهيان"، وزير الخارجية الإيراني، في اليوم الأخير من زيارة وزراء خارجية الخليج العربي.
ومن غير المألوف من الحراك الدبلوماسي الصيني، هو التوقيت الذي يجمع السعودي "بن فرحان" بنظيره الإيراني "عبد اللهيان"، في وقت تهزم فيه قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ميليشيا "أنصار الله" الحوثيين في اليمن، وتحقق انتصارات كبيرة في وقت قياسي. فضلاً عن رفض السعودية عودة الإدارة الأمريكية للاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران بصيغته التي وقعها الرئيس الديمقراطي الأسبق "بارك أوباما"، لا سيما وأن النظام في طهران بات على مقربة من تخصيب ما نسبته 60 بالمئة من اليورانيوم، بحسب تقارير عديدة، نقلاً عن مسؤولين في النظام الإيراني.
ومن هذا المنطلق، ووفقاً لمعرفة الدبلوماسية الصينية مسبقاً بالخصومة بين الرياض وطهران، فإنّها ستحرص على الجلوس مع النظراء كلاً على حدة، قبل أن يلتقي الوزراء الخليجيين والإيراني سوية، وكذلك الحال في اجتماعهم مع نظيرهم التركي، الذي تعتبر بلاده أقل مناوشة مع دول مجلس التعاون منذ بداية العام الفائت.
واستناداً إلى ما سبق، فإنَّ وجود ستة وزراء من الشرق الأوسط في بكين، يُعدّ فرصة مواتية لحكومتها للتدخل في شؤون المنطقة وتوسيع حجم العلاقات التجارية مع دول الخليج، والتي بلغت 163.55 مليار دولار في العام الماضي، وتقدر النسبة الكبرى من الصادرات الخليجية إلى بكين نحو 25 بالمئة من مشتقاتها النفطية.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ زيارة ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" للصين، في شهر فبراير/ شباط 2019، أرست لعلاقات عميقة بين البلدين، بعد توقيعه حينئذ 35 اتفاقية بقيمة 28 مليار دولار، إذ لا يربط الجانبين السعودي والصيني أي علاقات تاريخية، نظراً لانحياز بكين لدول ذات طابع اشتراكي ثوري، ورفض الفكرة في الرياض.
وتنطوي وجهة النظر بزيارة وزراء خارجية دول الخليج الأربع إلى بكين، في خطوة من شأنها تنويع الحلفاء الدوليين وعدم الركون إلى الولايات المتحدة بمفردها، التي لطالما كانت سياساتها الخارجية متذبذبة في العقد الأخير، الأمر الذي أتاح للحرس الثوري الإيراني، الغريم التقليدي للسعودية، من التوسع في المنطقة، وضرب الميليشيات الطائفية الحليفة لطهران منشآت حيوية، بما فيها شركة أرامكو النفطية، ومطارات مدنية في جنوب المملكة.
وسط هذا الازدحام السياسي والاقتصادي، ترى بكين أنَّ هذه الزيارات تتلاءم مع توسيع نفوذها، خصوصاً بعد تسييس واشنطن لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وتشجيعها لحلفائها بعدم المشاركة فيها، سيما وأنّ وزيري خارجية السعودية والبحرين، دعما الصين في استضافة أولمبياد بكين الشتوي. كما أنَّه من مصلحة الصين توسيع دائرة الأصدقاء في ظل التصعيد الغربي ضدها، تحديداً في قضية تايوان وملف حقوق الإنسان. حيث زار مؤخراً وزير خارجيتها "وانغ يي" ثلاث دول أفريقية، أرتيريا وكينيا وجزر القمر، بعد زيارته لدولتين في المحيط الهندي، المالديف وسيرلانكا.
كثيراً ما يتردد في الصين، أنَّ العالم تغيّر، مما يدعو لوجود دبلوماسيين رفيعي المستوى، وكذلك مواظبتهم على مقولة أنَّ "الغرب ليس العالم كله"، في محاولة لازدراء الدور الغربي بالنظام العالمي، وبأن ثمة حلفاء جيدين لهم في أفريقيا والشرق الأوسط.
هناك العديد من القضايا الشائكة في الشرق الأوسط، معظمها تكون إيران طرفاً أساسياً فيها، مثل الحرب السورية واليمينة، وتبنيها لحزب الله اللبناني وسياساته العدائية، وتحريض حركة حماس على أعمال لا طائل منها، واستهداف حرسها الثوري طرق التجارة البحرية بالقرب من مضيقي هرمز وباب المندب.
ولا شك أنَّ القضية الأكثر صعوبة هي الملف النووي، الأمر الذي يضع المنطقة على مفترق طرق، في ظل غياب الدور الرداع للولايات المتحدة، الذي استخدمته بغزو العراق وإسقاط نظام البعث عام 2003.
وعلى النقيض من ذلك، ألا يستدعي تصاعد النفوذ الصيني حلفاء واشنطن الآسيويين، مثل كوريا الجنوبية واليابان، من تعزيز أواصر العلاقات مع دول الخليج العربي لدرجة يُصعب فيها على الآخرين إغراؤهم بالتقرب منها، وبناء علاقات استراتيجية تقوم على المصالح المشتركة؛ في وقت تعتمد فيه اليابان وكوريا الجنوبية، على دول الخليج، كأهم مصدر للغاز الطبيعي المسال؟
ليفانت – درويش خليفة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!