الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الدكتور حسام فاروق \ ليفانت نيوز

في يوم واحد هذا الأسبوع تصدر عناوين الصحف والمواقع الإخبارية في العالم عنوانان لهما علاقة بأمريكا، الأول هو تصفية زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، البالغ من العمر 71 عاماً، من خلال استهدافه بصاروخين من طائرة مسيرة أثناء وقوفه في "بلكونة" منزله بالعاصمة الأفغانية كابل، في غارة أمريكية هي الأولى التي تنفذها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ انسحاب القوات الأمريكية منها العام الماضي.

الخبر الثاني هو هبوط طائرة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، في تايوان، وسط تأهب عسكري صيني، وتدوتر في العلاقات الصينية الأمريكية، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس مجلس النواب الأمريكي تايوان منذ 25 عاماً.

فيما يخص خبر مقتل الظواهري، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن من شرفة الغرفة الزرقاء بالبيت الأبيض -وبدا أنه لم يتعافَ تماماً من تداعيات فيروس كورونا الذي أصابه مرتين في أسبوع واحد- ليعلن الخبر للأمريكان والعالم في تصريحات مباشرة وليؤكد أنه من أعطى الموافقة النهائية على التنفيذ وأشرف بنفسه على العملية، ووصفها بأنها الأكبر منذ استهداف أسامة بن لادن، الزعيم الأول لتنظيم القاعدة، ولم ينسَ بايدن تذكير الأمريكيين بأحداث ١١ سبتمبر ومسؤولية القاعدة عنها قائلاً: "إن الظواهري مارس القتل والعنف ضد الأمريكيين، وكان العقل المدبر لأعمال عنف من بينها التفجير الانتحاري الذي استهدف المدمرة البحرية "يو إس إس كول" في عدن، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000"، مشيراً إلى أن "العدالة قد تحقّقت الآن".

بايدن لم يفوّت الفرصة وقدم خبر وفاة الظواهري على أنه نصر، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، العام الماضي، وفي استعراض مقصود يستهدف دعم موقف الديمقراطيين قبل الانتخابات النصفية، في نوفمبر القادم، قال: "ليس مهماً أين تختبئ، ستجدك الولايات المتحدة وتخرجك".

بدا أيضاً أن بايدن غير مكترث بردود الفعل الأفغانية على هذه العملية، معتبراً أن أفغانستان استضافت وأوت الظواهري في كابل وهذا خرق بالغ لاتفاق السلام، الذي عقدته واشنطن مع حركة طالبان، حيث وافقت الأخيرة على ألا تسمح لتنظيم القاعدة أو غيره من الجماعات المتشددة بممارسة أنشطتها في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان، ويبدو أيضاً أن بايدن أراد بهذه العملية توصيل رسالة لطالبان مفادها أن الولايات المتحدة تعلم أن حبال الود بين تنظيمي الحركة والقاعدة لم تنقطع، وأنهما ما زالا حليفين مثلما كانا لسنوات طويلة، وأن بإمكانها الضرب من مسافة بعيدة، وإن لم يعد لديهما جنود على الأرض.

تصفية الظواهرى في هذا التوقيت بلا شك ضربة كبيرة لتنظيم القاعدة وسيجمع بها بايدن نقاطاً مهمة جداً في معركة الديمقراطيين القادمة بالكونغرس في ظل تدنٍ غير مسبوق في الثقة بقيادته لدى الأمريكيين بسبب ظروف عديدة، أهمها الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وهي عوامل حاسمة فى اختيار الناخب الأمريكي.

وفيما يخص خبر هبوط طائرة نانسي بيلوسي في تايوان، وقبل الدخول في تفاصيله، نشير إلى أن قضية تايوان تظل من أكثر القضايا إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية الصينية، وقد ناقش بايدن ونظيره الصيني، شي جين بينغ، الأمر باستفاضة خلال مكالمة هاتفية، الأسبوع الماضي، استمرت أكثر من ساعتين، لكن مثل هذه المكالمات لا تقدم ولا تؤخر، وينطبق عليها قول الشاعر المصري صلاح جاهين في أوبريت "الليلة الكبيرة": "تخشى من مطرح ما طلعت"، بدليل أن كلا الطرفين، الصيني والأمريكي، يرى الآخر يلعب بالنار عند الحديث عن تايوان.

لم تكن تايوان محطة مدرجة في برنامج زيارة بيلوسي إلى آسيا، لكن الأمر نوقش لأسابيع في الفترة التي سبقتها، وفي الوقت نفسه، خرجت تحذيرات من بكين تشير إلى ما وصفته بالتأثير السياسي الفظيع حال توقفت بيلوسي في تايوان، قائلة إن الجيش الصيني لن يقف مكتوف الأيدي إذا اعتقدت بكين أن سيادتها وسلامتها الإقليمية مهددة.

أما إدارة بايدن، وعلى سبيل "الإجراء الشكلي"، ليس أكثر -في رأيي- فقد حذرت هي الأخرى من الزيارة ونفت مسؤوليتها حال حدوثها، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن علناً إن الجيش الأمريكي لا يعتقد أن الوقت مناسب لبيلوسي لزيارة تايوان، لكنه لم يخبرها مباشرة بعدم الذهاب، حسبما قال مصدران لشبكة CNN، ثم خرج وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في تصريحات، وقال إن الكونغرس فرع حكومي مستقل ومتساو، والقرار لرئيس المجلس بالكامل، وإن رئيسة مجلس النواب مسؤولة عن قرارها، مشيراً إلى أنه أطلع المتحدث باسم الكونغرس على مخاطر الزيارة للجزيرة الديمقراطية المتمتعة بالحكم الذاتي، التي تدعي الصين أنها جزء من أراضيها.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  

وما يؤكد أن السيناريو الأمريكي الذي نفذ في شأن زيارة بيلوسي لم يكن مرفوضاً من جانب البيت الأبيض، حتى إن أعلن غير ذلك، فقد حذّر مسؤولو البيت الأبيض بكين، من اتخاذ أي إجراءات تصعيدية رداً على الزيارة، وقال المنسق الاستراتيجي للاتصالات جون كيربي: "لا يوجد سبب لبكين لتحويل زيارة محتملة، تتفق مع سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد، إلى نوع من الأزمات أو الصراع، أو استخدامها كذريعة لزيادة النشاط العسكري العدواني في مضيق تايوان أو حوله".

لا نستبعد أن يكون بايدن قد بارك هذا السيناريو "سراً" بهدف استعادة الثقة فى قيادة الديمقراطيين قبل الانتخابات وإظهار أنهم ما زالوا مؤثرين في اللعبة السياسية بالعالم، أو أن السيناريو كتب من الأساس لهذا الهدف وتحركت من أجله رئيسة مجلس النواب بيلوسى فى رحلتها المثيرة للجدل، لتؤكد صلابة موقف الديمقراطيين في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، قبل انتخابات نوفمبر الحاسمة، ولا نعتقد أن هذا يزعج بايدن والبيت الأبيض حتى وإن قال عكس ذلك.

القيادة الصينية لديها تفسير واحد وخيار واحد لا ثاني لكلاهما، أما التفسير فهو أنها لا تفصل بيلوسي عن بايدن كثيراً، لأن كليهما ديمقراطيان وستعتبر رحلة رئيسة مجلس النواب زيارة رسمية للإدارة الأمريكية لدعم تايوان، فبكين تنظر لبيلوسي على أنها من الصقور ضد الصين في الكونغرس، ولقد التقت سابقاً بمعارضين مؤيدين للديمقراطية والدالي لاما -الزعيم الروحي للتبت المنفي والذي ما يزال شوكة في خاصرة بكين- كما ساعدت في عرض لافتة باللونين الأبيض والأسود في ميدان تيانانمين ببكين بعد عامين من مذبحة عام 1989، وفي السنوات الأخيرة أعربت عن دعمها للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ.

أما الخيار الصيني الواحد فهو استعراض القوة في وقت يسعى فيه "شي" إلى فترة ثالثة غير مسبوقة في المؤتمر القادم للحزب الشيوعي الصيني، ومن المتوقع أن يبدأ مسؤولو الحزب الصينيون في إرساء الأساس لذلك المؤتمر في الأسابيع المقبلة، مما يضغط على القيادة في بكين لإظهار القوة.

أخيراً.. لدى بايدن بالطبع سيناريو للتعامل مع ردود الأفعال المتوقعة، سواء من القاعدة على تصفية زعيمها، أو من الصين على زيارة بيلوسي، لكن الحسابات الأمريكية رجحت كفة استعادة الثقة بالقيادة على أي رد فعل متوقع، أمريكا تريد أن تثبت للداخل والخارج أنها الأقوى عالمياً رغم كل شيء.

 

ليفانت - حسام فاروق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!