الوضع المظلم
الثلاثاء ١٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
هل ماتت سوريا؟
كمال اللبواني

عندما كنت أحضر المؤتمر السنوي لمكافحة الإرهاب في هرتزليا في إسرائيل عام 2014، وكانت يومها داعش تجتاح سوريا من شرقها لجنوبها وشمالها، تكلم السيد عاموس جلعاد، وقال المنطقة كلها تتغير بطريقة لا نستطيع التحكم فيها،  وسوريا قد ماتت، أنا لا أعرف من هو جاري الشمالي، تكلمت بعده وقلت سوريا كأي مخلوق مصطنع مشوه يتوقع له أن يموت سريعاً، فسوريا قد ولدت بقرار من الانتداب واتفاق سايكس بيكو، لكن المنطقة -أقصد بلاد الشام- قد استمرت عبر العصور وعبر الكثير جداً من الأزمات والاحتلالات، فإذا سوريا ماتت، كما يقول عاموس، فلتحيا إذن بلاد الشام.. الشكل السياسي الطبيعي لشعوب المنطقة تاريخياً.

سوريا التي نعرفها قد أصيبت بجرح عميق أيام الثمانينات، عندما تحولت لدولة طائفية عسكرية مستبدة وفاسدة، ومزرعة لشخص، وعندما احتدم الصراع بين السلطة وتنظيم الإخوان، وسحقت مدينة حماة بسببه عام 1982، ذلك الجرح نشر التعفن في جسد المجتمع والدولة التي انهارت فيما بعد، عندما خرجت مظاهرات تطالب برحيل النظام في آذار عام 2011، ورد النظام عليها بالقتل في الشوارع، ماتت سوريا عندما لم تسمح القوى العالمية والدول الإقليمية بإسقاط النظام من أجل إصلاح الدولة ومعالجة جراحها، وقفت الأقليات والمنتفعون مع النظام خوفاً من ثورة فقراء العرب السنة ورفضاً لمشاركتهم في الحكم مع أنهم أغلبية، جرى اعتقال وتصفية 200 ألف شاب، وقتل مليون سوري بكل أنواع الأسلحة، وتم تشريد أكثر من نصف الشعب، وتدمير معظم حاضرات ومدن سوريا، واستقدام ميليشيات وجيوش احتلال أجنبية كثيرة، واستمر الشعب بالمقاومة بكل الطرق الممكنة بما فيها الجماعات الإسلامية المتطرفة، واستمر الصراع أكثر من 12 سنة مدمراً كل شيء، حتى وصلت سوريا لمرحلة التفكك والدمار الكامل، وتعمق الصراع بين الشعب والنظام ليصبح صراعاً أهلياً وطائفياً وقومياً وإقليمياً ثم صراع داخل كل مكون وبين الحلفاء أنفسهم، حتى لم يتبق سوى عرين الأسد فوق الركام. نعم لقد بقي النظام لكن الدولة قد ماتت أرضاً وشعباً وسيادة.

منذ الثمانينات ارتفعت شعارات من قبيل سوريا الأسد، والأسد إلى الأبد في أواسط الثمانينات، كان واضحاً بالنسبة لي يومها أنها نذير شؤم، وأن الأسد هو آخر رئيس سوري، فسوريا بعده لن تبقى، طالما أن الشخص لا بد سيموت، هذا يعني أنه صمم أن يقتلها مع نهايته الحتمية، وعندما مات جاؤوا بولده ليرتدي حذاءه ليعتمدوا التوريث في جمهورية اشتراكية، فالبديل هو موت سوريا، وهكذا وبعد عشر سنوات من تفاقم الأزمات أطلق ولده شعار الأسد أو نحرق البلد عند اندلاع الاحتجاجات عليه، وتلقى الدعم الكبير ليحقق رغبته، الولد أحرق البلد لأن الشعب ما يزال يصر على إسقاط النظام حتى هذا اليوم حيث ارتفع ذات الشعار من جديد في وسط السويداء.

سوريا كدولة قد ماتت كما مات لبنان والعراق، وسيمتد الموت في المنطقة لدول أخرى، وتسود الفوضى حتى تنتج من الفوضى العارمة أشكال انتظام سياسي جيدة، وهذا قد يستغرق عشر سنوات إضافية من الحروب والصراعات، طالما أن الجميع متفق على عدم تقديم مساعدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 القاضي بفرض سلطة انتقالية عسكرية تلغي كل سلطات العصابات الراهنة، وتحقق الأمن والغذاء أولاً ثم تعيد المهجرين وتهيئ لقيام حياة سياسية ديموقراطية تعيد بناء الدولة السورية، وهذا جوهري في استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط عامة كون سوريا هي قلبه ومفتاحه، من دون قرار دولي حازم في تطبيق قرار مجلس الأمن، نحن أمام حروب أهلية شاملة وإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط لن تكون فيها سوريا ولا لبنان ولا العراق ولا.. لا أريد التشاؤم أكثر، لكن في كل الأحوال والظروف بلاد الشام ستعيش كما عاشت عبر التاريخ.. والنار التي تشعلها في منزل جارك سوف تمتد لبيتك.

ليفانت – كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!