الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
و أنا العربي الخائن
ثائر الزعزوع

ثائر الزعزوع - صحفي سوري


“إلى صديقي الكردي الخائن وليد خليفة” ‪*‬

منذ أكثر من عام، وخلال استفتاء الاستقلال الذي أجري في إقليم كردستان، أعلنت تأييدي لذلك الاستفتاء، لأنه، برأيي، يمثل إرادة شعبية، رغم تحفظي الشديد على إطلاق تسمية كردستان، على دولة كان يمكن أن تنشأ لو حصل ذلك الاستفتاء على ما يلزم من الأصوات، والأهم على الدعم الدولي. فقد كنت أتمنى أن يكون الاسم أكثر انفتاحاً، لأن الإقليم، حسب معلوماتي، يضم مكونات أخرى، غير المكون الكردي، وكان حرياً بالقادة والزعماء السياسيين أن يختاروا تسمية تعبّر عن الجميع، وقد بحت بتحفظي لعدد من الأصدقاء الكرد، الذين أيدني بعضهم، لاقتناعهم أن دولة ناشئة في هذا المحيط متلاطم الأمواج والمثقل بالنزاعات والتعصب، قد تشكل، مستقبلاً نموذجاً يحتذى لانتصار الإرادة الشعبية.


طبعاً لم يخل تأييدي ذاك من بعض الحروب الصغيرة التي شنها عليّ متعصبون قوميون، وهذا طبيعي جداً، ولم يشكل فارقاً في موقفي الذي ما زلت متمسكاً به، لأني شخصياً لم أؤمن بفكرة الأمة العربية الواحدة، كونها مشروعاً سياسياً أدير بغباء شديد، ولا تمثل جامعة الدول العربية، بمؤسساتها المختلفة، سوى شكل من أشكال سوء الإدارة والترهل، ولو أجرينا استطلاعاً في أي شارع عربي عما قدمته الجامعة العربية طيلة تاريخها الطويل، لخرجنا بنتيجة متوقعة تماماً، فالشارع العربي من المحيط إلى الخليج ليست لديه ثقة أو قناعة بضرورة وجود مثل هذه المؤسسة.


دعوني أذهب إلى مثل أكثر تفصيلاً، امتدت القطيعة بين سوريا والعراق الدولتين اللتين يحكمهما حزب وحدوي قرابة عشرين سنة، كلتاهما ترفعان شعار أمة عربية واحدة، وتضعان الوحدة العربية شعاراً لا بديل عنه، فمن دون الوحدة لا وجود للحرية، الإرادة الشعبية كانت موجودة، فالشعبان السوري والعراقي متقاربان جداً، وبينهما علاقات عائلية وتجارية عريقة، ويشتركان في الكثير من التفاصيل، لكن الخلاف الحزبي كان أقوى من الإرادة الشعبية، وقد تحول في بعض مراحله إلى ما يشبه الحرب بين البلدين، اتهمت دمشق بغداد بإرسال متفجرات و مفخخات لتنفجر في دمشق وسواها من المناطق، وقد اتجه النظام السوري لتأييد إيران في حرب الثماني سنوات مع العراق، بل وكانت دمشق تشرف على تدريب بعض المقاتلين الذين سينضمون إلى صفوف الجيش الإيراني لمحاربة “الشقيق”.


على الضفة الأخرى فلا يمكننا النظر إلى الوجود السوري في لبنان إلا على أنه احتلال، ألم يحتفل اللبنانيون بخروج القوات السورية من بلدهم، تماماً كما احتفلوا بخروج القوات الإسرائيلية، ماذا كان يفعل الجيش السوري في لبنان لأكثر من ربع قرن؟ هل كان يريد حقاً تحرير فلسطين، أم استعادة الجولان؟ وما الذي ذهب بالجيش العراقي ليفعله في الكويت؟ هل كانت الكويت طريقاً لتحرير فلسطين أيضاً؟ والمهم أين جامعة الدول العربية في هذه المعمعة كلها؟.


أواخر عام ٢٠١٠ وقعت حادثة سيدي بو زيد الشهيرة في تونس، و تحول بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي إلى أحد رموز الشارع العربي، بدا أن شيئاً في المشهد سوف يتغير، لأول مرة يتحرك الشارع العربي منفعلاً غاضباً، رافضاً.... ولم يعد القادة بخطاباتهم و استعراضاتهم العسكرية هم الذين يحركون الشارع، بل إن واحداً منهم هو الذي سوف يحركهم، احتراقه المأساوي ذاك ألقى الكرة في ملعب الشارع، فاندفع بكل ما أوتي من قوة، ليمسك بزمام المبادرة، ويعلو صوته في كل مكان تقريباً.


في عديد الحروب التي خاضتها الجيوش العربية، قيل للشارع إن الجيوش انتصرت، لعلها المصادفة أن تمر هذه الأيام الذكرى السادسة والأربعين لما يسمى بـ”حرب تشرين التحريرية” حسب التسمية السورية أو “حرب أكتوبر” كما تسمى في مصر، لم يقدم نظاما البلدين حينها كشف حساب للشعبين السوري والمصري في معنى الانتصار الذي تحقق، فما الذي حققه الجيش السوري على سبيل المثال؟ و هل انتهت إسرائيل بعد اقتحام خط بارليف الذي نفذه الجيش المصري؟ لا طبعاً، لكن الأنظمة العربية اعتادت خداع الجماهير، فهي لا تحاسب أبداً.


إلا أن ربيع الشارع العربي، جاء ليحاسبها، من يتذكر الهتافات التي رفعها المتظاهرون في مختلف المدن العربية، في صنعاء وبنغازي والقاهرة وحمص ودير الزور، والتي رفعها المتظاهرون بعد ذلك في الجزائر وفي الخرطوم والتي يرفعونها اليوم في بغداد، يعلم تماماً أن الشعوب لم تعد تصدق ما يقال، لا في الخطابات و لا في نشرات الأخبار ولا في دروس التوجيه الحزبي... الإرادة الشعبية تريد التحرر من عقود الاستبداد والكذب والاتجار بالشعارات الفارغة، لكنها تواجه بالقمع والقتل.


هناك في الشارع تستطيع فقط أن تصدق أن ثمة وحدة عربية، وحدة في البؤس والفقر والقمع، وحدة في تعطل التنمية، ووحدة في النقمة على الديكتاتوريات التي تجتهد في بناء السجون والمعتقلات، ولا تفكر يوماً في تطوير أنظمة التعليم والقضاء.


في تسعينيات القرن المنصرف كتب الشاعر الليبي علي الكيلاني أغنية “وين الملايين” وقد أدتها ثلاث فتيات عربيات هن جوليا بطرس اللبنانية، وأمل عرفة السورية، وسوسن حمامي التونسية، كانت الأغنية تطالب الشارع العربي بالنهوض لنصرة فلسطين. ولكن الشارع العربي كان أسيراً، وكانت إرادته مستلبة، وكانت الأنظمة تحصي عليه أنفاسه، كما تفعل حتى يومنا هذا، لذلك فلم يتحرك الشارع العربي لا لنصرة فلسطين ولا لنصرة سواها، إذا كيف يمكن أسير أن يحرر أسيراً؟


سوف أؤمن بالأمة العربية الواحدة فقط حين تنبع من إرادة شعبية حرة، دون شعارات وتحزبات وعنتريات. ما عدا ذلك يسعدني أن أكون خائناً لتلك المبادئ التي حاولوا إرضاعنا إياها مع حليب أمهاتنا، لكنهم فشلوا.


* كتب الصديق الكاتب وليد خليفة منذ ثلاث سنوات مقالة بعنوان “يوميات كردي خائن”


 


 





و أنا العربي الخائن و أنا العربي الخائن و أنا العربي الخائن

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!