-
يتهم متظاهريه بـ"الإرهاب".. هل تحول لبنان إلى "دولة بوليسية"؟
مرهف دويدري - ليفانت
شهدت مدينة طرابلس (شمال لبنان) موجة احتجاجات نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي، استنكاراً للأوضاع المعيشية التي وصل إليها أبناء المدينة في ظل الإغلاق العام في البلاد وانعدام المساعدات الحكومية بالتزامن مع أكبر انهيار وأسوأ أزمة مالية تشهدها البلاد، وكانت قد شهدت الاحتجاجات في حينها أعمال شغب وصلت إلى حد رمي قنابل المولوتوف على السرايا في طرابلس ومحاولة اقتحامها، إضافة إلى إحراق مبنى البلدية، وخلال التظاهرات التي شهدتها طرابلس جرت توقيفات عشوائية طالت عشرات الشبان إما في ساحات التظاهر أو من خلال مداهمة منازلهم أو استدعائهم إلى التحقيق بدون إبراز أذونات قضائية أو التعريف بالجهاز الأمني.
فيما قرر مفوض الحكومة اللبنانية لدى المحكمة العسكرية، القاضي فادي عقيقي، الإدعاء على 35 شاباً من الموقوفين وممن سبق أن أخلي سبيلهم بجرم "الإرهاب والسرقة"، مما أثار غضب واستهجان المنظمات الحقوقية والرأي العام اللبناني لكونه أول اتهام من هذا النوع وبوزن تهمة الإرهاب، يطال نشطاء ومتظاهرين منذ اندلاع الاحتجاجات قبل سنتين في 17 أكتوبر 2019، وقد يحمل دلالات على توجه جديد لدى السلطة اللبنانية في التعامل مع الموجة الاحتجاجية في البلاد، ويعتبر أخطر ما يحمله هذا الاتهام المزيد من التنميط لأبناء طرابلس والمدينة، عبر ترسيخ وصمة الإرهاب عليهم وربطهم بهذه التهمة، التي سبق أن سوق لها السياسيون ثم الإعلام واليوم القضاء يعززها، وذلك عقاباً لطرابلس على تحركاتها التي هزت السلطة. الإرهاب
طرابلس تؤرق السلطات اللبنانية
في مفارقة تلقفها لبنانيون كمدخل جديد للقمع تنتهجه السلطات اللبنانية ضد النشطاء المدنيين، وإثارة الشبهات حولهم وإخضاعهم للاستدعاءات الأمنية من أجل ترهيبهم ودفعهم نحو التراجع عن نشاطاتهم، بحسب ما عبروا في رسائل بثوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تضامناً مع الدكتور رامي فنج، ووضعوا أنفسهم معه في التهمة نفسها، موثقين توزيعهم للطعام على المحتاجين ومطالبين الدولة باعتقالهم والتحقيق معهم أيضاً، وذلك على خلفية استدعاء القوى الأمنية اللبنانية الناشط وطبيب الأسنان رامي فنج، للتحقيق معه في مخفر التل بطرابلس بسبب توزيعه للطعام والمساعدات على المحتاجين والمتظاهرين في المدينة. الإرهاب
وأثارت هذه الخطوة استغراباً وغضباً، لاسيما وأن البلاد تمر بأسوأ أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، بات فيها مشهد توزيع المساعدات والأطعمة على الفقراء في الساحات العامة أمرٌ مألوف يومياً، حيث صدر بيان عن مجموعات "ثورة 17 تشرين" في طرابلس، اعتبر أن "مواجهة الدولة لهذه المبادرات الفردية المسؤولة الهادفة لدعم الطبقات الاكثر فقراً، هو نتيجة لعدم قيامها بدورها وعجزها، وترد على ذلك باستكمال استدعاءاتها للناشطين من شابات وشباب هذه المدينة ضمن مسار قمع ممنهج تتّبعه السّلطة منذ أول أيام الثورة، وبذلك تحرص على تكريس منطق الزبائنية وحمايته". الإرهاب
واتهم البيان السلطات اللبنانية باعتماد معايير مزدوجة في التعامل مع المخالفين، وتكريس واقع بوليسية الدولة، وقال إن السلطات ترى في التكافل و دعم الطبقات الفقيرة بعضها البعض جريمة؛ بينما الجرائم الحقيقية بحق الشعب من سرقة أموال المودعين وتفجير مرفأ بيروت والاستيلاء على الأملاك العامة تبقى ليس فقط من دون عقاب بل قسم منها يخضع للتسوية لمصلحة المرتكبين أنفسهم.
تهم الإرهاب تلاحق المتظاهرين
بعد قرار الادعاء العسكري ضد المتظاهرين اللبنانين الذين وُجهت لهم تهم بالإرهاب، يضع الشبان الموقوفين أمام اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام والأشغال الشاقة، حيث يلغي هذا الادعاء مهل التوقيف القانونية استثنائياً وفقاً للقانون، في حين أنه لم يفرز بين الـ35 شاباً الموقوفين وغير الموقوفين دون تمييز، ما يقيد إخلاء السبيل، حيث تم الادعاء على الجميع بشكل متساوٍ بتهم الإرهاب والسرقة والشغب وإطلاق النار وتحقير رئيس الجمهورية، وبطريقة شمولية دون تحديد الاتهام لكل شخص بناء على الأفعال التي قام بها، وذلك بحسب ما صرّح به أحد محامي الدفاع في القضية نفسها.
فيما يصف مراقبون هذا التطور بالـ "خطير جداً" حيث سيعرّض جميع الأبرياء في هذا الملف إلى الظلم مع مدة توقيف لا يعلم أحد إلى متى ستطول وكيف ستستغل، حيث يخشى حقوقيون أن يكون ذلك متعمداً لتوقيفهم أطول فترة ممكنة وتوجيه رسالة من خلفهم إلى جميع المنتفضين والثوار في البلاد تفيد بأن حركتهم في الشارع واحتجاجهم قد يضعهم امام اتهامات خطيرة وتوقيفات طويلة كما يحصل في هذه القضية، حيث يضعون هؤلاء الشبان أمام اتهامات خطيرة تجمع بينهم وبين إرهابيين كأحمد الأسير وعناصر داعش وملف الضنية وغيرها،
فيما يؤكد محامو الموقوفين، أن الانفجار الذي دمّر نصف بيروت لم يصدر نتائج تحقيق تتهم مسؤولين عن الأمر، أما هذه التشدد في التعامل القانوني لا تتم إلا ضد المتظاهرين والثوار وأبناء طرابلس خصوصاً، لماذا لا تكون هيبة الدولة بكل الاتجاهات وليس فقط ضد شبان دفعهم الحماس الاحتجاجي بسبب أوضاعهم إلى ممارسة أعمال شغب.
منظمات حقوقية تستنكر الاتهامات "غير المنطقية"
طالبت منظمة "العفو الدولية" رئيس وأعضاء لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب اللبناني بتوجيه أسئلة إلى وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير العدل بشأن عدم تطبيق المادة 47 من القانون رقم 191/2020، والاستمرار في عدم السماح للمحامين بحضور التحقيق الأوّلي، وعدم إنفاذ القانون 65/2017 الذي يجرّم التعذيب، ضد المتظاهرين الذين جرى اعتقالهم على خلفيات الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدينة طرابلس، وأشارت عريضة وقعتها 23 منظمة حقوقية، إلى عدم تطبيق هذا القانون رغم أن أصبح نافذاً منذ أربعة أشهر، لافتة إلى "ظهور مخالفات كثيرة لدى بعض الأجهزة العسكرية والضابطة العدلية في ظل غياب أي رقابة فعالة على حسن سير العدالة، لناحية الأجهزة ولناحية الرقابة القضائية". الإرهاب
وتساءلت العريضة الحقوقية عن سبب عدم تطبيق القانون رقم 191/2020 والذي ينص على وجوب "أن يحاكم حضورياً وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محام من اختياره، وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذا لم يكن له من يدافع عنه، وأن تزوده المحكمة حكما، كلما كانت مصلحة العدالة تقتضي ذلك، بمحام يدافع عنه، دون تحميله أجرا على ذلك إذا كان لا يملك الوسائل الكافية لدفع هذا الأجر". الإرهاب
اقرأ المزيد “اسمها جريمة”..حملة شعبية تدين تفاقم الجرائم ضد النساء في لبنان
ونوّهت المنظمات الموقعة على العريضة إلى أن قانون تجريم التعذيب الذي أقر في العام 2017 ما يزال حبرا على ورق، "استنادا إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان اللبنانية والدولية وأهمها منظمة العفو الدولية، قائلة إنه في حال تطبيقه في بعض الحالات كان خجولاً ودون أي نتائج تذك، وخلال التظاهرات التي شهدتها طرابلس شنت توقيفات عشوائية بدون إبراز أذونات قضائية أو التعريف بالجهاز الأمني، وذلك في مخالفة صارخة لأصول المحاكمات الجزائية، الأمر الذي دفع بنقابة المحامين في طرابلس والمنظمات الحقوقية للتقصي والتفتيش عن الموقوفين غير أن تلك الأجهزة الأمنية أنكرت في العديد من الحالات اعتقالهم. الإرهاب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!