-
مُستصعبةً مُقاطعة ماضيها.. قطر تتهرّب من استحقاقات بيان العلا
بعد خلاف استمرّ ثلاث سنوات، بدءاً من العام 2017، جاءت قمة العلا للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي عقدت في المملكة العربية السعودية، بتاريخ الخامس من يناير الماضي، بغية مُحاولة إصلاح ذات البين، وتمخض عنها توقيع اتفاق مصالحة أنهى الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من الجهة الثانية.
وقال، حينها، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال افتتاح القمة، أنّ المملكة مستمرة في تعزيز التعاون العربي والإسلامي، بما يخدم أمن واستقرار وازدهار دولنا والمنطقة، داعياً إلى توحيد الجهود لمواجهة التحديات في المنطقة، كما دعا إلى مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، مؤكداً أنّ البرنامج النووي الإيراني يهدّد السلم والأمن الإقليمي والدولي.
مُخرجات قمة العلا
اختتمت القمة الـ41 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون للدول الخليجية، بتوقيع القادة ورؤساء الوفود على "بيان العلا"، الذي أكد ضمن فقراته الكثيرة، على مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة تجاه الإرهاب والتطرّف، أيّاً كان مصدره، ونبذه لكافة أشكاله وصوره، ورفضه لدوافعه ومبرراته، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، كما أكد أنّ التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب من أهم المبادئ والقيم التي بُنيت عليها مجتمعات دول المجلس، وتقوم عليها علاقاتها مع الشعوب الأخرى.
كما أشار المجلس الأعلى إلى مواقف مجلس التعاون الرافضة للتدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية من أي جهة كانت، وضرورة الكف عن الأعمال الاستفزازية عبر إذكاء الصراعات والفتن، والتأكيد على احترام مبادئ السيادة وعدم التدخل واحترام خصوصية الدول، استناداً للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول، وأنّ أمن دول المجلس هو رافد أساسي من روافد الأمن القومي العربي، وفقاً لميثاق جامعة الدول العربية.
اقرأ أيضاً: عودة ميمونة لبطل قومي.. نافالني يصيب عصافير عدة بحجر واحد
ولفت المجلس الأعلى إلى ضرورة مواصلة الجهود الدولية لحمل النظام الإيراني على وقف سياسته المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة، والالتزام بمبادئ القانون الدولي، ووقف تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعمه للإرهاب والطائفية.
وأيضاً شدّد المجلس الأعلى على دعمه جهود الأمم المتحدة للعمل لإعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم بإشراف دولي وفق المعايير الدولية، وتقديم الدعم لهم في دول اللجوء، ورفض أي محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية في سوريا، مؤكداً مواقفه الثابتة تجاه الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية، وكل ما يمسّ الأمن القومي العربي ويهدّد الأمن والسلم الدوليين.
علاقة تأبى الانقطاع
تلك الفقرات تتوافق عملياً مع ما وضعته سابقاً، دول المقاطعة، من الشروط الـ13 للدوحة بغية إنهاء المقاطعة، وتضمنت حينها، إغلاق قناة الجزيرة، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وقطع العلاقات مع تنظيم الإخوان المسلمين، وخفض مستوى العلاقات مع إيران، لكن ورغم مواقفة الدوحة على البيان، دعا وزير الخارجية القطري، في التاسع عشر من يناير، دول الخليج إلى الحوار مع إيران، قائلاً إنّ بلاده مستعدّة لتسهيل المفاوضات، فيما كان قد اعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنّ اتفاق إنهاء النزاع الخليجي يظهر نجاح مقاومة قطر الشجاعة للضغوط والابتزاز.
اقرأ أيضاً: الانقلاب الأبيض يفضح ترامب.. وأمريكا تنتصر على عدوّها الداخلي
ولم يقتصر الحال على إيران، بل تجاوزها إلى تركيا، ففي التاسع من يناير، قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إنّ أنقرة حليف استراتيجي لبلاده، مشيراً إلى أنّ الدوحة تُرحب بما أسماها جسر الهوة بين أنقرة وأي دولة خليجية، مضيفاً: "بالنسبة للعلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي، والدول الأخرى، تكون طبقاً للقرار السيادي للدولة والمصلحة الوطنية، ولا يتم خلطها في العلاقات داخل المجلس"، زاعماً أنّ "الخلافات بين تركيا وبعض الدول بالمجلس، قد تكون لأسباب ثنائية، ولا تعني دولة قطر بشكل مباشر"، مستدركاً بأنّ اتفاق العلا "لن يؤثر على علاقة قطر بإيران وتركيا".
عقلانية وحسن نية من دول المُقاطعة سابقاً
ورغم ذلك، تعاملت دول المقاطعة، سابقاً، بعقلانية مع قطر، إذ أكد مساعد وزير الخارجية المصري والسفير السابق لدى قطر، محمد مرسي، في الخامس من يناير، أنّ استمرار المصالحة بين قطر ودول الرباعية العربية مرهون بزوال أسباب الخلاف بينها، وقال في تصريحات صحفية: "قطر لا يعنيها من هذا الملف سوى عودة العلاقات مع السعودية، التي تمثل لها الجوار البري المباشر الوحيد، ويمثّل منفذها الحدودي مع السعودية الشريان الرئيس للتجارة وحركة المواطنين على جانبي الحدود".
اقرأ أيضاً: كُلّ مَن يُعارض أردوغان (إرهابي).. مُثقفاً أكان أم أمياً
فيما ذكر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أنّ بلاده وضعت ثقتها في السعودية لقيادة العملية التفاوضية، معدّاً أنّ المطالب الـ13 كانت تعبّر عن الحدّ الأقصى للموقف التفاوضي، مردفاً أنّ "الفكرة هي محاولة وضع قواعد عدم التدخل والاتفاق على القضايا التي تمسّنا جميعاً، بما في ذلك التطرّف والإرهاب، وهي جزء لا يتجزأ من الاتفاق"، كما قال قرقاش، إنّ بلاده لديها الآن بداية جديدة طيبة جداً وطوت صفحة الأزمة مع قطر، ولكن يتوجّب بناء الثقة، وتابع قائلاً إنّ بعض المسائل أسهل في إصلاحها وبعضها سيستغرق فترة أطول.
إصرار قطري على الاستفزاز
إلا أنّ الدوحة لم تتوقف عن استفزاز جيرانها، إذ اعتقلت السلطات القطرية، في العاشر من يناير، البطل العالمي في رياضة كمال الأجسام، البحريني، سامي الحداد، أثناء رحلة صيد بحرية، وهو ما شجبته حكومة البحرين، واصفة الإجراء بأنّه "خرق واضح" لاتفاقية الصلح الخليجية، داعيةً "السلطات القطرية إلى الإفراج الفوري" عن الحداد ورفاقه "والتوقف عن التعرّض للصيادين البحرينيين في عرض البحر وإلقاء القبض عليهم دون وجه حق".
وفي الواحد والعشرين من يناير، اتّهم وزير خارجية البحرين، عبد اللطيف بن راشد الزياني، الجانب القطري، بعدم اتخاذ أي مبادرة لحل مشكلات قائمة مع بلاده، رغم التوصّل إلى "بيان العلا"، الخاص بتسوية الأزمة الخليجية، لافتاً إلى أنّ البحرين "رحبت بصدور بيان العلا باعتباره يمثّل مرحلة جديدة للاستقرار الإقليمي"، مشيراً إلى أنّ بلاده أظهرت "حسن النوايا كمقدمة لإزالة الأضرار التي لحقت بها على مدى العقود الأخيرة جرّاء السياسات القطرية"، وبيّن أنّ البحرين لم تتلقَّ، حتى الآن، أي تعقيب من قبل قطر على رسالة تضمنت اقتراحاً لإرسال وفد رسمي إلى المملكة في أقرب وقت ممكن لبدء المحادثات الثنائية حيال القضايا والموضوعات العالقة بين الجانبين.
اقرأ أيضاً: إيران وبايدن.. ومُعضلة مَن يتنازل أولاً
كما عاد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب البحريني، محمد السيسي البوعينين، في الأول من فبراير الجاري، وأشار إلى أنّ الدوحة لم تبين أي جدية في تنفيذ التزاماتها ببنود "العلا" لحلحة القضايا العالقة، وأردف: "البحرين ما زالت تقدم حسن النية وملتزمة ببنود اتفاقية "العلا"، باعتبارها تمثل خطوة لمعالجة الملفات العالقة مع قطر، إلا أنّ الجانب القطري لم يظهر الجدية في تنفيذ التزاماته بعد".
وعليه، يبدو جلياً من العقلية التي تتعامل بها السلطات القطرية مع البحرين، على اعتبار أنّها أصغر دول المقاطعة مساحة (وأصغر من قطر مساحة)، هي عقلية الانتقام، وعدم الجدية في الحل، من خلال المراوغة، وما السعي إلى النيل من البحرين، إلا صورة مصغرة عما كانت ستؤول إليه الحال، لو ملكت الدوحة القوة لتتعامل بها مع دول أكبر، أجُبرت قطر على مصالحتها عقب ثلاث سنوات من الخسائر الاقتصادية التي لحقت بها، نتيجة مقاطعتها منهم.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!