الوضع المظلم
الأربعاء ٠٦ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • “الانقلاب”.. حلٌ سحري وضع الجيش التركي خاتماً بإصبع أردوغان

“الانقلاب”.. حلٌ سحري وضع الجيش التركي خاتماً بإصبع أردوغان
الجيش التركي


منذ تاريخ الخامس عشر من يوليو للعام 2016، والسلطات التركيّة تنكّل بخصومها في الداخل، دون أن تخشى لومة لائم، متذرّعةً على الدوام بمحاولة انقلاب مزعومة تمّت في ليلتها، لكن الشك ما يزال يحوم حولها، كونها في النهاية لم تقدّم إلا خدمات ذهبية لنظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فمهدت له التخلّص من خصومه السياسيين على طبق من فضة، وخصومه العسكريين على طبق من ذهب، حتّى تحول الجيش العلماني التركي الذي من الواجب عليه حماية الدستور، إلى مجرد خاتم في إصبعه، ينفّذ له ما يريد من أحلام توسعيّة، حتى وإن كان ذلك بالتعاون مع متطرفين، كما حصل في سوريا وليبيا، ويتكرّر في أرمينيا، وممكن أن يتكرر في مواقع أخرى من العالم في محيط تركيا أو خارجها، ما دامت تلك السلطة هي التي تتحكّم بزمام الأمور في أنقرة.


حملات اعتقال مستمرة للمناوئين


فمع “محاولة الانقلاب الفاشلة”، باشرت أنقرة في شنّ حملات اعتقال مستمرة لليوم الراهن، ضمّت العاملين بكافة القطاعات العامة، وأدّت لاعتقال نحو 80 ألف شخص في انتظار المحاكمة، وعزل قرابة 150 ألفاً من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة أو إيقاف عن العمل، وخلال شهر يونيو الماضي، ذكرت وزارة الدفاع التركية أنّها منذ “محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016″، فصل من الجيش 15 ألفاً و583 عسكرياً في إطار تحقيقات عسكرية، فيما ما تزال تتواصل التحقيقات الإدارية والجنائية ضد أكثر من 4 آلاف عسكري.


وفي الصدد، استمرّت عمليات الاحتجاز خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، ففي الثالث والعشرين من أغسطس الماضي، عمدت السلطات التركية إلى اعتقال 34 عسكرياً من الجيش التركي، بذريعة الانتماء إلى حركة الداعية فتح الله غولن، التي تدّعي أنقرة أنّها متورّطة فيما تسمى بـ”محاولة الانقلاب”، وتبعاً لمكتب المدّعي العام في مدينة إزمير، احتجزت السلطات التركية 47 شخصاً، منهم 34 عسكرياً في القوات المسلحة التركية، متّهمين بالقيام باتصالات هاتفية بمسؤولين في حركة غولن، باستعمال هواتف عمومية.


اقرأ أيضاً: اغتيال سليماني يكسر غرور إيران فــــما “قبله” ليس كما “بعده”


وفي الخامس عشر من سبتمبر الماضي أيضاً، صدرت قرارات احتجاز جديدة، طالت 78 عسكرياً ومدرساً بتهمة الارتباط مع حركة “الخدمة”، ضمن تحقيقين منفصلين في مدينتي أنقرة وإزمير، ووفق صحيفة “زمان” التركية المعارضة، طالت قرارات الاعتقال بالتهمة ذاتها، 66 شخصاً، من بينهم 48 عسكرياً ما زالوا في الخدمة متواجدين في 28 مدينة تتقدمها مدينة إزمير، كما أصدر الادعاء العام في أنقرة قرارات اعتقال تضمّنت 12 مدرساً، من ضمنهم 8 موظفين في وزارة التربية.


وفي منتصف أكتوبر الجاري، احتجزت الشرطة التركية عشرات الأشخاص في العاصمة أنقرة، بذريعة الاشتباه بمساهمتهم في محاولة انقلاب 2016، حيث ادّعت الشرطة بحثها عن 167 مشتبهاً معظمهم من الجنود، وتبعاً لقناة “تي آر تي”، باشرت السلطات التركية حملة بحث عن 110 مشتبهاً بهم، من ضمنهم طيارون وضباط برتب عالية، لافتةً إلى إلقاء القبض على 89 شخصاً منهم إلى حد الآن، بينما أشارت وكالة “الأناضول” الرسمية للأنباء، إلى أنّ الشرطة احتجزت 32 مشتبهاً بهم من أصل 57 في 15 إقليماً.


تعذيب غير إنساني للمعتقلين


لكن هؤلاء المعتقلين قد يكونون من المحظوظين، على الأقل لن يخضعوا لما خضع له أسلافهم إبّان محاولة الانقلاب المزعومة، ففي الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي، أفصحت وثائق رسمية عرضت مؤخراً عن هوية قائد شرطة تركي عرف بلقب ملاك الموت “عزرائيل”، وذلك باعتباره من كوّن وأدار موقعين “سريين” و”غير رسميين” خصصا للتعذيب، تعرض فيهما ما يقارب الألفي معتقل لمعاملة وحشية عام 2016، إذ فضحت الشهادات التي قدمها الضحايا، وعرضها موقع “نورديك مونيتور”، السياسة المنهجية والمتعمدة للتعذيب، وآلية معاملة المحتجزين تحت إشراف ومراقبة المسؤولين الحكوميين، الذين لم يكتفوا بالعمل على إفلات الجناة من العقاب، بل رفضوا كذلك التحقيق في الحوادث.


اقرأ أيضاً: من طهران.. رائحة الموت تصل أوروبا وتسدّ الأبواب في وجهها


وتبعاً للموقع السويدي، فقد كشفت فيما بعد مجموعة من الأدلة تدل على أن العملية العسكرية الخاطفة التي وقعت في صيف 2016، لم تكن سوى “حركة زائفة” لزيادة تمكين أردوغان، والتخلص من كبار الجنرالات والأدميرالات الذين عارضوا التوغل العسكري التركي في سوريا، وكان التعامل مع المعتقلين من قبل قائد الشرطة الذي يوصف بـ”عزرائيل” وفريقه من الضباط، بمساعدة فريق منفصل من جهاز المخابرات التركي سيء السمعة، تتم على طريقة تنظيم داعش، حيث اعتبروا زوجات الضحايا وبناتهن “غنائم حرب” يمكن اغتصابهن.


كما جرى الاستيلاء على ممتلكات المعتقلين الشخصية، مثل النقود والمجوهرات، بما في ذلك خواتم الزفاف، وتعرّض كثير منهم للتحرّش الجنسي والاغتصاب، ووفق الوثائق التي عرضها “نورديك مونيتور”، فقد تعرّض الضحايا للضرب والركل، وجردوا من ملابسهم، وحُرموا من الطعام والماء لأيام عدة، وأجبروا على البقاء في أوضاع غير إنسانية تحت الضغط لساعات طويلة، كما صُعق كثيرون بالكهرباء وخُنق بعضهم حتى الموت.


الانقلاب حل سحري للاستحواذ على الجيش


وما يزال كثير من المعارضين الأتراك يشككون في حقيقة الانقلاب، إذ ينسفون الرواية الرسمية، ويقدمون تفسيرات منطقية تبرهن أنّ الانقلاب كان مدبراً إلى حدّ بعيد، وهو ما ذهب إليه ضابط سابق في سلاح البحرية التركي، كان قد جرى عزله بذريعة المساهمة في الانقلاب، حيث قدّم رواية جديدة للأحداث في منتصف أغسطس الماضي، مُخالفة بشكل كلي للرواية الرسمية، لافتاً إلى الدور الذي قامت به الاستخبارات التركية، وأوردت صحيفة “زمان” التركية المعارضة، عن الرائد البحري السابق، إسماعيل جولماز، تشديده على أنّ “جهاز الاستخبارات التركية له يد في محاولة الانقلاب، ولعب دوراً مهما في إعداد البنية التحتية النفسية للمؤامرة التي شهدتها تركيا”.


اقرأ أيضاً: بكين تُزاحم على لقب “الجيش الأقوى”.. والمخاوف الأمريكية في محلّها


ووّجه الرائد التركي السابق، الاتهام لجهاز الاستخبارات التركية بالتخطيط لمحاولة الانقلاب، بالتشارك مع شركة سدات- صدات الأمنية المسلحة، ورئيس أركان الجيش في ذلك الوقت، خلوصي أكار، وفريق رئيس حزب الوطن اليساري، دوغو برينتشاك، حيث يعتقد جولماز “أنّه لولا إفراج أردوغان عن المتّهمين في قضايا محاولة انقلاب (بايلوز) وتنظيم أرجنيكون (الدولة العميقة) لما تمكن أحد من جرّ القوات المسلحة إلى هذا الفخ والمؤامرة”، منوّهاً إلى أنّهم وجهوا تهمة الانقلاب إلى حركة الخدمة وأنصارها وأعلنوا الحركة جماعة إرهابية.


ومن النظرية البسيطة التي تقول “ابحث عن المستفيد”، لم يكون هناك من مُستفيد من الانقلاب المزعوم في كامل تركيا، إلا الرئيس التركي نفسه، الذي تمكّن من بسط سطوته ونفوذه على الجيش، وتخلص من الأصوات المناوئة له داخل المؤسسة العسكرية، والتي يبدو أنّها كانت تمنعه من الخوض في أحلامه التوسعية، نظراً لحسابتهم العسكرية وإدراكهم بأنّ الرئيس التركي يسير بالبلاد نحو “رمال متحركة”، ستسحبها للأسفل كلما حاولت التحرّك داخلها، فيما لو سقطت في حدودها، والواضح من الحروب التركية عقب الانقلاب في سوريا وليبيا وأرمينيا وغيرها وصراعاتها مع اليونان وقبرص وفرنسا وغيرها، أنّ تركيا قد أضحت داخل دائرة تلك الرمال.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!