الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أبناء إدلب المغيّبون قسرياً.. ابتزاز ومساومات في الرّدهات الدولية

أبناء إدلب المغيّبون قسرياً.. ابتزاز ومساومات في الرّدهات الدولية
إدلب
 ليفانت نيوز- نور مارتيني 

 


 




منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة السورية، لم تتوقّف حملات  الاعتقال التي طالت أهالي مدينة إدلب وريفها، كما أن كثيرين من أهالي إدلب يعانون من هيمنة النظام على مفاصل الحياة الهامة، وأهمها الخدمات الصحية ورواتب الموظفين؛ الأمر الذي يدفعهم إلى الحصول على هذه الخدمات من تركيا كحلّ بديل.





ولكن هذه الحالة أدّت إلى فقدان التواصل بين عائلات المعتقلين من أهالي المنطقة، وذويهم من المعتقلين، نتيجة الخوف من الاعتقال والتصفية، سيما وأنّ استهداف النظام لأهالي إدلب، على الهوية، لم يتوقّف يوماً؛ ما أسهم في تغييب هذه القضية عن الإعلام بشكل كامل، بفعل عدم مقدرة الأهالي على التواصل مع الجهات القانونية إلا من خلال المنظمات المتمركزة في تركيا، والتي تمثّل لوناً واحداً من الشعب السوري، أو المنظمات المتواجدة في أوروبا، والتي هي بعيدة عن مسرح الأحداث في إدلب، كما أن الكثيرين ممن يتواصلون مع جهات أوروبية يتّهمون بالعمالة والتخوين؛ كلّ هذه العوامل جعلت من معتقلي إدلب نسياً منسيا، وهو ما يدفع ثمنه آباء وأمهات يموتون كمداً، وأبناء يعيشون الحرمان والفاقة، كما أن نسبة من نساء هؤلاء المعتقلين، تعرّضن للاستغلال من قبل الكتائب المتطرفة، فانفصلت عن أبنائها لترتبط برجل آخر، وهو ما يحدث في الغالب نتيجة ضغط المجتمع، فيصبح الأبناء بلا معيل وبلا سند، ويقعون ضحية للاستغلال في أبشع صوره، حيث أنهم باتوا آباء صغار في سن لم يتجاوز الحادية عشرة في بعض الأحيان، وفي كثير من الأحيان يتمّ تجنيدهم في صفوف الكتائب المقاتلة؛ فكلّ المهن اليوم باتت مرتبطة بالحرب وتجارها. 


وصلت في الآونة الأخيرة إلى إدلب، أخبار مقتل العديد من المعتقلين تحت التعذيب، سيما بعد التمدّد التركي الأخير في المنطقة، واعتماد الليرة التركية، لتبدو هذه الممارسات كعقوبات لأهالي المنطقة، الذين يخضعون لسلطات أمر واقع تصادر قرارهم، فيأتي الرد من النظام بتصفية معتقليهم.



“قضى تحت التعذيب”..طعنة جديدة 



 


نعت العديد من صفحات التواصل الاجتماعي، وناشطو إدلب شباناً قضوا تحت التعذيب، وتبلّغ أهلهم نبأ موتهم تحت التعذيب مؤخّراً

 نعت العديد من صفحات التواصل الاجتماعي، وناشطو إدلب شباناً قضوا تحت التعذيب، وتبلّغ أهلهم نبأ موتهم تحت التعذيب مؤخّراً؛ البعض قال أنه عثر على صورة الشهيد الذي قضى تحت التعذيب بين صور قيصر المسرّبة.

حيث علمت ليفانت نيوز أن عائلة الشاب السوري صادق بيطار، قد تبلّغت خبر وفاته تحت التعذيب في سجون النظام السوري، بعد 9 أعوام من الاعتقال.  


وحول المرة الأخيرة التي تمّ خلالها التواصل مع الشهيد، أوضحت إحدى السيدات التي تقيم في أوروبا، والتي لم توضح صلة القرابة بينها وبين الشهيد أن آخر تواصل جرى معه من قبل العائلة، كانت عام 2014، وأنه كان معتقلاً في سجن الفيحاء بدمشق.


اقرأ المزيد: الموت تحت التعذيب في سوريا.. الموت الأكثر قسوة


وتمّ الإعلان عن مقتل 6 أشخاص من أبناء مدينة إدلب وحدها تحت التعذيب، في غضون أسبوع واحد، وتتراوح مدة اعتقالهم بين 7 و 9 سنوات، مع العلم أن الإعلان يتمّ عادة من قبل ذوي المعتقل، والكثير من الأهالي ما زالوا يخشون سطوة النظام، ولا يعلنون عن سبب الوفاة الحقيقي، خوفاً من حواجز النظام التي قد يضطرون إلى اجتبازها يوماً، لتقديم امتحان أو الحصول على وثائق شخصية، أو حتى لقبض مستحقات مالية ورواتب لا يمكن الحصول عليها إلا باليد، أو حتى معاملات قانونية ينبغي التواجد شخصياً لإتمامها؛ لأجل كلّ هذا يختار ذوي المعتقلين الصمت.


فيما أعلن أهالي الهبيط عن عثورهم على صور تعود لـ16 شخصاً من أبناء قريتهم الصغيرة، ممن قضوا تحت التعذيب، وأن الأهالي قد عثروا على صور ذويهم في مجموعة صور قيصر، وفق ما أفادت وسائل إعلامية، نقلاً عن ناشطين من أبناء المنطقة



ملف المعتقلين..استغلال دنيء



كثير من الجهات ادّعت التواصل مع الأهالي، لتوثيق واقعات الاعتقال، واكتشف الأهالي أن ثمة من يتقاضى مساعدات على أسمائهم، دون معرفتهم وأنّ المسح كان لغايات احتيال، أو لغايات سياسية، كي يكون هذا الملف بيد المنظمات المسيطرة على المنطقة، وأنّ تقدّماً حقيقياً لم يحدث بشأن هذا الملف، بل إنّ ذويهم أصبحوا مادة رخيصة للإتجار بقضيتهم على طاولات الحوار المستديرة، التي كانت قضية المعتقلين تستثمر فيها لأغراض سياسية، وتغييب الجانب الإنساني المرتبط بمعاناة هذه الأسر.


كما أن هذه الأسر تعرّضت في الكثير من الأحيان للابتزاز مادياً، ودفعت مبالغ فلكية للحصول عن خبر حول أبنائها الذين يعانون الأمرّين في سجون النظام.


اقرأ المزيد: رحاب علاوي..الصبية التي اغتالها النظام السوري مرتين


سوسن .ب، وهي شقيقة أحد المعتقلين الذين فقدوا على الحدود السورية اللبنانية، تحدّثت لليفانت : “تحدّث معنا شخص قبل فترة، وقال أن أخي المعتقل منذ سبعة أعوام، قد خرج من السجن بموجب صفقة تبادل، وأنه متواجد في سراقب، وكوني متواجدة حالياً في أوروبا فلست قادرة على التحرّك”، وتتابع: “أخشى على والدتي ووالدي المسنّين والمريضين في حال ثبوت كذب الخبر، وهو ماحصل”.


وحول تفاصيل المعاناة، تقول: “قال لي الشخص المجهول أن أخي أصبح في تركيا، وحاولت أن أعرض عليه نقوداً ولكنه أبى، وهنا بدأت أقتنع بروايته، كما أن خط الهاتف الذي تستخدمه والدتي قد جرى إيقافه قبيل الحادثة، وهو مسجل باسم أخي المغيّب قسرياً منذ 7 سنوات، وحين طالبت والدتي بمعرفة السبب قبل لها أنّه طلب إيقافه بناء على طلب صاحب الخط، ما دفعها للانهيار تماماً”.


وأضافت: “حين راجعت والدتي مشغّل الخليوي مرة أخرى رفضوا الإدلاء بمعلومات جديدة”، وأوضحت شقيقة المعتقل أن صاحب الرسالة أخبرها بأن شقيقها مقيم عند خاله في تركيا وأن قدمه كانت متعفنة، ولهذا هو متواجد في تركيا ومقيم عند خاله.


لاحقاً اكتشفت العائلة أن الشخص الذي راسلهم مقيم في تركيا منذ 3 أعوام، وهو ما أوضحه أهالي المنطقة، الذين اشتبهوا بحالة نصب وعرضوا تعويض العائلة المتضررة، مؤكّدين أن شقيق هذا الشخص وخاله الذي جرى الحديث عنه، مفقودان منذ 7 أعوام.



ابتزاز لأهالي المعتقلين وخلط للأوراق



لا تتوقّف هذه الحالة عند سوسن وعائلتها، بل هي تنسحب على الكثير من العائلات التي خضعت للابتزاز، سيما مع التسريب المستمرّ لقوائم بأسماء معتقلين مجهولي المصير، يتّضح بعدها أن هذه القوائم عارية عن الصحة، بعد أن تقع بعض العائلات في الفخ أملاً في أن يكون الخبر حقيقياً. أبناء إدلب


 


أسر كثيرة لم تعد اليوم مستعدّة للتعاون مع أي جهد دولي أو صحفي لتوثيق أسماء المعتقلين، أو المساهمة في تعريتهم، فقد تركوا للريح مراراً

أسر كثيرة لم تعد اليوم مستعدّة للتعاون مع أي جهد دولي أو صحفي لتوثيق أسماء المعتقلين، أو المساهمة في تعريتهم، فقد تركوا للريح مراراً، ولن تكون هذه المرة الأخيرة التي يواجهون فيها المصير ذاته، ليذهب الوفد المفاوض محمّلاً بملفات ترفع سقف المكاسب السياسية، وتبقيهم رهن هذه الحلقة المفرغة.


اقرأ المزيد: عمر الشغري يستحضر ذكريات الاعتقال..إجرام يفوق الخيال


وبهذا يكون الحل هو الحفاظ على من تبقى من العائلة، الذين يتعرّضون لأقسى درجات الضرر النفسي في كلّ مرة يعاد فيها طرح هذا الملف، وهو ما لمسناه مؤخراً من حالات أزمات قلبية بعد عودة الأهالي للبحث في صور قيصر، بعد أن قامت جهات إعلامية لا مسؤولة، بالتسويق لوجود قائمة جديدة لشهداء تحت التعذيب، ونشر صور لضحايا تعذيب تمّت في مواقع أخرى، فيما لا يمكن قراءته إلا على أنّه تشويش وابتزاز عاطفي رخيص للأهالي!


 


هم يعرفون منذ الثمانينيات كيف يمكن للنظام أن ينتقم ويدمّر مستقبل عائلة بأكملها، للانتقام من شخص، قد يكون قريباً من الدرجة الرابعة!

في ظلّ هذه التجاذبات والمفارقات، بين استقطابات دولية وصراعات على السلطة، يعيش أهالي معتقلي إدلب، والذين تتحكّم به قوى الأمر الواقع من كلّ حدب وصوب؛ ومع تكرار الحديث عن عودة النظام للهيمنة على المحافظة، باتت مخاوف هذه الفئة أكبر، فلا قانون يحميهم من انتقام النظام، وهم يعرفون منذ الثمانينيات كيف يمكن للنظام أن ينتقم ويدمّر مستقبل عائلة بأكملها، للانتقام من شخص، قد يكون قريباً من الدرجة الرابعة! 


قبيل كلّ مرة ينعقد فيها جنيف، تشهد محافظة إدلب نشاطاً لمجموعات فيسبوك، تعمل على توثيق أسماء المعتقلين، فيذهب المفاوضون محمّلين بقوائم تبقى حبيسة الأدراج، وبعد انتهاء التوثيق تختفي المجموعات بقدرة قادر، فيما يغيب صوت المعتقلين ونشيج ذويهم في متاهات الرّدهات الدولية!

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!