الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل من تحوّل في العلاقات مابين بروكسل وأنقرة ؟
جاسم محمد

حمّل الرئيس التّركي أردوغان العديد من الملفات وهو في طريقه من أنقرة إلى بروكسل يوم أمس، التاسع من مارس 2020، بعد لقاء صعب بساعات فقط مع الرئيس بوتين في موسكو، وكان يفترض أن يحمل أردوغان في جعبته ملف رئيسي ومعقد وهو "ملف الهجرة" ومسألة موجة المهاجرين الأخيرة عند حدود اليونان، لكن ماحدث في بروكسل تماماً غير ذلك. قال أردوغان في خطاب في إسطنبول قبل يوم من موعد الزيارة: "آمل أن أعود من بلجيكا بنتائج مختلفة". ودعا أردوغان اليونان إلى فتح الحدود اليونانيّة أمام المهاجرين، فهل نفّذ أردوغان وعوده ؟ أنقرة


لقد صعّد أردوغان خطابه ضد الاتحاد الأوروبي قبل الزيارة من إسطنبول، وتعهد أمام مناصريه بأنه سيأتي بنتائج إلى تركيا أكثر، وهذا مايعكس مدى استغلال أردوغان "الهجرة" ورقة تفاوض ضد الاتحاد الأوروبي.


أبرز الملفات


أبرز الملفات التي طرحها أردوغان في بروكسل خلال زيارته، هي ملفات قديمة، أبرزها: ملف ترشيح تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، والتي تعتبر ميّتة تماماً في أعقاب سيناريو"الانقلاب العسكري " وعدم إنجاز أنقرة النقاط المطلوبة وملف إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول، والاتفاقيات الجمركيّة مع الاتحاد الأوروبي. أنقرة


الجانب الآخر لأجندة أردوغان هو العلاقة مع بروكسل، ومنها ملف رفع تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك، وعدم التقدّم بملف الانضمام لدول الاتحاد، والشراكة وتحديث اتفاقية التعاون الجمركي، والتعاون بمكافحة التنظيمات المصنفة من وجهة نظر تركيا بأنها "متطرفة"، وهي حزب العمال الكردستاني، وجماعة الداعيّة الديني فتح الله غولن في أوروبا.


فماذا يريد أردوغان من زيارته هذه؟ هل يريد فعلاً إعادة العلاقة من جديد مع الاتحاد الأوروبي في أعقاب استلام  طاقم جديد لقيادة الاتحاد الأوروبي ؟


الدوافع هذه المرة هي تدهور علاقته مع موسكو، فكلما ساءت علاقته مع موسكو يتّجه نحو بروكسل وبالعكس، يبدو أردوغان الآن في أضعف حالاته منذ صعوده إلى السلطة، فقد ظهر شخص غير مرحب به في بروكسل وفي موسكو، وعضو مشاكس داخل الناتو، تتحكم باقتصاده الولايات المتحدة. أنقرة


بدون شك، إنّ أوروبا تحتاج تركيا، وهناك علاقات تاريخية بين الطرفين تحديداً مابين تركيا وألمانيا، تعود إلى مشاركتهما في حربين كونيتين، وهناك حتى تداخل ديموغرافي، أي تعتبر الجاليات التركية في أوروبا من الجاليات الكبيرة.


أردوغان ظهر مهزوماً في قصر الكرملين، وفي بروكسل ظهر منهكاً سياسيّاً واقتصادياً، فما يريده أردوغان من بروكسل ؟


 مايريده أردوغان هو الموقف السياسي الأوروبي لدعمه في سوريا تحديداً في إدلب وإنشاء منطقة آمنة، وتعزيز اتفاق 2016 حول اللجوء وتصعيد مايحصل عليه من موارد مالية ربما تتجاوز الستة مليارات.


أردوغان لم يتردّد أبداً بإعلان تهديداته ضد الاتحاد الأوروبي، بفتح "خزان" الهجرة باتجاه أوروبا، هو يلوّح أيضاً بفتح الحدود مع إيران واستقطاب موجات الهجرة من أفغانستان وباكستان وإيران ضدّ الاتحاد الأوروبي.


أوروبا دائما تأخذ تهديدات أردوغان مأخذ الجدّ، وتخضع إلى تهددياته، ولاشك في ذلك، لكن في نفس الوقت، هي لاتقدم الكثير من الدعم السياسي والمالي إلى أردوغان، خاصة هذه المرة، بسبب الانتقادات الموجه إلى سياسات دول أوروبا وخطأ تعاملها مع أردوغان، التي باتت هي الأخرى ورقة بيد أحزاب المعارضة من ضمنها اليمين المتطرّف.


لاجدل أنّ كل من تركيا والاتحاد الأوربي تحتاج بعضهما الآخر، الأهم أنّ الاتحاد الأوروبي يحتاج أردوغان في  مواجهة موجات الهجرة، وكذلك باعتباره لاعب رئيسي في سوريا. أنقرة


رغم أن الاتحاد الأوروبي، يعلن مراراً، أنه يرفض مساومات أردوغان، لكنّ المعطيات على الأرض. إنّ الاتحاد الأوروبي قدّم التنازلات، بدعم أردوغان سياسياً بإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا.


تقارب أردوغان والاتحاد الأوروبي حول إدلب و "المنطقة الآمنة"


 التقارب مابين أوروبا وأردوغان هذه المرة في الملف السوري واضح، أمام ابتعاده والاختلاف مع روسيا، عكس ماكانت عليه طبيعة العلاقات مابين موسكو  وبرلين من جانب ومع باريس  من جانب آخرفي توقيع اتفاقيّات مشتركة حول الملف السوري منذ عام 2011.


وهذا يعني أنّ التطورات في سوريا، سوف تشهد تحوّلاً جديداً، في توزيع التحالفات السياسية، رغم ذلك يبقى المشهد ميدانياً على الأرض على حاله، "متأزّم" لكنّ الجميع لايريد التصعيد العسكري ولا تفجير المواقف والتي تعكس بتداعياته خاصة على أوروبا، وهذا ما لاتريده بروكسل. ليفانت


فحاجة بروكسل إلى أنقرة مازالت قائمة والعكس، لكن من يراجع هذه العلاقة، يكتشف تخلي الاتحاد الأوروبي عن التزاماته القانونية والأخلاقية، بإطلاق يد أردوغان في سوريا، والتي تتنافى مع قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية. بروكسل مازالت منقسمة في أضعف حالاتها، وأردوغان يعيش وضع مأساوي، سياسي واقتصادي وعسكري، وربما حتى في دائرة علاقاته الشخصية، يجعل كل من بروكسل وأردوغان بحاجة إلى بعضهما الآخر، موسكو أمام انسحاب ممنهج ومدروس من الولايات المتحدة من المشهد العسكري في سوريا.


بات متوقعاً، أن تبقى علاقات بروكسل مع أردوغان مستمرة، وأن زيارات أردوغان إلى بروكسل، لم تأتي بجديد، وأنّه لم يحصل على ماوعد به الشعب التركي، من وعود خلال خطاباته في إسطنبول وأنقرة، مما يجعل هذه الخطابات والزيارات للتعبئة الداخلية. أردوغان يتحدث بلهجة في إسطنبول، غير تلك التي يتحدث بها في بروكسل وفي موسكو، محاولاً أن يضع نفسه، "الإبن البارّ" لتركيا، بالحصول على مكاسب سياسية واقتصادية رغم التحديات.


أردوغان اليوم منهك، ومثقل، بعدد من الملفات، وغير مستبعد أن تكون نهايته السياسية قريبة، بعد أن أثقل بلده بالعديد من الملفات والتنظيمات المتطرفة، الهجرة، حرب استنزاف في سوريا وضد الكورد، ومواجهات سياسية ثقيلة مع موسكو وحتى داخل الناتو. ليفانت 




 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!