الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • من التكفير الديني إلى التخوين القومي.. أربعة عقود من حروب نوروز السورية 

من التكفير الديني إلى التخوين القومي.. أربعة عقود من حروب نوروز السورية 
من التكفير الديني إلى التخوين القومي.. أربعة عقود من حروب نوروز السورية 

بحسب قواعد النحو العربي لا يحتاج (نوروز) إلى (الـ) التعريف كونه علماً واسم العلم معرفة. لكن وعلى مرّ عقود من الزمن تم معاملة (النوروز) على أنه نكرة من قبل روّاد ومناصري الحركات الدينية والقومية المتشددة، سواء كانت عربية أم تركية. وللتعريف أكثر بنوروز تمت إضافة (الـ) التعريف إلى اسم العلم ولكن بقيت العقلية السياسية السائدة معتمدة على قاعدة التنكير واستعمال منطق الإنكار. 

نيران النوروز ورصاصات القصر الجمهوري 

يتذكر الكردي في سوريا ما جرى في 21 آذار عام 1986 في العاصمة دمشق، حيث قوبلت مظاهرة احتجاجية غير منظمة بنيران الرشاشات التي كانت تحمي القصر الجمهوري. آنذاك استشهد الشاب الكردي (سليمان آدي) ابن منطقة الجزيرة السورية في دمشق. 

كان نوروز قبل هذا التاريخ مقيداً بأغلال شتى، وكان الاحتفال بهذا اليوم يحتاج إلى جرأة كبيرة تصل إلى حد المغامرة بالحرية أو الحياة من قبل من يريد الاحتفال. 

قريباً جداً من المكان الذي سالت فيه دماء (سليمان آدي) وبعد سنتين من حادثة إطلاق النار، أصدر الرئيس السوري آنذاك (حافظ الأسد) المرسوم الجمهوري الذي يحمل الرقم 104 في عام 1988 والذي تم بموجبه إعلان 21 آذار من كل عام، عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد، ولكن تحت اسم (عيد الأم). 

وقبل هذا التاريخ، ومنذ عهد الرئيس السوري هاشم الأتاسي، كان يتم الاحتفال بعيد الأم في 13 أيار من كل عام، إلى أن جاء المرسوم الجمهوري الذي يحمل الرقم 104 والموقع من قبل حافظ الأسد. 

من القامشلي إلى الرقة  

أثناء إضرام نيران النوروز في عام 2008 داخل مدينة قامشلو، أطلقت قوات الأمن السورية النار على المحتفلين. فتكرر ما حصل أمام القصر الجمهوري في أواسط الثمانينات وأريقت الدماء وسقط ثلاثة شبان من الكرد شهداء في 20 آذار 2008 وشاءت الأقدار أن يحمل الشهداء الثلاثة نفس الاسم مع اختلاف في الكنية، كان اسم الأول (محمد يحيى خليل) والثاني (محمد زكي رمضان) والثالث (محمد محمود حسين).  

بعد عامين فقط من هذه المقتلة، تلون نوروز الرقة بلون الدم، حيث سقط (محمد) آخر شهيد بالقرب من نيران (النوروز) التي تم إضرامها في 21 آذار عام 2010، وذلك عندما أطلقت قوات الأمن السورية آنذاك الرصاص الحي، فاستشهد الشاب الكردي (محمد محمود) وجُرح العشرات من المواطنين السلميين المحتفلين بالنوروز. 

هذه الجرائم تم ارتكابها في السنوات والعقود التي سبقت الصراع السوري الذي بدأ في آذار 2011. 

مفخخات داعش وجرافات فصائل المعارضة 

ظهرت داعش وأخواتها، فتم استهداف النوروز مرة أخرى، ولكن هذه المرة تحت اسم الدين وتكفير الآخر المختلف، فتم مهاجمة احتفالية نوروز في مدينة الحسكة عام 2015 من قبل تنظيم داعش في مكانين مختلفين بنفس المدينة، وذلك بسيارتين مفخختين. ونتيجة للتفجيرين استشهد أكثر من 50 مواطناً كردياً، كان أغلبهم من النساء والأطفال. 

داعش أفغانستان فرع خراسان. متداول شبكة

بعد هذا الهجوم الدموي بثلاث سنوات، وفي 18 آذار من عام 2018، دخلت الفصائل الإسلامية المسلحة الموالية لتركيا والتي تعمل تحت اسم المعارضة السورية بقوة السلاح وبدعم عسكري ضخم وتدخل مباشر من قبل الجيش التركي إلى مدينة عفرين السورية، والتي يشكل الكرد الأغلبية المطلقة في هذه المدينة. 

أول ما تم تدميره داخل المدينة كان النصب التذكاري الذي يمثل (كاوا الحداد)، بطل النوروز، والذي يمثل رمز انتصار ثورة المظلومين ضد طاغية تلك الحقبة، قبل حوالي ثلاثة آلاف عام. 

من السرية والدماء إلى العلنية والاعتراف الرسمي 

أما ما تغير على الأرض هو أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا هي السلطة الحاكمة الوحيدة في سوريا، التي اعترفت رسمياً بعيد النوروز، واعتبرت يوم النوروز من كل عام عطلة رسمية في كافة المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية من ديريك (المالكية) في المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق، وصولاً إلى مدينة الرقة ومنبج وريف ديرالزور الشرقي، حيث احتفل الكرد والعرب وباقي المكونات الأخرى معاً هذا العام. 

وعلى الرغم من كل ما مضى، ومرور أربعة عقود على أول حادثة قتل علنية من قبل السلطات السورية بحق المحتفلين بالنوروز، ما زالت تلك العقلية التي تتعامل مع (النوروز) العلم المعرّف بـ(الـ) التعريف، بمنطق التنكير والإنكار. 

ويجتمع في فتح جبهات حروب النوروز من يعادي بعضهم البعض، بدءاً من حزب البعث العربي الاشتراكي، وصولاً إلى داعش وجبهة النصرة وأحرار الشرقية وفصيل العمشات ومن يدور في فلكهم. 

حروب الهزائم السورية 

في سوريا لا يستفيد أحد من التاريخ، هكذا يقول لسان حال الواقع المُعاش، فكل طرف يمتلك عدة بنادق، يركب موجة التطرّف الديني والقومي ليعيد ما أنتجه من سبقه، ولكن تحت اسم مختلف. 

وكما هو معروف للقاصي والداني، فالدولة السورية لم تربح حرباً قط، لا خارجية ولا داخلية، في نهاية كل حرب هناك هزيمة لا بل مجموعة من الهزائم يتم ترجمتها عبر المؤسسات الإعلامية الرسمية إلى انتصارات وبطولات غير موجودة على أرض الواقع. 

وحروب النوروز، منذ أربعة عقود، هي من ضمن حروب الهزائم السورية المتتالية، واستناداً إلى ما تقدّم، فإن نوروز ليس فقط عيداً قومياً للشعب الكردي في سوريا، بل هو معضلة حقيقية، يتوضح من خلال التعامل الرسمي مع هذه المعضلة ملامح وهوية ليس فقط النظام الحاكم لدمشق، بل حقيقة كل حركة دينية أو قومية تسعى إلى أن تكون بديلاً لحزب البعث. 

لذلك أبواب الحرب السورية ستبقى مفتوحة على مصراعيها إلى أجلٍ غير مُسمى، من دون أن يكون هناك منتصر من أهل الدار. فكل الأطراف السورية تدمّر بعضها البعض، والمواطن السوري هو الذي يدفع فاتورة الحرب. 

ليفانت - محمد محمود بشار

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!