الوضع المظلم
الخميس ٢١ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مقدمة كتاب النسوية للجميع.. بيل هوكس 
غيثاء الشعار (ليفانت)

في كل مكان أذهب إليه أقول بفخر للناس الذين يريدون معرفة من أنا وماذا أفعل، أنني كاتبة، منظرة نسوية، وناقدة ثقافية. أخبرهم أنني أكتب عن الثقافة الشعبية والأفلام وأحلل الرسائل التي تتضمنها. يجد معظم الناس ما أفعله مثيراً ويريدون معرفة المزيد.

يذهب الجميع لمشاهدة الأفلام، يشاهدون التلفاز ويلقون نظرة سريعة على المجلات، وكلٌ لديه آراءه حول الرسائل التي يتلقاها والصور التي يشاهدها. من السهل على الجمهور المتنوع الذي أقابله أن يفهم ما أفعله كَناقِدة ثقافية وأن يفهم شغفي بالكتابة (الكثير من الناس يرغبون في الكتابة ويكتبون). لكن عندما نصل بالحديث إلى النظرية النسوية تتوقف الأسئلة. وبدلاً من ذلك أسمع آراء عن شر النسوية وعن النسويات السيئات: اللواتي يكرهنّ الرجال، ويردنّ مخالفة الله والطبيعة. وأنهنّ كلهنّ ​​مثليّات، يستولين على جميع الوظائف ويجعلن العالم صعباً على الرجال البيض الذين لا يملكون ولو فرصة واحدة. لكن عندما أسأل هؤلاء الأشخاص أنفسهم عن الكتب والمجلات النسوية التي يقرؤون أو عن الأحاديث النسوية التي سمعوها وعن الناشطات النسويات اللواتي يعرفونهم، يكون ردهم أن كل ما يعرفونه عن النسوية قد وصل إليهم بشكل غير مباشر (من يد ثالثة) وأنهم في الحقيقة لم يقتربوا كما ينبغي من الحركة النسوية لمعرفة ما يحدث وما الذي تدور حوله فعلاً. في الغالب يعتقدون أن النسوية هي مجموعة من النساء الغاضبات اللواتي يردن التشبه بالرجال. إنهم لا يفكرون في النسوية على أنها حركة تناضل من أجل الحقوق، من أجل المرأة في الحصول على حقوق مساوية للرجل. عندما أتحدث عن قرب وبشكل شخصي مع الناس عن النسوية كما أعرفها، فإنهم يستمعون لي عن طيب خاطر، حتى لو أنهم في نهاية الحديث يسارعون إلى إخباري أنني مختلفة، ولست كباقي النسويات "الحقيقيات" الغاضبات اللواتي يكرهن الرجال. لكنني أؤكد لهم أنني نسوية حقيقية وراديكالية بقدر ما يمكن للمرء أن يكون، وأنهم إذا تجرؤوا واقتربوا من النسوية فإنهم سيعرفون أنها ليست كما يظنون.

في كل مرة غادرت فيها إحدى تلك اللقاءات مع الناس، كنت أتمنى لو أنني أحمل في يدي كتاباً صغيراً حتى أستطيع أن أقول: اقرؤوا هذا الكتاب وسوف يخبركم ما هي النسوية، ما هي أفكارها وأهدافها. أتمنى أن أحمل في يدي كتاباً موجزاً وسلساً. كتابٌ صغيرٌ لا يعجّ بالمصطلحات اللغوية والأكاديمية المعقدة، بل كتيب مباشر وواضح تسهل قراءته، لكن دون أن تظهر فيه القضايا أبسط مما هي عليه. لقد أردت هذا الكتيب منذ اللحظة التي غيّر فيها التفكير النسوي ومبادئه وممارسته حياتي. أردت أن أعطيه للناس الذين أحبهم حتى يتمكنوا من فهم هذه القضية بشكل أفضل، هذه السياسة النسوية التي أؤمن بها بعمق وهي أساس حياتي السياسية.

أردت أن يكون لديهم إجابة على سؤال (ماهي النسوية؟) لا يتجذر فيها الخوف والوهم. رغبت أن يكون لديهم هذا التعريف البسيط حتى يقرؤونه مراراً وتكراً ويعرفوا أن: "النسوية هي حركة لإنهاء التمييز على أساس الجنس، ولإنهاء الاستغلال الجنسي والقمع". أحب هذا التعريف الذي كنت قد قدمته لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات في كتابي (النظرية النسوية: من الهامش إلى الوسط). أحبه لأنه ينص بوضوح على أن الحركة لا تهدف لأن تكون مناهضة للذكور، بل يوضح أن المشكلة تكمن في التمييز الجنسي. وهذا الوضوح يساعدنا على تذكر أننا جميعاً، ذكوراً وإناثاً، قد تربينا اجتماعياً ومنذ الولادة على تقبل الأفكار والأفعال المتحيزة جنسياً. لذلك يمكن أن تكون النساء أيضاً متحيزات جنسياً مثل الرجال. وسيكون من السذاجة والخطأ أن يرى المفكرون النسويون أن الحركة النسوية ببساطة موجهة للنساء ضد الرجال، وهذا طبعاً لا يبرر ولا يعطي عذراً لهيمنة الرجال.  

حتى ينتهي النظام الأبوي (والأبوية هي اسم آخر للانتشار الواسع للتحيز الجنسي) يجب أن يكون واضحاً أننا جميعاً نساهم في إدامة التمييز على أساس الجنس، ما لم نفتح قلوبنا ونغير طريقة تفكيرنا، وما لم نتخلى عن الأفعال والأفكار المتحيزة جنسياً واستبدالها بالفكر والعمل النسوي.

انطلاقاً من افتراض أن الذكور يتفوقون على الإناث ويجب أن يحكمونهنّ، يكون الرجال كمجموعة أكثر من استفاد وما زال يستفيد من النظام الأبوي. لكن هذه الفوائد لها ثمن. مقابل كل المميزات التي يحصل عليها الرجال من النظام الأبوي، يتعين عليهم السيطرة على النساء واستغلالهنّ وقمعهنّ، وحتى استخدام العنف إذا دعت الحاجة حتى يتمكنوا من الحفاظ على استمرارية النظام الأبوي. لكن، يجد معظم الرجال صعوبة في أن يكونوا أبويّين، بل إن معظمهم مرتبكون من الكراهية ضد النساء والخوف منهنّ، منزعجون من العنف الذكوري ضد النساء وحتى أولئك منهم الذين يحافظون على استمرارية هذا العنف، إلا أنهم يخشون التخلي عن الفوائد. قلقون لأنهم لا يعرفون ماذا يمكن أن يحدث للعالم الذي يعرفونه عن كثب إذا تغير النظام الأبوي. لذلك يجدون أنه من الأسهل عليهم الاستمرار في الدعم السلبي لهيمنة الذكور، رغم إدراك قلوبهم وعقولهم أنهم على خطأ. 

يخبرني الرجال دائماً أن ليس لديهم فكرة عما تريده النسويات. وأنا أصدقهم، وأؤمن بقدرتهم على التغيير والنمو. وأعتقد أنهم إذا عرفوا المزيد عن النسوية فلن يخافوها بعد الآن لأنهم سيجدون فيها الأمل في تحريرهم من عبودية النظام الأبوي، لأنهم هم أيضاً ضحاياه.

كتبت هذا الكتيّب لهؤلاء الرجال، شباباً ومسنين، ولنا جميعاً، بعد أن قضيت أكثر من عشرين عاماً أتوق إليه ومن ثم تعينّ عليّ كتابته بنفسي لأنني انتظرت ظهوره طويلاً ولم يحدث. بدونه لم تكن هناك طريقة لمخاطبة حشد من الناس في هذه البلد، والذين يواجهون يومياً ردود أفعال عنيفة معادية للنسوية. أناس يُقال لهم أن يكرهوا ويقاوموا حركة لا يعرفون عنها الكثير. 

يجب أن يكون هناك الكثير من الكتيبات والمنشورات التمهيدية النسوية سهلة القراءة التي تخبرنا كل شيء عن النسوية، لأن كتابي هذا سيكون مجرد صوت شغوف آخر يتحدث نيابة عن السياسة النسوية. يجب أن تكون هناك لوحات إعلانية في الشوارع وإعلانات في المجلات، في الحافلات، مترو الأنفاق، القطارات وفي التلفزيونات لنشر كلمتنا والتعريف بها. عندها يمكن للعالم أن يعرف المزيد عن النسوية. لكننا لم نصل إلى ذلك بعد مع الأسف، وهذا ما يتوجب علينا فعله لمشاركة النسوية، والسماح لها بالدخول إلى قلوب الجميع وعقولهم. لقد لامس التغيير النسوي بالفعل حياتنا كلها بطريقة إيجابية ومع ذلك فإننا نغفل عن الإيجابيات لأن كل ما نسمعه عن النسوية سلبياً.

كنت ما أزال في سن المراهقة عندما بدأت في مقاومة الهيمنة الذكورية والتمرد على التفكير الأبوي (ومعارضة أقوى صوت أبوي في حياتي: صوت أمي). كنت انتحارية ويائسة، لا أعرف كيف أجد مكاناً لنفسي ولا حتى المعنى في حياتي. كنت بحاجة إلى النسوية لتوفر لي أساساً من المساواة والعدالة استند إليه. حتى أمي تحولت إلى التفكير النسوي، لأنها تراني أنا وأخواتي (بناتها الستة) نعيش حياةً أفضل بسبب السياسات النسوية، إنها ترى الوعد والأمل في الحركة النسوية. وهذا هو الوعد والأمل الذي أريد أن أشاركه معكم في هذا الكتاب، معكم جميعاً.

تخيلوا العيش في عالمٍ لا توجد فيه هيمنة، عالم لا يكون الإناث والذكور دائماً متشابهين أو متساوين بل عالم تكون الروح التشاركية هي التي تشكل أخلاقيات تفاعُلاتنا. تخيلوا أن نعيش في عالم يمكن أن نكون فيه جميعاً كما نحن وكما نحب أن نكون. عالم يسوده السلام والممكن. لا تستطيع الثورة النسوية أن تخلق مثل هذا العالم وحدها، نحن بحاجة إلى إنهاء العنصرية، النخبوية الطبقية والإمبريالية. لكنها ستمكننا من إنشاء مجتمع يتساوى فيه الجميع على اختلاف هوياتهم، أعراقهم، جنسهم وتوجهاتهم. مجتمع مترابط بالحب والاحترام والرعاية. مجتمع يُمكننا من العيش معاً ومن تحقيق ذواتنا بالكامل، إناثاً وذكوراً. حيث نحقق أحلامنا بالحرية والعدالة ونُرسخ حقيقة أننا جميعاً "خلقنا متساوين". 

أدعوكم إلى الاقتراب أكثر من النسوية وسترون كيف يمكن أن تلمس حياتكم وحياتنا جميعاً وتغيرها. أدعوكم إلى الاقتراب لتتعرفوا عليها من المصدر وسترون أن: النسوية للجميع.

ليفانت - ترجمة غيثاء الشعار

رابط النص الأصلي:

https://www.plutobooks.com/blog/feminism-is-for-everybody-bell-hooks/

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!