الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • من الهجوم إلى الدفاع.. إيران تتراجع أمام التحشّدات الأمريكية-الإسرائيلية

من الهجوم إلى الدفاع.. إيران تتراجع أمام التحشّدات الأمريكية-الإسرائيلية
الأمريكية-الإسرائيلية


منذ اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن خيري زاده، نهاية نوفمبر الماضي، بدأت طبول الحرب تقرع في المنطقة من جديد، مُذكّرة بأحداث يناير العام الحالي، عندما كادت الأمور تخرج عن السيطرة، وتتحوّل إلى مواجهة مفتوحة بين إيران من جهة، وواشنطن وحلفائها الإقليميين من جهة ثانية.


لكن تلك الفترة مرّت بسلام نسبي، عقب ادّعاء طهران أنّها انتقمت بقصف خلّبي لبعض القواعد الأمريكية في العراق، والذي لم يتسبب بمقتل أي جندي أمريكي حتى، يفصل بينها وبين الوقت الراهن الكثير، ليس من حيث المدة الزمنية، بل من حيث التحالفات الجديدة التي تشكلت، والتي لربما كانت ضرباً من الخيال حتى منتصف أغسطس الماضي، عندما تم إبرام اتفاقيات السلام بين إسرائيل، ومجموعة دول عربية، أهمها الإمارات والبحرين، لجهة قربهما من إيران.


تحشّدات عسكرية وتحضيرات


فاتفاقيات السلام تلك، بدأت بإعادة رسم ملامح المنطقة وتحالفاتها من جديد، ليضحى معها خصوم الأمس، أصدقاء اليوم، مع انزياح غمامة الإتجار بالدين من قبل بعض دول المنطقة، وانكشاف محاولاتها اللعب بتلك الورقة، بغية التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.


وعليه جاءت الأنباء المتواترة حول تحضيرات إقليمية لانتقام إيراني محتمل من اغتيال زاده، ومنها ما أوردته صحيفة “هآرتس” في الثاني من ديسمبر، حول اجتماع ضمّ ضباطاً كباراً في الجيشين الإسرائيلي والأمريكي، إذ نوّهت الصحيفة أنّ العديد من الإجراءات الدفاعية جرى اتخاذها، ومنها الكشف المشترك عن إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية أو أمريكية بالمنطقة.


اقرأ أيضاً: بعد فشله مع العبادي.. أردوغان يبحث عن ضالته لدى الكاظمي


وعقبها، جلبت أسلحة نوعية فتّاكة إلى المنطقة، ففي الثالث من ديسمبر، عاودت حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة “يوس أس أس نيميتز” انتشارها في شمال بحر العرب، بينما حاولت طهران التخفيف من الهلع داخل إيران من خلال تصريحات بعض مسؤوليها، ومنهم اللواء علي فدوي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي قال في السادس من ديسمبر، بأنّ الولايات المتحدة لا تملك الجرأة على خوض حرب مباشرة بحق بلاده، مضيفاً: “أي فعل عسكري من أمريكا سيقابل برد فعل قوي من إيران”، علماً أنّ تلك التحضيرات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة هي لردع طهران أساساً، وليس مهاجمتها.



قاذفات استراتيجيّة في الشرق الأوسط


وكذللك، في إطار الردع لأيّ حماقات إيرانية، نفذت قاذفتان استراتيجيتان من طراز “بي-52 ستراتوفورتريس” تابعتان لسلاح الجو الأمريكي، في العاشر من ديسمبر، تحليقاً من قاعدتهما في الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، فيما أكدت القيادة المركزية الأمريكية عبر حسابها في “فيسبوك”، أنّ القاذفتين حلقتا في منطقة مسؤوليتها برفقة طائرات تابعة لـ”الشركاء الإقليميين” ضمن المهمة الثانية خلال الشهرين الأخيرين.


ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن مسؤولين في البنتاغون قولهم إنّ القاذفتين القادرتين على حمل قنابل نووية غادرتا قاعدة باركسديل الجوية في ولاية لويزيانا، ونفذتا المهمة في الشرق الأوسط ثم عادتا إلى قاعدتهما، وذكرت الوكالة أنّ المهمة استمرّت 36 ساعة، وعبرت القاذفتان خلالها المحيط الأطلسي وأوروبا ثم حلقتا فوق شبه الجزيرة العربية والخليج، حيث نفذتا دوراناً عريضاً قرب قطر مع البقاء على مسافة آمنة من سواحل إيران.


اقرأ أيضاً: إيران تنقسم على ذاتها.. روحاني متأمل بتوقيع بايدن والبرلمان يُشكّك


وقد صرّح قائد القيادة المركزية، الجنرال فرانك ماكنزي، وهو القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، بأنّ المهمة تلك، لتأكيد التزام الجيش الأمريكي إزاء شركائه الإقليميين، وللتحقق من قدرة نشر قوات قتالية بسرعة في أي مكان في العالم، مشدداً على أنّ هذه المهمة تظهر العلاقات العملية الوثيقة بين الجيش الأمريكي وشركائه الإقليميين والتزامهم المشترك بأمن واستقرار المنطقة، قائلاً إنّه “على الخصوم المحتملين أن يدركوا أنّه لا توجد دولة على وجه الأرض أكثر استعداداً وقدرة على نشر قوة قتالية إضافية بسرعة في مواجهة أي عدوان”.


طهران تتجنّب المواجهة


فيما حاول النظام الإيراني إظهار عقلانية مُدعاة، عندما قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في الرابع عشر من ديسمبر، بأنّ اغتيال العالم فخري زادة تم بهدف جر المنطقة إلى الحرب في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب، متهماً إسرائيل بالوقوف وراءها، وذلك في إطار تهرّب طهران من الحرب، رغم أنّ تلك الأسلحة لم تأتِ للمنطقة إلا كنتيجة للتهديدات الإيرانية وعدوانيتها المعهودة، دون أن ينسى روحاني التوعد بأنّ اغتيال محسن لن يمر دون عقاب، زاعماً أنّه من “حق إيران الانتقام لاغتيال فخري زادة في الزمان والمكان المناسبين”، وأنّ بلاده “لن تسمح لأحد بتحديد زمان ومكان انتقامنا”، على حدّ تعبيره.


اقرأ أيضاً: 2020.. فرنسا تواجه عواصف الإسلام السياسي: لن نكون ألمانيا ثانية


بينما زعم وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، في الخامس عشر من ديسمبر، بأنّ قدرات بلاده الصاروخيّة تزداد يوماً بعد يوم، وأنّها أصبحت شوكة في عيون الأعداء، على حدّ وصفه، قائلاً إنّ منظمة البحث والإبداع الدفاعي بالوزارة، والتي كان يترأسها العالم في الصناعة الدفاعية والنووية، محسن فخري زادة، زادت ميزانيتها بنسبة 256%، وأنّ “العدو كان يسعى من وراء الحادث (اغتيال محسن فخري زاده) لعرقلة الحركة العلمية وسرعة تقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال التكنولوجيا الحديثة”، وهو حديث لم يخرج عن الإطار العام لحديث روحاني ضمن محاولات امتصاص الغضب الشعبي من الخيبات الناجمة عن الضربات المتلاحقة بطهران، وعجز الأخيرة عن الرد، سوى بالتهديد والوعيد الأجوف.


تعاون خليجي إسرائيلي


وعلى صعيد متصل بإعادة رسم ملامح المنطقة، شدّد مسؤول أمني إسرائيلي، في التاسع عشر من ديسمبر، على أنّ “بلاده منفتحة على فكرة الانخراط في تعاون عسكري مستقبلي مع حلفائها في الخليج، لمواجهة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة والمساعدة في استقرار الشرق الأوسط”، إذ ذكر موشيه باتيل، رئيس منظمة الدفاع الصاروخي في إسرائيل لموقع “ميديا لاين”: “بالطبع، هناك الكثير من الفوائد فيما يتعلّق بتبادل تكنولوجيا الصواريخ بين إسرائيل وحلفائها الجدد في الخليج”.


ويبدو أنّ من أشكال ذلك التعاون العسكري الوارد، ما ذكرته هيئة البثّ الإسرائيلية “كان”، في الواحد والعشرين من ديسمبر، نقلاً عن مصادر استخباراتية عربية، بأنّ غواصة تابعة للبحرية الإسرائيلية اجتازت قناة السويس، قاصدة الخليج العربي، حيث لفتت “كان” إلى أنّ تلك الخطوة أتت عقب موافقة مصرية، وذكرت عن المسؤولين الاستخباراتيين قولهم: “إسرائيل حاولت من خلال هذا التواجد البحري توجيه رسالة لطهران”.


اقرأ أيضاً: طهران وأنقرة.. تحالف هشّ للشر وآيل للسقوط مع هبة الريح


وهو ما تم بالتزامن مع ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، عن عبور غواصة نووية مضيق هرمز لأول مرة، برفقة سفن حربية أخرى، وقد قال مسؤول في البنتاغون، إنّ مرور الغواصة رسالة إلى طهران، والتزام من واشنطن بحماية حلفائها، مشيراً إلى أنّ الغواصة “يو إس إس جورجيا” مزودة بأكثر من 150 صاروخاً من طراز “توماهوك”.


واستنتاجاً، يبدو أنّ إيران تُحاصر بشكل أكبر يوماً بعد آخر، فاللوحة الجديدة التي بدأت ترتسم في منطقة الخليج العربي، غيرت وجه إيران العدوانية الصادحة بالانتقام لسليماني ومحسن زاده، إلى آخر ساعي للنجاة بنفسه من المواجهة، لإدراكه شبه المؤكد بفشله فيها، كيف لا وقد نجحت طهران في توحيد خصومها على مواجهتها، وهم خصوم لا يستهان بمقدراتهم، ويُحسب لكل منهم ألف حساب.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!