-
هل يستفيد السوريون من احتلال أوكرانيا؟
تداول سياسيون سوريون فكرة، مفادها أن تستفيد المعارضة من انشغال روسيا بأوكرانيا، وتحدثوا عن الأمر في منتهى الجدية. لنقاش الأمر، سنختار أيضاً تلك الجدية، وهناك من يختار السخرية والهزء أيضاً. أين هي المعارضة المستقلة، الائتلاف وقسد ومسد ومختلف هيئات المعارض المكرسة، فإذا لم تكن مستقلة، وهي التابعة لتركيا أو أمريكا أو هذه الدولة أو تلك، فكيف يطلب منها ذلك الاختيار المشتهى؟
لا شك أن اختيار اللحظة المناسبة لتغيير السياسات هو أمر سليم، ولكن ذلك يتطلب معارضة مستقلة، وثورية ووطنية بحق، وليس معارضة تابعة، ومفككة، وفاسدة بامتياز، وساعية إلى مصالح قادتها، وتتبادل المناصب بين تلك القيادات ضمن مؤسسات المعارضة، ولا سيما قيادة الائتلاف، اللجنة التفاوضية، وهناك من يحتكر وفد المعارضة إلى أستانا، أحمد طعمة، وإلى اللجنة الدستورية، هادي البحرة.
رغم ذلك، إن الفكرة تستحق النقاش، ولكن ضمن أطر المعارضة الهاربة من جنة المعارضات المكرسة. إن العالم بعد حرب أوكرانيا ليس كقبله، وهذا سيفرض تغييرات كبرى في سياسات الدول العظمى، بدءاً بروسيا والاتحاد الأوربي والإدارة الأمريكية والصين وألمانيا واليابان والهند، وستكون نحو الاستفادة من النزعات في العالم، ومن أجل إكثار أوراق التفاوض لدى هذه الدولة أو تلك، وقد يتم الاستثمار في النزعات من أجل توسيع مناطق النفوذ لهذه المعارضة، أو لذاك النظام، وهكذا.
المعارضة المكرّسة منزوعة الإرادة، وهي مناهضة لأي حراك سياسي جاد، أو بديل عنها، ولاحظنا أن ندوة الدوحة تمّ مصادرتها، وحُولت إلى مجرد لقاء للنقاش؛ تركيا هي من لجم إمكانية أن تطيح بالائتلاف ومؤسساته. وغير الائتلاف لا يختلف كثيراً عنه في مصادرة حق السوريين في التعبير والحريات والمشاركة السياسية؛ في مناطق قسد، تمنع حتى قوى المجلس الوطني الكردي من الفاعلية، وتشطب الاتفاقات معه.
هناك متغيرات عالمية، ولكن ليس هناك قوى سياسة سورية جادة، سيما أن أغلبية نشطاء المعارضة وكوادرها الأساسية أصبحت في الخارج، ومن ظل في الداخل، مراقب جيداً من النظام وقسد، وهيئة تحرير الشام والفصائل التابعة لتركيا، وبالتالي العمل السياسي الفاعل ستكون انطلاقته في الخارج.
حدثت منذ أسابيع تظاهرات محدودة في مدينة السويداء، ولكنها لم تتطور إلى بقية المحافظات، والجدير ذكره أن المظاهرات تتكرر في هذه المدينة، ودون تلقى صدىً لها في بقية المدن السورية. أيضاً، يمكن أن تحدث بعض المظاهرات "المطلبية" في مناطق قسد أو هيئة تحرير الشام أو الفصائل، ولكنها تحدث دون تزامن مع بقية المناطق، وهذا يعني أن التفكيك كبير في الداخل، وهناك عوامل كثيرة تمنع ذلك التآزر، وأول تلك العوامل القمع الشديد، من قِبَل سلطات الأمر الواقع، وكثرة ما عايشه السوريون من دمار وقتل وتهجير وفقر، وبالتالي المُجرب لا يُجرب ثانية.
تعويل بعض المعارضين على الداخل لا معنى له إذاً، وأيضاً لا معنى للتعويل على المعارضة المكرّسة. العمل الجاد يتم إذاً عبر الخارج، فهل قوى المعارضة الخارجية وغير المكرسة قادرة على الفعل والثورية وإعادة المسألة السورية إلى دائرة الاهتمام الداخلي والإقليمي والدولي؟
لنقل إن العامل الدولي مناسب، كما أوضحنا، ولكن هل تملك الدول الإقليمية والمحيطة والمتدخلة بسوريا رؤية جديدة، وفهماً عميقاً للوضع لما بعد احتلال أوكرانيا، وأن مرحلة جديدة تنتقل إليها البشرية، ونحو تعددية قطبية؟ لا، بالتأكيد، وليس هناك دولة قادرة على تغيير استراتيجياتها، وإنصاف الشعب السوري؛ فلا تركيا تثق بالناتو، ولا الاتحاد الخليجي بوارد التغيير في سياساته، وبالتأكيد مصر والعراق خارج الفاعلية الإقليمية، وإيران تحاول رفع العقوبات عنها للاستمرار بسياسات التخريب المجتمعي للدول العربية، والسيطرة عليها؛ إسرائيل مناقضة كلية لمصالح الشعب السوري وسوريا أيضاً.
إن غياب قوى ثورية جادة، يساوي عدم القدرة على الاستفادة من الشرط الدولي الجديد، ويشكل هذا الغياب سبباً لبقاء الوضع السوري بحالة استنقاع وتفكيك واستنزاف؛ ما هو جديد في كل ذلك، إن حدة الأزمة الاقتصادية في ازدياد، وكذلك آثارها الاجتماعية، وسيكون لنتائج الحرب في أوكرانيا آثار إضافية، حيث ستخرج روسيا منها منهكة، وبحاجة لنهب "مستعمراتها" وأولها بالطبع سوريا. إذاً العامل الدولي والوضع المحلي في غاية الجاهزية لأية مشاريع وطنية وثورية، ولكن الأخير خارج الفعالية، وبالتالي، سوريا إلى مزيدٍ من التأزّم، ولن تستفيد من المتغيرات الدولية.
هناك اجتماعات جديدة، تسعى إليها واشنطن، وبدأت ترفع من تنديدها بسياسات النظام كذلك، ولن توفر أوربا الفرصة للضغط على خواصر روسيا في سوريا وسواها، وربما تتجه الدول المذكورة نحو تخفيف التوتر مع تركيا، الدولة الأكثر فاعلية في سوريا، ولكن هل سيفضي ذلك إلى شروط جديدة، يتم فرضها على روسيا؟ وهل ستحرك تلك الدول شرق وشمال سوريا أو تدعم الجنوب من أجل تخريب الاستقرار الهشّ الذي خلقته روسيا في سوريا منذ تدخلها في 2015، وتحديداً بعد 2018.
لا نضيف جديداً حينما نقول: لا يمكن للدول الإمبريالية أن تقف إلى جانب حقوق الشعوب، والآن تتم التضحية بأوكرانيا، كي لا تنتقل الحرب إلى أوربا، وباسم دعم المقاومة في هذا البلد، والذي يتعرّض لأسوأ غزو، ولأسوأ تدمير ممنهج أيضاً؛ سوريا أيضاً تركت لمأساتها منذ 2011.
رغم الفكرة السابقة، فإن زيلنسكي، يحاول أن يستفيد من الدعم الأوربي والأمريكي، ولكن ضعف الدعم وهمجية النظام الروسي لن يسمحان له بالانتصار، وأغلب الظن سيتم احتلال أوكرانيا في وقت قريب. مشكلتنا في سوريا أن الوضع في تأزمٍّ شديدٍ، وهناك خراب كبير في المعارضة المكرّسة والخارجة عنها، وهذا يعني أن سوريا لن ترى خلاصها قريباً؛ وإذا استطاعت روسيا احتلال أوكرانيا في الأسابيع القادمة ستتشدد في سوريا أكثر فأكثر، وبالتالي، ستنتظر المسألة السورية مفاوضات جادة، ودقيقة بين الروس والأمريكان، وهذا خارج الاحتمالات حالياً.
ليفانت - عمّار ديّوب
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!