الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • هل تفاهمت أنقرة ودمشق على حل "قوات سوريا الديمقراطية"؟

هل تفاهمت أنقرة ودمشق على حل
هل تفاهمت أنقرة ودمشق على حل قوات سوريا الديمقراطية؟

قال وسائل إعلام كُردية في شمال سوريا أمس الجمعة، أن مستشار الأمن القومي في النظام السوري، اللواء "علي مملوك" قد اجتمع الخميس، مع عشائر في منطقة الجزيرة السورية لدعوتهم لسحب أبنائهم من صفوف قوات سوريا الديمقراطية، موضحةً أن مملوك اجتمع مع اللجنة الأمنية في محافظة الحسكة ومع شيوخ العشائر العربية وعدد من الشخصيات في صالة مطار القامشلي، ومن ثم غادر إلى دمشق. 


ومن حيث المبدأ، لا تتعارض المعلومات المطروحة مع السياق العام لتعاطي النظام السوري مع قوات سوريا الديمقراطية، إذ يدعو النظام قوات سوريا الديمقراطية لحل نفسها والانضمام إلى قواته على شكل افراد، وهو ما ترفضه قسد التي تؤكد على شرطين اساسيين للوصول إلى اتفاق مع النظام الحاكم في دمشق، ويتمثلان في قبول قسد كجسم عسكري قائم بذاته ضمن الجيش السوري، وثانيهما اعتراف النظام بالإدارات الذاتية المعلنة في شمال سوريا.


انفصاليون..


وفيما يعتبرها مراقبون هروباً إلى الأمام عبر إطلاق أحكام مسبقة على الإطروحات التي يقودها الأكراد ضمن مجلس سوريا الديمقراطية، اعتاد النظام السوري خلال عهده المبتدئ منذ ستينات القرن المنصرم، على إطلاق ذات التهمة على الرؤئ التي يقدمها الكرد السوريون وشركائهم في قسد من باقي المكونات، وهو ما أعلنه صراحة نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد في العاشر من أكتوبر، إذ قال إن "الحوار كان وما زال قائماً أمام القوى السورية التي تؤكد ولاءها لمنطق الدولة وليس لقوى انفصالية ارتمت في أحضان قوى صهيونية".


وادعى المقداد، أنه "لا يمكن لدمشق أن تتحاور مع تلك القوى لا بمنطق انفصالي ولا بمنطق أنهم أصبحوا قوة على أرض الواقع تفرض نفسها بفعل الغزو التركي، وبفعل الدعم الأمريكي، الذي تم توفيره لها بعد أن ارتمت هذه القوى على حساب مصالحها الوطنية وعلى حساب الوطن السوري" (وفق تعبيره). متابعاً بأن “هناك قوى ساهمت بتواجد القوات التركية على الأرض السورية، قوى لم تقبل بوجود الجيش السوري بمناطق شمال سوريا، وقامت بمحاربة القوات السورية مما أتاح لأردوغان استخدام تلك الذريعة للقدوم إلى البلاد”، و“لو كان الجيش السوري موجوداً في تلك المنطقة ولم تقم تلك القوى بمحاربة قوات الجيش، لما تجرأ النظام التركي على مهاجمة تلك المناطق”.


تفاهمات..


اتهامات رد عليها أمجد عثمان، المتحدّث الرسمي باسم مجلس سوريا الديمقراطية بالتأكيد على أن “الهجوم التركي على شمال شرقي سوريا يأتي بعد تفاهمات دولية”، معتبراً أن “الحكومة السورية في دمشق تبرر عدم إمكانيتها للتدخل ومواجهة تركيا عبر توجيه الاتهامات” لقوات سوريا الديمقراطية.


وقال عثمان، في تصريحات صحفية في الحادي عشر من أكتوبر، إنه “إذا كانت محاربة تنظيم داعش لمدة 5 سنوات والقضاء عليه عسكرياً والدفاع عن الحدود السورية ضد الاحتلال التركي وتقديم التضحيات في سبيل ذلك (خيانة)، فهذا يعني أن قمة الوطنية هي أن تقف إلى جانب المحتلين وأن تترك الإرهاب يعيث فساداً”.


بين دمشق وأنقرة..                  


ومع استمرار الهجوم التركي على شمال سوريا، كشفت روسيا أن حكومتي سوريا وتركيا تخوضان حواراً ومحادثات مستمرة على وقع العملية التركية في سوريا، مؤكدة أنه سيتم منع وقوع أي اشتباك بين الطرفين، ليأكد حديث المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، وجود تلك التفاهمات التي تحدث عنها المتحدث باسم مجلس سوريا الديمقراطية.


وفي تصريح صحفي في الخامس عشر من أكتوبر، وتعليقاً على احتمال اندلاع نزاع عسكري بين تركيا سوريا، قال لافرينتيف: "أعتقد أن حدوث أي اشتباك ليس في مصلحة أحد بل أمر غير مقبول، ولهذا السبب نحن بالطبع لن نسمح بذلك"، مشيراً إلى وجود الاتصالات "عبر قنوات وزارات الدفاع والخارجية والاستخبارات"، وقال رداً على سؤال حول الموضوع: "لا، دعونا تركيا دائما إلى ضبط النفس، واعتبرنا دائماً أن تنفيذ أي عملية عسكرية في الأراضي السورية أمر غير مقبول".


إعادة أسرى..


تفاهمات وجدت لنفسها أفق للتطبيق العلني بشكل رسمي نهاية أكتوبر، عندما أسر مسلحو مليشيات "الجيش الوطني السوري" التابع لتركيا، عدداً من جنود النظام السوري، الذين كانوا قد انتشروا بموجب تفاهم روسي تركي في منطقة "رأس العين\سريه كانيه"، حيث أسر حوالي 18 جندياً نظامياً، فيما قال وزير الدفاع التركي خلوص أكار، في الواحد والثلاثين من أكتوبر، إن أنقرة تجري مباحاثات مع روسيا من أجل إعادة 18 عنصراً من الجيش السوري، جرى أسرهم خلال المعارك عقب التوغل التركي شمال شرقي سوريا.


ونقلت وكالة تركية عن أكار قوله: "عرضنا على الرئيس رجب طيب أردوغان مستجدات تسليم عناصر الجيش السوري، وتلقينا تعليماته في هذا الشأن"، وهو ما أكد أن الاتصالات والتنسيق بين الجانبين التركي مع النظام السوري تجري على أعلى المستويات إن كانت بشكل مباشر او غير مباشر عبر الوسيط الروسي، وقد تم لاحقاً تسليم الاسرى إلى الروس، علماً أن تركيا ومسلحيها السوريين يرفضون تسليم أسرى "قوات سوريا الديمقراطية"، ومن بينهم الأسيرة من "وحدات حماية المرأة" جيجاك كوباني، التي انقطعت أخبارها منذ أن تم أسرها نهاية أكتوبر.


تسوية وضع..


ورغم سماح قسد للنظام بالانتشار على الحدود مع تركيا، دعا بيان صادر عن وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري في الثلاثين من أكتوبر، مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية للانخراط في صفوف جيشه، وقال النظام في بيانه: (وبعد بسط سيطرتها على مناطق واسعة من الجزيرة السورية تدعو عناصر المجموعات المسماة “قسد” إالى الانخراط في وحدات الجيش للتصدي للعدوان التركي الذي يهدد الأراضي السورية).


وجاءت الدعوة عقب إعلان سابق من القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والتي أعلن فيها استعدادهم لبحث الانخراط في صفوف الجيش السوري ولكن عقب تسوية سياسية، تشترط قسد فيها الاعتراف بالإدارة الذاتية والحفاظ على استقلالية قواتهم كجزء من المنظومة الدفاعية السورية في المستقبل، ليكون بيان دفاع النظام جواباً مستتراً على ذلك الاستعداد، بأن لا مكان لذلك المقترح لدى النظام، الذي يسعى لحل قوات سوريا الديمقراطية، وبدى ذلك واضحاً من خلال إطلاق الإعلام الرسمي التابع للنظام مصطلح "مجموعات قسد المُنحلة"، عقب انتشار قواته على الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا بموجب الاتفاق الروسي التركي.


وقال النظام إن "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة مستعدة لاستقبال العناصر والوحدات الراغبين بالانضمام إليها من هذه المجموعات وتسوية أوضاع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية والمطلوبين أمنياً"، فيما أعلنت من جانبها وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري عن جاهزيتها لتقديم كافة الخدمات المتعلقة بشؤون الأحوال المدنية لجميع أهالي منطقة الجزيرة السورية الذين منعتهم ظروفهم الصعبة من الحصول عليها، وأكدت الوزارة في بيان لها اليوم أنها تستقبل كل من يرغب بالالتحاق بوحدات قوى الأمن الداخلي من (المجموعات المسماة “أسايش”) (وفق للنظام).


بين الثناء والتسوية..


ويبدو أن رسالة النظام قد وصلت بوضوح لقوات سوريا الديمقراطية، حيث أصدرت القيادة العامة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" في الواحد والثلاثين من اكتوبر، بياناً هي الأخرى، وقالت إن "وحدة الصفوف يجب أن تنطلق من تسوية سياسية تعترف و تحافظ على خصوصية قسد و هيكليتها.. وايجاد الية سليمة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية".


ورفضت قسد الآلية التي عرضها النظام السوري بتسوية أوضاع مقاتليها، فقالت: " أفراد قوات سوريا الديمقراطية... الأبطال يستحقون الثناء و التكريم و ليس تسوية أوضاع و مراسيم عفو من تلك التي تصدر بحق المجرمين و الإرهابيين"، و"نرفض قطعاً لغة الخطاب هذه الموجهة للأفراد، بينما كان الأولى بوزارة الدفاع السورية أن توجه خطابها للقيادة العامة لقوات سوريا الديمقراطية بغية فتح باب حوار".


وضمن ذات السياق، انتقدت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في بيانٍ لها أسلوب النظام في دعوته للقاطنين بمناطق الإدارة الذاتية لتسوية أوضاعهم، مؤكدةً أن هذا الأسلوب لا يخدم الحل السياسي ويزيد من تعقيد الأزمة السورية، مشيرةً أنه إذا كانت السلطة في دمشق جادة في الوصول إلى حل للأزمة، فإن عليها أن تعلن ذلك بكل وضوح وتوجه خطابها بشكل واضح لمؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وليس للأفراد.


عملاء..


فيما زاد رئيس النظام السوري الطين بلة بينه وبين "قسد" في الحادي عشر من نوفمبر، عندما اعتبر الكُرد عملاء، وأكد سعيه لإعادة الأوضاع في مناطق شمال وشرق سوريا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، وذلك في حوار أجرت قناة "آر تي انترناشيونال ورلد" الروسية.


كما أشاد رئيس النظام السوري باتفاق “سوتشي” الموقع بين روسيا وتركيا في مناطق شمال شرقي سوريا، معتبرًا أن ذلك الاتفاق قطع الطريق على المخطط الأمريكي والتركي في المنطقة، وقال في مقابلة مع “قناة روسيا 24” و”وكالة روسيا سيغودنيا”، في الخامس عشر من نوفمبر: “بكل تأكيد نقيّم ذلك الاتفاق (سوتشي) بشكل إيجابي، ليس انطلاقًا بثقتنا بالطرف التركي، ولكن لا شك بأن دخول روسيا في الموضوع له جوانب إيجابية”.


وادعى بشار أن دخول روسيا في الاتفاق قطع الطريق على المخططات التركية والأمريكية والألمانية وسحب الحجة الكردية الرامية لحكم انفصالي في مناطق شمال شرقي سوريا.


السيطرة الشاملة..


ولعل حصر التمدد المُسلح التركي في شمال سوريا في الوقت الراهن، ضمن المناطق التي سيطرت عليها بموجب ما سمي بعملية "نبع السلام"، سيبقي الاوضاع في شمال البلاد على ما هي عليه إلى حين، إذ لا يبدي النظام تغييراً في مواقفه، من اعتقاده بضرورة سيطرته على جميع ارجاء البلاد كما كان الحال قبل العام 2011، وهو ما جدده رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في الثاني من ديسمبر الجاري، خلال لقائه مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي المعني بشؤون سوريا، ألكسندر لافرينتييف، إذ ذكرت الرئاسة السورية، حول الوضع في شمال شرق سوريا، أن "استعادة الدولة السورية للسيطرة على كامل الأراضي والمدن وعودة مؤسسات الدولة هو العامل الأساس في إعادة الاستقرار والأمان لأهالي تلك المنطقة وعودتهم إلى الحياة الطبيعية".


طموحات متعارضة..


ويبدو جلياً تعارض الطموحات بين النظام السوري و"قسد"، التي قال قائدها "مظلوم عبدي"، أن لهم شرطين أساسيين للتوصل إلى اتفاق مع النظام السوري، ويتمثل الأول، أن تكون الإدارة القائمة حاليًا (الإدارة الذاتية) جزءًا من إدارة سوريا عامة، ضمن الدستور، وثانيهما أن تكون لـ”قسد”، كمؤسسة، “استقلالية”، وخصوصية ضمن منظومة الحماية العامة لسوريا”، مضيفًا في تصريحات صحفية: “لسنا ضد أن نكون جزءًا من منظومة الحماية لسوريا عامة، ولكن يجب أن تحافظ قوات سوريا الديمقراطية على خصوصيتها، وبالتأكيد فإن المسألة الكردية هي مسألة أساسية، حيث يجب أن تكون جميع حقوق الكرد محفوظة ضمن دستور سوريا”.


وباستعراض التسلسل الزمني للوقائع في شمال سوريا منذ بدء عملية "نبع السلام"، يمكن الإشارة إلى وجود تفاهمات ما يبدو أنها قد عقدت بين الجانبين في أنقرة ودمشق، وغالباً بضمانة من الوسيط الروسي، للعمل سوية للضغط على قوات سوريا الديمقراطية لحلها، ومحاولة سحب مكونات الجزيرة من هيكليتها، خاصة بالنسبة للعشائر العربية التي جاء "علي مملوك" للقائها، ويبقى الرهان بالنسبة لـ "قسد" على عاملين رئيسيين للحفاظ على ذاتها، يتمثل أولهما في استمرار الدعم الغربي والأمريكي لها، وثانيهما، في مواصلة احتضانها من قبل مكونات المنطقة.


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!