الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
نظام عالمي منتهي الصلاحية
حسام فاروق

قبل أسابيع خرج تقرير أمريكي يتحدّث عن احتمالات طرد روسيا من الأمم المتحدة، فقد كانت خدمة الأبحاث للكونغرس قد أعدت تقريراً للبرلمانيين يفيد بأن الاستجابة المحتملة للأمم المتحدة للحرب في أوكرانيا يشير إلى أن بعض الدول قد تتحدى عضوية روسيا في المنظمة الدولية.

ويتحدث التقرير عن أن عرقلة روسيا لعمل مجلس الأمن الدولي أعطت دفعة جديدة للرأي الذي يقول بأن حق النقض لا يتوافق بشكل جيد مع مبادئ المنظمة، وقد تظهر مقترحات لإعادة النظر في دور الأعضاء الدائمين، هذا الكلام وإن كنا نراه متأخراً لعقود إلا أنه يطرح نفس االسؤال الذي يتكرر أيضاً منذ عقود وهو: ألم يحن الوقت لإصلاح النظام الدولي الذي لم يتطور منذ تأسيسه عام 1945، وتأسيس نظام دولي جديد؟

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي نيسان عام 1945، عُقِد مؤتمر سان فرانسيسكو، بناء على رغبة المنتصرين في الحرب للتباحث في إنشاء هيئة دولية جديدة بدلاً من عصبة الأمم  لحل الخلافات ومنع الحروب، وفي 24 تشرين أول من نفس العام، خرج ميثاق الأمم المتحدة للنور بتوقيع ممثلي 50 دولة، بينها الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والتي امتلكت حق الاعتراض أو الفيتو على القرارات، وهي الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا والصين، وتشكل مجلس الأمن، من 15 دولة، خمس دائمة العضوية، و10 غير دائمين.

ميثاق تأسيس هيئة الأمم المتحدة لم يأخذ في اعتباره عاملاً مهماً في حياة الدول وهو التطور والنمو، فالدول الصغيرة سوف لا تظل صغيرة وكذلك الففيرة قد لا تظل فقيرة، لقد تغير العالم جذرياً منذ أربعة عقود، وبرزت قوى جديدة تعلن عن نفسها ودورها في إدارة الأزمات العالمية وإيجاد الحلول، وبدا أنها تزاحم أو تنافس القوى التقليدية التي كانت مهيمنة في زمن مضى، والتي تراجعت تدريجياً عن القيام بدورها، ومن ثم فلم يعد مناسباً أن تبقى مجموعة بعينها من الدول تتحكم بالقرارات الدولية المهمة لمجرد أنها تمكنت من الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.

روسيا وفرنسا وبريطانيا مثلاً، ليست بنفس القوة والأهمية التي كانت سابقاً، لكن ما يزال لها كلمة في المنظمة الدولية، ويضطلعون بإدارة المجتمع الدولي عبر عضويتهم الدائمة في مجلس الأمن، في حين تجاوزتهم دول أخرى في القوة الاقتصادية والعسكرية، مثل ألمانيا واليابان، وأصبحت الآن أهم وأكثر فاعلية منها في المجتمع الدولي

روسيا، التي كانت سبباً في تجدد التفكير في هذه المعضلة التاريخية، ما زالت تعيش متمتعة بمزايا الميراث الذي ورثته من الاتحاد السوفيتي السابق، وهو عضويتها بمجلس الأمن، التي تستخدمها لخدمة مصالحها الجيوسياسية، وتحسب حساباتها بطريقة تضع مصلحة روسيا فوق كل اعتبار، فعلى سبيل المثال، روسيا لم تخفِ تحفظها على إيران النووية، لكنها في الوقت نفسه لا تفضل أن تتحسن علاقات إيران بالغرب لأن ذلك سيؤدي إلى ابتعاد إيران عن روسيا، والأسلحة الروسية المورد المالي الأهم  للأخيرة، ولا نستبعد لنفس السبب أيضاً أن يكون لروسيا دور خفي في تأجيج العداء بين بعض الدول في العالم حتى ولو بشكل غير مباشر طالما في ذلك استفادة لروسيا.

اتهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، روسيا بخرق ميثاق الأمم المتحدة، وهناك توجهات من بين الأعضاء الدائمين تدعم هذا الاتجاه، فقال الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن الحكومة البريطانية منفتحة على طرد روسيا من مجلس الأمن الدولي، وقال السفير الأوكراني لدى الأمم المتحدة، سيرجي كيسليتسيا، إن المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن الأمم المتحدة مفتوحة فقط للدول المحبة للسلام، وروسيا تظهر أنها عكس ذلك، وطلب من غوتيرش أن يوزع على مجلس الأمن المذكرات القانونية التي كتبها المستشار القانوني للأمم المتحدة بتاريخ 19 ديسمبر 1991 والتي تسمح للاتحاد الروسي بالانضمام إلى مجلس الأمن خلفاً للاتحاد السوفيتي، وتقول أوكرانيا إن الجمهوريات المكونة لاتحاد الجمهوريات السوفياتية أعلنت في عام 1991 أنّ الاتحاد السوفيتي لم يعد موجوداً، وكان ينبغي أن يكون معها الحق القانوني لأي من هذه الكيانات، بما في ذلك روسيا،  في الحصول على المقعد وليس فقط روسيا.

المشكلة ليست في روسيا وحدها، وإنما العالم الآن أمام نظام عالمي منتهي الصلاحية، يكرر فشله منذ عقود في حماية السلم والأمن الدوليين، ويعجز عن إيجاد الحلول للعديد من الأزمات، وآخرها الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، التي تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة، وطبعاً القضية الفلسطينية التي بلغت من العمر74 عاماً، ولم تجد حلاً،  بل وتسببت في خلق وتعقيد مشاكل أخرى كثيرة في الشرق الأوسط والعالم، مروراً بالحروب والمجازر التي ارتكبت في أفريقيا (رواندا)، ودول البلقان (البوسنة والهرسك وكوسوفو) التي لم تحل إلا عندما تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً.

حق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى من دون شك معرقل لأي حلول للمشاكل التي تواجه العالم، ولا بديل عن إعادة النظر في هذه الآلية، التي بموجبها يحق لأي دولة من الخمس تعطيل القرارات الدولية المهمة، والدول الخمس بلا استثناء استخدمت هذا الحق لصالحها وليس لصالح السلم والأمن الدوليين، وكان لكل دولة مبررها، فواشنطن على سبيل المثال، استخدمت الفيتو 82 مرة، واستخدمته روسيا 120 مرة، بينما استخدمته الصين 18 مرة فقط، وبريطانيا 29 مرة، وفرنسا 16 مرة.  

الولايات المتحدة سعت لما وصفته بإصلاح المنظمة الدولية مرات عديدة، حتى إنها امتنعت في التسعينيات عن دفع مساهمتها المالية السنوية للمنظمة، التي تشكل أكبر مساهمة بين دول العالم، 22% من ميزانية الأمم المتحدة السنوية، و28% من ميزانية قوات حفظ السلام، بينما تدفع الصين 12%، واليابان 8.5%، وألمانيا 6%، لكن حتى مساعي الإصلاح هذه -والتي لم تنجح- كانت أيضاً من وجهة النظر الأمريكية وليس هناك ما يضمن أنها منزهة عن الهوى الأمريكي.

الدول التي خرجت خاسرة من الحرب العالمية الثانية، وهي ألمانيا واليابان وإيطاليا والدول المتحالفة معها، لم يعمل لها أي اعتبار في النظام الدولي الذي تأسس عام 1945، ونُظر لها على أنها ضعيفة وخاسرة، والوضع الآن اختلف تماماً، فقد نمت هذه الدول اقتصادياً وتطورت صناعياً وتمكنت سياسياً، وأصبح لها دور فاعل في الاقتصاد العالمي، لما تمتلكه من طاقات تكنولوجية وبشرية وطبيعية، كما أن دول مثل ألمانيا والهند واليابان والمكسيك والبرازيل ومصر والسعودية وتركيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وإندونيسيا، تطرح دائماً فكرة توسيع نطاق مجلس الأمن، وهذه الدول يمكن أن تساهم بفاعلية في إعادة رسم ملامح نظام دولي جديد بإمكانيات وطاقة إيجابية إضافية.

لم يعد منطقياً أن تظل دول بعينها تتصرف كدول عظمى -وهي لم تعد كذلك بمفردها- وتبقى دول مهمة اقتصادياً وعسكرياً وجيوسياسياً، غائبة عن القرار الدولي، وليس معقولاً أن يظل الفيتو معوقاً للحلول في أي قضية.

 

ليفانت - حسام فاروق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!