-
أشجار عفرين مصدر لدخل مسلحي تركيا.. والانتقام من أهلها
أصدرت منصّة أرمانج للمجتمع المدني، في الرابع من كانون الثاني/ يناير الجاري، تقريراً موسّعاً حول قطع الأشجار في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، وهي منطقة ذات كثافة سكانية كردية، قبل بدء ما تسمى بعملية غصن الزيتون، في يناير العام 2018، حيث هجّر منها وفق تقديرات محلية ما بين 70 إلى 80 بالمئة من مجموع السكان الأصليين الكرد، لصالح توطين آخرين، ممن جرى تهجيرهم بموجب اتفاقات روسية-تركية من أرياف دمشق وحمص وإدلب وحلب وغيرها إلى عفرين.
فـ"عفرين" ليست إلا تعبيراً فاضحاً وفق متابعين، للتلاعب الروسي التركي بالديموغرافية السورية، وإعادة ترتيبها وهندستها بما يتماشى مع مصالح الجانبين، عبر تهجير المعارضين للنظام السوري وروسيا من المناطق المتاخمة للعاصمة دمشق ووسط سوريا في حمص، بجانب تهجير الكُرد السوريين من مناطقهم في عفرين ورأس العين وريف تل أبيض، نتيجة متاخمتها للحدود التركية، وإنشاء الكُرد فيها نظاماً إدارياً غير خاضع لدمشق وموسكو.
اقرأ أيضاً: على خطى داعش ..فصائل أنقرة تفرض الدّين الإسلامي على مدنيي عفرين بحد السيف
ولا يبدو أنّ الانتقام التركي من الكتلة الشعبية الكردية في عفرين منحصرة في تشريع قتلهم بزعم أنّهم "إرهابيون"، أو تهجيرهم من أرضهم وقراهم، أو في اعتقال الآلاف منهم وقتل الكثير منهم تحت التعذيب، أو الاستيلاء على بيوتهم وأملاكهم ومنعهم من العودة إليها، أو استحصال الفدى والإتاوات عقب تلفيق التهم الجاهزة، والتي توجّه لأي كردي، من خلال وصمهم بالعمالة لـ قسد أو العمل مع "الإدارة الذاتية"، بل إنّها تتجاوز كل ذلك إلى الانتقام من الجغرافية والطبيعة التي ساندت المقاتلين الكُرد، خلال شهرين من المعارك الطاحنة، (بين 20 يناير إلى 18 مارس)، من خلال إزالة التلال الأثرية، وتجريف الكثير منها، وقطع وحرق عشرات الآلاف من أشجار الغابات وأشجار الزيتون.
بالأرقام..
إذ ذكرت منصّة أرمانج "حسب البيانات الواردة من النشطاء المحليين، أنّ عمليات القطع والحرق طالت مئات الآلاف من الأشجار الحراجية والمثمرة منذ أن احتلّت تركيا والفصائل المسلحة منطقة عفرين، ولكن إلى الآن لم يتم توثيقها بشكل دقيق بسبب الأوضاع الأمنية السيئة جداً وتعرّض سلامة وحياة النشطاء المدنيين الميدانيين جرّاء ذلك لأخطار محدقة تتراوح بين الاعتقال والحبس والتحقيق التعسفي والتعذيب والابتزاز المالي والموت أحياناً".
وأضافت أنّه قد "استطاعت منصّة آرمانج للمجتمع المدني من أن توثّق أكثر من ٩٠ نقطة تمّ فيها حرق الأشجار أو اقتطاعها، والتي نجم عنها زوال قرابة ٩٥,١١٠ شجرة حراجية ومثمرة"، منوّهةً إلى أنّ تلك الأشجار توزعت على الشكل الآتي: (ناحية جنديرس ١٩,٩٣٠ شجرة، ناحية شيخ حديد ٨,١٧٠ شجرة، ناحية شران ٧,٢١٠ شجرة، ناحية معبطلي ١٠,٣٥٠ شجرة، ناحية بلبل ٢٦,٦٥٠ شجرة، ناحية راجو ١٨,١١٠ شجرة، ناحية شيراوا ٤,٧٠٠ شجرة)، مع الإشارة الى أنّ الأرقام تقديرية.
اقرأ أيضاً: عفرين..”فصائل أنقرة” تواصل سلوكياتها القمعية
ووفق المنصّة، فقد "تعدّدت الأسباب وراء عمليات قطع وحرق الأشجار في عفرين"، مضيفةً أنّه "رغم ذلك فإنّ ٩٠٪ من عمليات القطع والحرق هي من أجل الفوائد الاقتصادية التي تجنيها الفصائل من عمليات بيع الخشب، حيث تلجأ الفصائل بعد عمليات القطع بحرق الغابات كشكل من أشكال التغطية، ما أدّى الى خروج بعض الحرائق عن السيطرة".
ونوّهت المنصّة إلى أنّ "بعض عمليات قطع الأشجار وحرق الغابات كانت بغية البحث عن الآثار، وهو ما حدث في قرية أرندة ناحية شيخ الحديد، عندما أقدمت عناصر الجبهة الشامية على قطع وجرف أكثر من 500 شجرة زيتون حول القرية، بغرض البحث عن الآثار، وهو ما حدث أيضاً في طريق شيتكا وكاخرة ناحية المعبطلي، من قبل فصيل السلطان شاه الذي قام بقطع أكثر من ٧٠٠ شجرة زيتون حتى يتسنى لها البحث عن الآثار".
وتابعت المنصّة أنّ "هناك أسباب أمنية عسكرية أيضاً تقف وراء سلوك الفصائل، حيث يتم حرق الغابات الحراجية الوعرة والكثيفة، كتكتيك عسكري كي لا يتم استخدامها للاختباء، أو شنّ عمليات من قبل المقاومة "أي مقاومة محتملة من قبل أهلها"، فمعظم جبال عفرين وخاصة المناطق الحدودية أصبحت جرداء قاحلة بشكل كامل، فقد تم حرق غابات كاملة".
واستطردت: "بعض عمليات حرق الغابات والأشجار جرت نتيجة للاقتتال الداخلي بين الفصائل على مناطق النفوذ، كنوع من أنواع الانتقام، وأخيراً تم حرق أكثر من ١٥٠٠ شجرة من في قرية الشيخ بلال في ناحية راجو، من قبل فصيل الحمزات من أجل تحويلها الى حقل للرمي من أجل التدريبات العسكرية".
اقرأ أيضاً: فوضى واعتقالات في عفرين..وفصائل تركيا تواصل انتهاكاتها
وبخصوص الأسباب الاقتصادية لقطع الأشجار في عفرين، أشارت المنصّة إلى أنّ "الحرب السورية أدّت الى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، وهو ما أدّى الى ارتفاع أسعار المحروقات في غالبية المناطق، نتيجة للنقص الكبير في توفرها وخاصة بعد سلسلة العقوبات التي فرضت على سوريا مما ضاعف الاعتماد على الحطب من أجل التدفئة وإشعال الأفران وحتى بعض المعامل، ومع ازدياد الطلب انتشرت تجارة الحطب، وهذا ما جعل من سياسة قطع الأشجار مورداً اقتصادياً مهماً لفصائل الجيش الوطني في عفرين".
وأشارت المنصّة أنّه "يتم قطع الأشجار واستخدامها للتجارة المحلية وبيعها في أسواق إعزاز والباب والراعي وجرابلس، وأيضاً يتم تهريب قسم منها إلى مناطق النظام السوري من جهة مدينة الباب، حيث يصل سعر ١ طن من الحطب الى ٧٠ دولار أمريكي، وسابقاً كان يتم شحنها إلى إدلب، ولكن هيئة تحرير الشام بدأت في فرض ضرائب كبيرة للعبور، مما أدّى الى ارتفاع سعر ١ طن إلى ١٢٥ دولار، وهو ما دفع الأهالي إلى الاعتماد على قشور الفستق المستورد، وخاصة التركي والإيراني، في التدفئة بدلاً من الحطب، فهو أقل كلفةً بكثير من الحطب".
ووفق منصّة أرمانج، فإنّ "شبكة الفساد الموجودة بين الفصائل متشابكة جداً، فعلى الرغم من أنّ الفصائل تحصل على عائدات من الوقود من الأتراك، إلا أنّهم يقومون بتخزينه أو بيعه، ففي عفرين يوجد ١١ فصيل عسكري، ولدى كل فصيل عسكري ما بين ٣-٥ من الثكنات والمقرّات العسكرية، وجميعها تستخدم الحطب كوسيلة للتدفئة والاستهلاك السنوي، لكل مقرّ أو ثكنة يقدّر بقرابة ١٥ طن سنوياً".
اقرأ أيضاً: الكُرد في عفرين.. عامان من المصائر المجهولة لمئات المخفيين قسراً
وأردفت أنّه "يتم استخدام الأشجار في صناعة الفحم، والذي يتم استخدامه في تدفئة المداجن المنتشرة بكثرة في الشمال الغربي، فهناك معامل للفحم منتشرة في كل عفرين ومنها كفر جنة، ولكن يبقى الاستخدام الأكبر للتدفئة المنزلية وتشغيل بعض المعامل يعتمد على الحطب في مناطق سيطرة الجيش الوطني ودرع الفرات، حيث تصل الى ٩٠٪ من نسبة الاستخدام".
وأشارت منصّة أرمانج أنّه "مع الانتهاء من حرق جميع الغابات الحراجية تقريباً، بدأت عمليات قطع الأشجار المثمرة، وهو ما يهدد الاقتصاد المحلي بشكل كبير على المدى البعيد، وهو يزيد من هجرة السكان الذين بالأساس يتم تهجيرهم بشكل قسري"، لافتةً إلى أنّه "يمكن أن ينتج عن عملية قطع الأشجار، حصول تقلص مساحة الغابات والتي تمدّ الكرة الأرضية بكميات كبيرة من الأكسجين، وتخلّصها من غاز الكربون، كما أنّه ينتج عن قطع الأشجار حصول تهديدات جماعية لبعض الحيوانات لعدم مقدرتها على العثور على مأوى وغذاء، وبالتالي تهديد خطير بانقراض بعض أنواع الحيوانات".
اقرأ أيضاً: اعتقالات وإتاوات.. تواصل الانتهاكات بحق أبناء عفرين
وخلصت المنصّة من خلال متابعة الوضع في عفرين منذ العام ٢٠١٨، إلى أنّ "انتهاكات حقوق الإنسان تزداد يومياً خلافاً للربيع التي وعدت به تركيا وفصائل الجيش الوطني ومعها الائتلاف والحكومة السورية المؤقتة"، وذكرت المنصّة أنّ ذلك "يبدو وهماً كبيراً، فالانقسامات المجتمعية تزداد يوماً بعد يوم، ويزداد معه الاستقطاب السياسي العنيف، ناهيك عن تزايد مستمر في خطاب الكراهية القائم على التمييز الديني والقومي، واليوم تنحو الأحداث والتطورات الميدانية أبعاداً خطيرة بمحاربة البيئة وتدميرها وتغيير معالمها وإنهاء الموارد المحلية الاقتصادية في بلد هو بأمس الحاجة إلى تعزيزها لا إنهائها".
وأنهت المنصّة تقريرها الموسّع بالإشارة إلى أنّه وبسبب "عدم القدرة على إحداث تأثير فعال وإيقاف هذه الانتهاكات بالوسائل الناعمة التي يتم انتهاجها في التعامل مع تركيا وحلفائها من المعارضة السورية"، يتوجب "على الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية على تركيا وحلفائها، وأيضاً وضع الفصائل التي أثبت ارتكابها لجرائم ضمن قوائم الإرهاب".
ليفانت _ متابعة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!