-
من يحكم العالم؟ (1)
من يحكم أي دولة هي الحكومة التي تعبر عن توازنات القوى السياسية التي تختزل التمايزات الثقافية والاقتصادية في مكونات المجتمع الأهلي القومي أو المدني الطبقي، والعالم منذ قرن من الزمن هو دولة في طور التكوين ومحكوم من حكومة أيضاً، تعبر عن تحالفات اقتصادية وسياسية تمسك بيدها القرار السياسي والاقتصادي وتدير العالم، مركز هذه الحكومة هو الدول الغنية التي تمركز بها رأس المال العالمي.
هي حكومة عابرة للحدود تشكل الدول مؤسساتها، و تعبر عن الرأسمالية العالمية في مرحلتها الاحتكارية، وهي ذات أهداف اقتصادية أساساً تجاوزت بحكم العولمة الهويات القومية والدينية، التي حكمت تشكل الدول فيما سبق ، وهي من تعمل على ضمان تبعية معظم دول العالم، التي أصبحت مستقلة شكلاً بعد الحرب العالمية الثانية، ومحكومة فعلياً، من قبل حكومة عالمية خفية.
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط وبعد إنهاء الانتداب استخدمت حكومة العالم أداتين أساسيتين في فرض هيمنتها ومصالحها، ولمنع تكون قطب حضاري اقتصادي جديد، كانت قد عاشت صراعاً معه طيلة القرون الوسطى، أقصد الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية، عندما كان الدين هو ما تتشكل عليه الإمبراطوريات الكبرى في مرحلة الإقطاع قبل الرأسمالية.
الأداتان المتصارعتان هما: الأنظمة العسكرية القومية المستبدة والباطشة، وتنظيم الإخوان المسلمين الذي دفع لمعارضتها، فوقعت الشعوب بين مطرقة النظم وسندان الإسلام السياسي المحدث، فقد سيطر الغرب على المنطقة طوال القرن المنصرم بواسطة ضرب الهوية القومية بالدين، وكلا اللاعبين الذين دعما الغرب تشكلهما وحرص على بقائهما إما كان خائناً أو جاهلاً أو أنانياً لم يأخذ بعين الاعتبار مصالح أوطانه، فالخطر الأكبر على الغرب يكمن في نظام الحكم الديمقراطي الذي يضمن إخلاص السلطات للشعب وعدم عمالتها للأجنبي، والخاسر الأكبر من هذا الصراع المفتعل هو تطلعات هذه الشعوب نحو الاستقلال والحرية والتقدم عبر استعادة الوحدة التاريخية التي مكنتها سابقاً من حكم العالم القديم، وهذا الضعف بحد ذاته هو هدف مستمر لضمان الهيمنة الغربية التي ورثت ثقافياً مفاهيم الحروب الصليبية، والأدوات المستخدمة لتحقيقه بالرغم من تصارعها تبقى ممسوكة بيد واحدة، هي يد الحداد الإمبريالي الذي يتحكم بالعالم، واحدة هي المطرقة والثانية هي السندان، بينما يشوى الشعب في النار ويتعرض للطرق ليصبح كما يريد الحداد، كل أداة طرف في الصراع تتهم خصمها بأنه عميل وخادم للاستعمار، وكلاهما على حق فهما معاً كذلك، هكذا حكم العالم الشرق أوسطي في القرن المنصرم، وبذات الطريقة قمعت تطلعات الشعوب منذ استقلال دولها، ثم جرى قمع الربيع العربي الذي شكل أحد أهم ذراها، ومنها الثورة السورية.
اليوم اكتشف الغرب أن هذه المنطقة قد تحطمت تماماً وتحولت لكارثة بشرية وسياسية وأمنية تهدده، كما اكتشف أن العدو الأكبر ليس شعوب المنطقة الإسلامية بل الشرق المتمثل في الصين وروسيا، كونه ينافس بشدة وثبات المصالح الاقتصادية للطغم المالية الغربية، وهو يجتاح المنطقة المدمرة ليحولوها لحليف له، من استكمال حصاره للغرب وخنقه داخل بلدانه.
فهل ستتغير أهداف وأدوات الغرب في المنطقة؟ وهل يمكن لنا أن نشهد تساقط الأنظمة والحركات الإسلامية معاً أمام المطالب الديمقراطية التي حوربت لزمن طويل؟
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!