الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
من قتل إدلب؟
ريما فليحان

أمام أعين العالم كان يتم نقل وتهجير المدنيين إلى إدلب والشمال السوري من كل منطقة يفاوض عليها النظام ويسترجعها بعد حصارها وتجويع أهلها وتدميرها بالكامل، وهي المناطق ذاتها التي يريد الآن إعادة إعمارها ولكن ليس لأهلها بل لتركيبة أخرى من السكان على مزاج النظام وليس على أسس قانونية سليمة تضمن حقوق الملكية لسكانها وأهلها، طبعا تم أيضاً في تلك المفاوضات على تلك المناطق السماح للفصائل المسلحة بالرحيل ولم يكن ذلك السماح للفصائل المسلحة كرم أخلاق من النظام، أو براعه بالتفاوض من تلك الفصائل، بل كان المراد منه خلط الأوراق لاحقاً من أجل قتل الكم الأكبر من المناهضين للنظام عبر تجميعهم في منطقة واحدة، تحت غطاء محاربة الفصائل المسلحة والمتطرفة ذاتها التي سمح لها بالرحيل أو التي دخلت إلى إدلب دون سؤال أهلها سابقاً وكأمر واقع، وهو ما شهدناه ونشهده حين حاول النظام واذنابه الترويج دائماً بأن من يسكن تلك المناطق في الشمال هم الفصائل الإسلامية والمسلحة ولا مدنيين فيها، فكلهم رحلوا واستبدلوا وهي البربوغندا التي أراد النظام أن يبني عليها جرائم الحرب التي ارتكبها سابقاً ويرتكبها وسيرتكبها سواء في حلب أو في إدلب.


لعبة النظام كانت قابله للاستقراء وكانت إشارة واضحة لما ينوي أن يفعله في المستقبل الذي بات حاضراً الآن في الحدث السوري، وليس هذا فحسب بل إن إدلب كمدينة جرى تشويه سمعتها وتصويرها وكأن من يعيش فيها هم فقط فصائل متطرفة ومرتزقة حضروا من كل العالم وتم مسح فكرة وحقيقة ووجودية أهالي إدلب ذاتها في ذهن المتلقي لتلك البربوغندا، وكأنهم رحلوا جميعاً ولم يبقى أحد إلا هؤلاء المسلحين القادمين من كل المناطق التي استرجعها النظام، والمتطرفين من كل العالم وبعض عوائلهم ليكون التدمير اللاحق مبرراً. وعلى الرغم من وجود فصائل متطرفة تم نقلها وإيجادها بفعل فاعل وفرضت نفسها على المدنيين هناك، ولكن الأغلبية السكانية الموجودة في إدلب هم مدنيون، هم أهالي إدلب والمدنيين الذين تم ترحيلهم من المناطق السورية الأخرى ولم يتوجهوا لمناطق النظام لأنهم ضد النظام ويخشون من الاعتقال والقتل، أي وبالمحصلة يعيش في إدلب مدنيون لم يتمكنوا من الرحيل أو مدنيون هربوا من الاعتقال والذل بمناطق النظام ينشدون الأمان، وبالتالي فإن المدنيين الذين يعيشون في إدلب هم رهائن يقبعون بين سندان النظام المجرم وحلفائه الذين يقصفونهم ويقتلونهم بكل وحشيه وبعشوائية، وبين الفصائل المتطرفة التي فرضت نفسها عليهم وقمعتهم بدورها واعتقلت و قتلت نشطاء الحراك الثوري المدني والحقوقي في إدلب وأخرى في مناطقها قبل الوصول إلى إدلب .




طبعاً وبينما كان يحدث كل هذا كانت مؤتمرات سوتشي وآستانة جارية على قدم وساق وكان يتم الإيحاء للمتفرج وهم الشعب السوري بهذه الحالة، ان هناك تخطيط لمناطق آمنة وحماية للمدنيين وتخطيط سيصب في مسار العملية السياسية وبضمانة المحاور الثلاثة: الإيراني والروسي والتركي، أما الواقع فإن تلك الدول كانت تحاول إجراء تفاهمات على مناطق نفوذها ومصالحها في سوريا للإعداد للمرحلة الحالية والمستقبلية، وفي ذات الوقت القفز فوق جنيف ورؤية الأمم المتحدة للحل في سوريا.


بالنسبة للتركي فقد حمل معه ورقة اللاجئين السوريين في كل محطة وأجاد استخدامها من أجل ابتزاز أوروبا من جهة، ومن أجل استخدامهم لاحقاً لتبرير عملية نبع السلام والتي أراد منها التمدد نحو مناطق نفوذ متفق عليها مع شركائه الروس والإيرانيين و استهداف الأكراد و تهجيرهم من مناطقهم، وإطلاق يد مرتزقة تركيا في تلك المناطق فيما يتناسب مع سياسة اردوغان ومصلحته وهي لا تصب على الإطلاق في مصلحة السوريين الذين وضعوا بمواجهة بعضهم بعضاً، تماماً بنفس المنطق الذي قام به النظام السوري في المناطق التي اخذها سابقاً وهجّر أهاليها، الضامن التركي وبسلوكه اليوم أمام المجزرة المرتكبة بحق المدنيين في إدلب اثبت من جديد أن همه الوحيد هو مناطق نفوذ وليس إنشاء منطقة آمنه للمدنيين لعودة المدنيين إليها بل على العكس، وما يحصل اليوم نزوح هائل من المناطق التي تتعرض لقصف النظام والروس نحو العراء وماذا تفعل تركيا بينما يحصل يثبت ذلك!




أما المعارضة السورية فتقف عاجزة وتظهر بجزء كبير منها كدمية في يد الأتراك والمحاور الأخرى مما يجعلها غير قادرة على إجراء صدمة كافيه لإنعاش مسار العملية السياسية التي لا يكترث النظام السوري لها من الأصل، أو لإجراء تغيير ملموس في صالح المدنيين السوريين، بينما نجحت منظمات حقوقية ومدنية ونشطاء سوريون في الوصول إلى قانون قيصر مثلاً في الولايات المتحدة، وبينما نجح محامون ومنظمات حقوقية في أوروبا في رفع دعاوىٍ في أوربا على مجرمي الحرب في سوريا ومنتهكي حقوق الإنسان. أما الأمم المتحدة فقد فشلت وما زالت تمارس الفشل في إنجاز وقف للحرب في سوريا وحماية المدنيين السوريين، وإنجاز تسوية سياسية منصفة للشعب السوري ضمن آلية الفيتو في مجلس الأمن والتي لم يوفرها الروس أو الصينيون ولا مره واحدة من أجل وقف تمرير أي قرار يصب في مصلحة السوريين.




يبقى الأمل اذاً فيمن أثبت نجاحه عملياً وهو المنظمات المدنية السورية والحقوقية والنشطاء السوريين الذين تمكنوا من إنجاز خطوات عملية تصب في مصلحة السوريين وتحاسب مجرمي الحرب، كما إن الأمل في المعارضة قد يتجدد إذا قررت النهوض بقراراتها باستقلالية وبقوة و بإعادة هيكليتها عبر الخلاص من الشخصيات التابعة وابدالها بشخصيات وطنية مستقله وبناء رؤية وطنية تصب في مصلحة سوريا والسوريين، وتبني على قيم العدالة والمواطنة والمساواة والكرامة والحرية والمدنية وفيما يتفق مع القانون الدولي والاتفاقات الدولية والشرعة الدولية لحقوق الانسان.


كاتبة سورية

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!