الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل يفعلها بايدن؟
حسام فاروق

في توقيت حرج يمر به العالم، حيث حرب قاسية تدور رحاها في أوكرانيا وملايين اللاجئين الأوكرانيين يدخلون في الشتات حول العالم، وحديث عن أزمة عالمية في الغذاء والطاقة، يجري الآن حديث عن أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ينوي رفع اسم الحرس الثوري الإيراني، الذراع المسلحة لإيران، من قائمة الكيانات الإرهابية التي اعتمدتها الولايات المتحدة.

نعم ليس هناك تأكيدات معلنة بأن بايدن سيفعلها، كما ليس هناك أيضاً ما يقول أن هذا الحديث مغلوط، والخلاصة أنه لا دخان بلا نار. حديث صاحبه الكثير من الاستغراب والانزعاج، والانتقادات، في ظلّ ما تديره إيران في المنطقة من حروب بالوكالة عبر أذرعها في عدد من العواصم، وكذلك مضيّها قدماً في عدم الالتزام بوعودها بوقف تخصيب اليورانيوم لأهداف غير سلمية، حتى وهي جالسة على مائدة التفاوض في فيينا لعودة الاتفاق النووي مع مجموعة (5 + 1) أو حتى الوصول لاتفاق جديد، فلم تتوقف إيران عن أنشطتها النووية.

في خضم كل هذا نسمع عن أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يريد مكافأة الحرس الثوري المتورّط في الإرهاب النووي، برفعه عن قائمة الإرهاب، عنوان يجعلك تسأل مع أي طرف تقف أمريكا في هذا العالم وكيف تدير إدارة بايدن حساباتها في المنطقة؟ ويبدو أنّ إدارة بايدن ماضية في تغيير أولوياتها وقررت ألا تشغل بالها بانزعاج حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط والخليج من التمدد الإيراني وخطر الحرس الثوري وممارساته، فهي بلا شك قضية خلافية، وبمجرد الحديث فيها صدرت انتقادات علنية لاذعة لأمريكا وتوالت الاجتماعات بين قادة بعض دول المنطقة، لكنني أيضاً أستطيع أن أتوقع أن بايدن لن يكترث بمثل هذه الانتقادات وسيرفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، لكنه بذلك سيحدد ملامح جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والخليج.

حال ما ألغت إدارة بايدن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، على أي شماعة سيعلق البيت الأبيض قراره؟ لا يساورني شك في أنّ الرد الأمريكي مجهز بأن هذا سيخدم العودة للاتفاق النووي مع إيران، فإجراء كهذا لا نستطيع أن نناقشه بمعزل عن المباحثات الجارية الآن بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي للأخيرة، وليس خافياً أيضاً أن إيران وضعت هذا المطلب كشرط لإتمام الاتفاق، فالحرس الثوري يمثل الدولة الإيرانية ويسيطر على الحياة السياسية، بما في ذلك البرنامج النووي الذي يتفاوضون حوله، وليس من المستساغ، من وجهة النظر الإيرانية، أن تتفاوض طهران مع طرف يصمها بالإرهاب، ويبدو أن الرئيس بايدن قد وافق على المطلب الإيراني، وما هي إلا أيام ويعلن هذا القرار، فقط ما يحدث هو ما يسمى في صنع السياسة بـ"جس النبض" والتمهيد الإعلامي.

المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، علقت على إمكانية شطب الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني من لائحة الإرهاب الأميركية، قائلة إن الموضوع قيد البحث والدراسة حالياً، لكنها في النصف الثاني من تعليقها قالت جملة نستطيع هنا أن نتوقف عندها بنفس الاستغراب الذي صاحب الطرح (رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب)، فقد قالت بساكي إن تصنيف الحرس الثوري على لائحة الإرهاب لم يجعل العالم في وضع أكثر أماناً على الإطلاق، وكأنّها تريد أن تقول أحد شيئين لا ثالث لهما، الأول إن الإرهاب، بالحرس الثوري وبدونه، موجود، والثاني إن أمريكا لم تستفد من تصنيفه إرهابياً بشيء ومن ثم فعليها أن تفرج عنه وتستفيد إذا كانت هناك ثمة استفادة.

الغريب أيضاً في السياسة الأمريكية تجاه إيران، أن كل النتائج المعلنة تفيد بأن الولايات المتحدة لم تجنِ أي فائدة. وتواجه جهود إدارة بايدن، لإحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، شكوكاً متزايدة من قبل الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس، وذلك بشأن إمكانية أن يؤدي الاتفاق إلى توجيه مليارات الدولارات إلى موسكو، التي تعمل مع طهران في مجال الطاقة النووية، والأخطر أن المستقبل المعلن عنه لا شيء فيه مؤكد، فالخارجية الأمريكية نفسها أعلنت قبل أيام أن الاتفاق على العودة إلى خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي) مع إيران "ليس وشيكاً ولا مؤكداً"، في أحدث مؤشر على احتمال عدم إحياء الاتفاق في وقت قريب، ليتكشف الرأي العام العالمي أن مختلف الروايات المروجة في الإعلام حول قرب التوصّل لاتفاق جديد أو عدم العودة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي القديم، مجرد كلام غير مؤكد تروّجه الآلتان الإعلاميتان، الأمريكية والإيرانية، على حد سواء، هذا ولا يجوز تجاهل ما يثار من مخاوف لدى مشرعين من كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بشأن الشكل الذي قد يبدو عليه الاتفاق النووي الجديد مع إيران إن تم، معربين عن خشيتهم من أن يكون أضعف كثيراً من اتفاق عام 2015، بسبب فقدان واشنطن الوقت والنفوذ.

استعداد واشنطن لتقديم تنازلات لإيران تؤكده تصريحات مسؤولين أمريكيين، بأن واشنطن مستعدّة لاتخاذ قرارات صعبة لإعادة البرنامج النووي الإيراني إلى حدوده المرسومة في الاتفاق الذي أبرم في فيينا في 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في 2018، وفي رأيي مكمن هذه الصعوبة في المطلب الإيراني الذي تصر طهران عليه، وهو رفع واشنطن الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأمريكية السوداء للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وهناك صعوبة أخرى أيضاً أراها تحول دون إتمام الاتفاق في المستقبل القريب، وهي توقيت التفاوض الذي لم يعد مناسباً لوجود خلافات بين أعضاء الفريق الواحد المتمثل في بعض دول 5 + 1، من ضمنهم روسيا والصين، الموقعتان على الاتفاق، والآن هناك خلاف معلن بين الولايات المتحدة وروسيا، وعدم اتفاق غير معلن بين الولايات المتحدة والصين، نتج عنه تراجع العلاقات الأمريكية مع روسيا والصين إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.

صعوبة أخرى تواجه الولايات المتحدة حال أقدمت على هذه الخطوة، وهي كيف ستقنع العالم بأن الحرس الثوري الإيراني ليس جماعة إرهابية أو أنه لا يخوض حروباً بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق حتى الآن؟ وكيف سيقنع بايدن الشعب الأمريكي والعديد من جماعات الضغط في الولايات بأن الحرس الثوري لم يقتل الأمريكيين في العراق؟

أخيراً، أتوقع أن يرفع بايدن الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب وسيبدأ مرحلة جديدة من السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والخليج، والمحصلة في رأيي مزيد من الخسائر للديمقراطيين على صعيد شخص الرئيس ولمكانة أمريكا في المنطقة، حيث ستكلفها الإدارة المرتبكة خسارة الحلفاء، وفي النهاية لن تلتزم إيران مع بايدن ولن يتوقف الحرس الثوري عن ممارساته.

 

ليفانت - حسام فاروق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!