الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • هندسة أنقرة للديموغرافية السورية.. والحاجة الملحة لوقفة ضمير

هندسة أنقرة للديموغرافية السورية.. والحاجة الملحة لوقفة ضمير
التغيير الديموغرافي في سوريا \ ليفانت نيوز

لا يمكن لمراقب الشأن السوري، التغاضي عن السياسات التركية، كونها (أي أنقرة)، كانت القوة الرئيسة التي حرفت حراك السوريين عن مساره الصحيح، خلال سعيهم لنيل حقوقهم المشروعة دون تمييز عرقي أو طائفي، وهو ما شوهته اليد التركية المتغلغلة في جسد المعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح، والمعروفين بمسميات (الائتلاف الوطني والجيش الوطني).

فبعد حرف مسار الانتفاضة الشعبية، وأخونتها أو تطريفها، وتوجيهها ضد طائفة معينة من الشعب السوري، بحجة أنها طائفة النظام، ومن ثم تحوريها من مقاومة الأسد إلى مقاومة التطلعات المشروعة للمكونات السورية في شمال البلاد، عبر تجنيد آلاف مسلحي المعارضة، لقتال السوريين الرافضين للأسد وهيمنة أنقرة على بلادهم، والتي أسفرت عن تهجير مئات آلاف من السكان الأصليين لمناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض.. تستمر أنقرة في مساعيها التخريبية عبر العمل على هندسة الديموغرافية السورية، وسط صمت دولي مريب، ينسف رواية القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.

التغيير الديموغرافي في سوريا

لم يعد من الممكن على أي من الموالين لتركيا من حاملي الجنسية السورية، إنكار الغايات التركية في سوريا، فرغم أنها لطالما تشدقت بسعيها لإسقاط الأسد وحماية السوريين، برهنت السنوات العجاف التي مرت على السوريين، دون أدنى شك، أن المساعي التركية محصورة في النيل من المكون الكردي في سوريا، والمراقب سيلاحظ أخيراً، أن السلطات التركية تلهث عملياً خلف النظام السوري، بغية عقد اتفاق من نوع ما، يضمن لأنقرة مهاجمة الأسد لـ"قوات سوريا الديموقراطية"، وإنهاء ما تعتبرها تهديداً لأمنها المزعوم.

ومما لا شك فيه، أن أنقرة جاهزة لأي ثمن قد يطلبه النظام السوري، بغية تحقيق تلك المعادلة، والتي لن يستثنى منها على أغلب الظن، قيادات الإخوان المسلمين ومليشيات المعارضة أنفسهم، إذ يمكن للمراقب أن يرجح جاهزية النظام التركي لتسليم هؤلاء بشكل تدريجي، لقاء تحقيق مطالبه في إهلاك الكورد، ومنع عقد أي اتفاق بين قسد والنظام السوري.

اقرأ أيضاً: تجدد القصف التركي على ريف منبج شمال سوريا

ثمن لن تتوانى أنقرة فيه عن تسليم ليس فقط متزعمي المليشيات المسلحة والأجسام الهلامية السائرة في الفلك التركي دون بصيرة، بل وحتى ملايين اللاجئين الذين من المفترض أنهم معارضون للنظام، ولا يمكنهم العودة في ظله، نتيجة المخاطر التي تواجههم، خاصة أن أنقرة لا تريد عودة أبناء حمص ودمشق وحماه وإدلب وحلب ودرعا والقنيطرة وغيرها، إلى المناطق التي ينحدرون منها، بل يسعى إلى توطين هؤلاء في المناطق التي تعتبر ذات خصوصية كردية كـ عفرين ورأس العين وغيرها، إضافة إلى إدلب، وكل المناطق التي تسيطر عليها مليشيات المعارضة السورية، بعمق 35 كم من الحدود التركية.

ذلك الحزام (بعمق 35 كم داخل الأراضي السورية)، هو أقصى أحلام النظام التركي حالياً، كونه يعتبر "حزام التغيير الديموغرافي" ذاك، سبيلاً وحيداً لضمان أن لا تقوم قائمة للكورد السوريين، كما كانوا في عفرين، منذ العام 2012، وحتى العام 2018، وفي رأس العين وريفها، حتى العام 2019، وهي الحقيقة التي تتعامى المعارضة السورية عن رؤيتها، كما تعاميها عن بيع سوريا والسوريين لأنقرة ومصالحها، دون أن يجني السوريون أي مكسب سوى تدمير عشرات المدن والحواضر، وتهجير الملايين ونزوح مثلهم، بجانب انتشار الفاقة والعوز والجهل والتطرف والإرهاب والقتل الطائفي والعرقي.

خطة أردوغان لإعادة مليون سوري

ولتطبيق ذلك الحزام، أعلن في الثالث من مايو الجاري، الرئيس التركي، رجب أردوغان، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح "العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم"، مضيفاً: "نحضر لمشروع جديد يتيح العودة الطوعية لمليون شخص من أشقائنا السوريين الذين نستضيفهم في بلادنا"، زاعماً أن المشروع سيكون شاملاً بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

اقرأ أيضاً: تشبيح ابن قيادي في " الجيش الوطني" شمال سوريا يثير الغضب على السوشال ميديا

خطة كانت قد كشفتها صحيفة Türkiye (المقربة من التيار الحاكم) في الخامس والعشرين من أبريل الماضي، عندما قالت في تقرير حول نيّة الحكومة التركية إعادة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال مدة زمنية حددتها الحكومة بين 15 - 20 شهراً، حيث أوضحت آنذاك أنه "ستتكفل دولة قطر بالجانب الرئيس في تمويل هذه المشاريع الميدانية، وقد تشهد المرحلة القادمة كثافة التنسيق والتواصل بين الجانبين السوري والتركي، وذلك لمناقشة ملف عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم وملف مكافحة تنظيم PKK الإرهابي"، كما لم تستبعد الصحيفة التركية أن تشهد الساحة السورية عملية عسكرية ضد العناصر التي صنفتها تركيا بأنها "إرهابية" في مناطق شمالي وشرق الفرات (دير الزور، الرقة، منبج)، وذلك لإعادة آبار النفط لسلطة النظام السوري.

لتؤكد كل تلك التصريحات الصادرة عن أردوغان من جهة، والتسريبات التي يعمد النظام التركي إلى ترويجها عبر صحافته من جهة ثانية، إلى صوابية الاستنتاجات الواردة في مقدمة التقرير أعلاه، من جاهزية أنقرة لتسليم دمشق كل الأوراق، لقاء تحقيق هدف تعتبره مصيرياً لوجودها، كما تزعم.

السوريون وموقفهم من مخططات أنقرة

واقع الحال في سوريا، منذ أكثر من عقد من الزمان، يؤكد أن القوى المتصارعة لا تدرك حجم الإنجازات والإخفاقات التي تنتظر مشاريعها، ففي بداية النزاع، كانت تحلم أنقرة بإسقاط النظام السوري، وأخذ دمشق رهينة لسياساتها، لكن أحلامها تقلصت رويداً رويداً إلى ما هي عليه اليوم، من انتشار عسكري محصور على أجزاء من الشريط الحدودي شمال سوريا، وهي تعتبر نكسة كبيرة، وهزيمة لا يستخف بها، إن ما قورنت مع الأهداف الأولى لتركيا، رغم انتهاج أنقرة لكل الطرق واستخدامها شتى الأدوات، في سبيل تحقيق مآربها، إن عبر احتضان المسلحين أو تمرير الإرهاب إلى سوريا عبر المطارات التركية.

وعليه، فإن خطة أردوغان الرامية إلى هندسة الديموغرافية السورية في شمال البلاد، تحت حجج وذرائع زائفة مستترة بالإنسانية وإيواء السوريين، وضامرة في حقيقة الأمر، لهلاك السوريين عبر دفعهم إلى قتل بعضهم، كما فعلوا سابقاً، عند غزو عفرين العام 2018، ولاحقاً عند غزو رأس العين وتل أبيض العام 2019، مرهونة فعلياً بقدرة السوريين على مواجهتها.

اقرأ أيضاً: الانتهاكات تتواصل بحق أهالي عفرين شمال سوريا 

مواجهة، تستدعي من كل الأطراف السورية، إن في صفوف النظام السوري أو المعارضة السورية أو مجلس سوريا الديمقراطية، وضع خلافاتهم جانباً عند التعاطي مع ملف الهندسة الديموغرافية برعاية أنقرة، فالمتضررون منه موجودون في كل الفرق السورية المتناحرة، وبشكل أكبر في صفوف المعارضة و"مسد"، إذ توجد حواضن رئيسة لكلا الفريقين، مشمولة بالخطة التركية، وبالتالي فإن نجاحها، سيعني بلا شك، استحالة عودة أبناء الغوطة الشرقية وحمص وحماه وحلب وغيرها إلى مناطقها، كما استحالة عودة أبناء عفرين ورأس العين وتل أبيض إلى أراضيهم.

وإن كانت "مسد" رافضة للخطة، فإن الرهان هو على تحرك المعارضة السورية (خارج الفلك التركي) لرفض مساعي استيطان السوريين من مكونات معينة، في مناطق مكونات سورية أخرى، تحت أي ذريعة كانت، لأن قبول أي مكون طائفي أو أثني بتلك الخطة، إقرار منه على بيع نهائي للمناطق التي ينحدرون منها، وإقرار بأن لا عودة إليها، وهو ما يستدعي من كل السوريين، وقفة مع الضمير، قبل إطلاق أي أحكام استباقية.

وأخيراً، وحده رفض كل السوريين، على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم الفكرية والعقائدية، الطائفية والأثنية، لهندسة أنقرة، ديموغرافية بلادهم، وعدم قبولهم إلا بالعودة إلى المناطق التي ينحدرون منها، سيكون كفيلاً بإفشال تلك الخطة الجهنمية، الكفيلة بتدمير ما تبقى من سوريا.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!