الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
من الباغوز إلى الحسكة.. داعش في خلافته الثانية 
محمد محمود بشار

للمرة الأولى في سنوات (تمدّد) دولة داعش، يهرب أبناء العشائر العربية من تقدم مسلحي التنظيم ويتجهون إلى مناطق تحت سيطرة من يتهمهم التنظيم بالكفر والإلحاد. 

بدأت الخلافة الثانية لداعش بالظهور بشكل علني وعسكريّ منظم، في العشرين من كانون الثاني/ يناير في عامنا الحالي، الثاني والعشرين بعد الألفين، وذلك في سجن الصناعة في حي غويران بمدينة الحسكة شمال وشرق سوريا. 

سيطر الدواعش على عدة نقاط في حي غويران الشرقي وحي الزهور، بالإضافة إلى أغلب المباني والنقاط في سجن الصناعة، والذي يُعرَف بأنه أكبرُ وأخطرُ سجن في العالم لمسلحي التنظيم المحتجزين، وبدؤوا بنشر الصور والفيديوهات التي يظهر فيها الدواعش وهم يتوعدون (الكفرة والملاحدة) ويوعدون بالتمدّد ورفع رايتهم السوداء مرة أخرى. 

أظهرت السنوات العشر للحروب السورية بأنّ (الحاضنة الشعبية) لأي طرف عسكري ستمكّنه من السيطرة الجغرافية. وكانت داعش في بدايات تمددها في سنة 2014 تعتمد بشكل كبير على تلك الحاضنة التي كانت تقع تحت تأثير الشعارات الدينية التي كان يرفعها التنظيم. طبعاً هذا كان في الخلافة الأولى لداعش، أي بين أعوام 2014 و2019، حينها كانت الحدود السورية – العرقية مفتوحة أمامه، وكان يسيطر على مساحات شاسعة في الدولتين. 

في أواخرِ شهرِ آذار/ مارس من عام 2019، كان العالم كلّه يراقب ما يجري في تلك البلدة الصغيرة على الحدود السورية – العراقية. 

انتهت حينها في الباغوز الخلافة المزعومة لأعتى تنظيم إرهابي عرفه التاريخ المعاصر، والذي كان يطلق على نفسه تسمية (الدولة الإسلامية في العراق والشام). 

أول من أعلن عن سقوط الخلافة كان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي أغرق العالم بتغريداته على تويتر، معبراً عن قوة جيشه وعظمة بلده، وأعرب عن شكره للشركاء والحلفاء. 

سيشهد التاريخ على استشهاد اثني عشر ألف مقاتل ومقاتلة وجرح ما يُقارب من خمسةٍ وعشرين ألفاً من المقاتلين الآخرين الذين حاربوا هذا التجمع الخطير من الإرهابيين، الذين اجتمعوا من مختلف بقاع الأرض وتهافتوا من أكثر من ستين دولة، لينشروا السواد والقتل والرعب تحت راية الخلافة الإسلامية، والإسلام منهم براء، براءة الذئب من دم يوسف. 

قواتُ سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة عمودها الفقري، هي من قامت بهزيمة داعش على الأرض. 

كانت معركة كوباني، في أواسط سبتمبر 2014، الاختبار الحقيقي لإرادة مقاتلي ومقاتلات تلك الوحدات، الذين تمكّنوا من الصمود أمام أشرس هجمة للدواعش آنذاك، وكانت الهزيمة الأولى التي عرفتها الخلافة الأولى بزعامة أبو بكر البغدادي الذي قُتل فيما بعد في قرية صغيرة تابعة لمحافظة إدلب على الحدود السورية – التركية، وذلك في عملية خاصة نفذتها قوات أمريكية بمساعدة استخباراتية من الاستخبارات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، بحسب ما صرّح به الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقسد، والمسؤولون الأمريكيون. 

الوضع اليوم مختلف تماماً عما كان عليه قبل عدة سنوات. من كانت تعتبره داعش الحاضنة الشعبية لها، تهرب اليوم منها وذلك يدل على أمرين: 

الأول، وهو انعدام الثقة ومعرفة حقيقة داعش من قبل أبناء العشائر العربية في الجزيرة السورية، حيث كانت سنوات سيطرة داعش سنوات من الرعب والقتل والبطش وتسلّط أمراء التنظيم على البشر والحجر. 

أما الثاني، فهو ثقة العشائر العربية في المنطقة بقوات سوريا الديمقراطية ومدى جدية الميثاق الاجتماعي الذي تبنَّته الإدارةُ الذاتية لشمال وشرق سوريا، والذي ينصّ على حق جميع القوميات والأديان في العيش بكرامة ومساواة والمشاركة في صناعة القرار السياسي، وتبؤوا المناصب القيادية في المؤسسات العسكرية. أي أنّ هذه الإدارة أثبتَت بالفعل أنها ليست إدارة خاصة بقومية أو دينٍ محدد، وإنما هي إدارةٌ تشاركية تضم جميع المكونات القومية والدينية في شمال وشرق سوريا. 

في معركة الحسكة، والتي سماها التنظيم باسم معركةُ غويران، اتضَحت عدةُ نقاط وأمور، كانت غائبة فيما مضى، وهذه النقاطُ ستجعل استمرارَ داعش في خلافته الثانية لمدة طويلة أمراً في غايةِ الصعوبة وضرباً من ضروبِ المستحيل. 

فقدان الحاضنةِ الشعبية، بالإضافة إلى عدم القدرة على الاحتفاظ بالمواقع المُسيطَر عليها، يجعل من هذه الخلافة خلافةً هشَّة، وهناك أمر آخر هو بغايةِ الأهمية، وهو عندما هرب أغلبية أهالي أحياء غويران شرقي وغويران غربي والزهور والسكن الشبابي واتجهوا إلى باقي الأحياء في مدينة الحسكة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تم استقبالهم من قبل أهالي تلك الأحياء الذين بقوا في منازلهم، ولم تشهد مدينة الحسكة أي نزوح للأهالي باتجاه المدن الأخرى، باستثناء النزوح الذي حصل في تلك الأحياء المذكورة أسماؤها في الأعلى، وهذا النزوح كان ضمن المدينة. 

الخلافة الثانية لداعش هي من دون خليفة ومن دون حاضنة شعبية ومن دون أراضٍ محددةٍ وواضحة الحدود، وهذه الأمور مجتمعة تؤرق التنظيم وتجعله متخبِّطاً ليتحوّل إلى مجموعةٍ من العصابات المنفلتة والتائهة لينتهيَ بها الأمر إلى العودة لنظامِ الخلايا النائمة وتجميد فكرة التمدد التي تجمدت على أسوارِ سجن الصناعة داخل مدينة الحسكة. 

 

ليفانت - محمد محمود بشار

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!