الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مفاوضات فيينا العبثيّة.. هل تبقى إلى ما لا نهاية؟
ثائر عبد العزيز الحاجي

على مدار العقد الماضي، لم تهدأ التصريحات الإعلامية حول الملف النووي الإيراني بين دبلوماسيي الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، خاصة بعد الإعلان عن مفاعل بوشهر في سبتمبر 2011.

وفي تصريح لـ وزير الخارجية الإيراني الأسبق «جواد ظريف»، قال: "أمريكا تفرض عقوبات، أوروبا تقود المفاوضات، وإيران تقاوم". في إشارة إلى صيرورة المباحثات بين الأطراف المعنية بالملف.

لكن صرامة التصريحات الإسرائيلية، تتفوّق على غيرها، لأنّ تل أبيب لا تريد منافساً نووياً لها في المنطقة، كان آخر تلك التصريحات قبل يومين؛ عندما قال وزير الخارجية الإسرائيلي "يائير لابيد"، "لن نسمح لإيران بأن تصبح عتبة نووية وإذا لزم الأمر سنتصرف بمفردنا". وهي رسالة لجميع الأطراف المنخرطة في المفاوضات مع الوفد الإيراني في فيينا النمساوية.

وهذا ما يدّل أنَّ النظام في طهران يقاوم الوقت لا غير ذلك، وهناك العديد من التقارير التي تفيد بأنّ الحرس الثوري الإيراني قطع شوطاً في تصنيع الأسلحة النووية، وبموازاة ذلك، يصنعون الصواريخ البالستية، وهم دائماً ما يتهربون من النقاش حولها، وبالتالي ما يحدث في فيينا، لا يتعدّى لأن يكون استهلاكاً للوقت.

ومن المعروف أنَّ إيران تجيد الصبر الاستراتيجي، فهي تخضع منذ ما يزيد على الـ 40 عاماً للعقوبات الغربية، وهذا كله في العلن، بينما في الحقيقة هناك صفقات تمرّر من تحت الطاولة، ويذكر العرب، عموماً، والعراقيون، بشكل خاص، فضيحة ما يسمى "إيران كونترا" بين النظام الإيراني ونظرائه الأمريكيين، وبحضور مندوب إسرائيل آنذاك "آري بن ميناش" لتزويد طهران بالصواريخ إبان الحرب الإيرانية – العراقية في عهد الراحلين، الأمريكي "ريغان"، والعراقي "صدام حسين"، والإيراني "أبو الحسن بني صدر".

الأمر الأكثر وضوحاً في مفاوضات 5 + 1 بين القوى العالمية مع الإيرانيين هو أنّ طهران تخفي ترسانتها الصاروخية التي ستستخدمها لإرهاب جيرانها العرب قبل أي عدو آخر، وهي دائماً ما تصدع رؤوسنا بعدائها لإسرائيل وبأنَّ طريق القدس يمرّ من سوريا، لتبرير تدخلها لمساندة النظام السوري في قتل مناهضي حكمه.

ومن وجهة النظر الإيرانية، فإنَّ العودة إلى الاتفاق النووي تقتضي المرور بثلاثة أبواب وهي؛ العودة للاتفاق النووي، رفع العقوبات، العودة للقرار الدولي 2231.

ومن هذا المبدأ، ما من داع لمفاوضات جديدة في ظلّ مسار تم الاتفاق والتوقيع عليه عام 2015، بينما تتسلّح الولايات المتحدة بعقوبات مفروضة مسبقاً على حكومة طهران، بعد استنفاد اقتصادها من أجل إنهاء طموحاتها النووية، وأنَّ أي إعلان عن دولة نووية في الشرق الأوسط، من شأنه أن يقود المنطقة، إلى سباق تسلح نووي وباليستي، لن تقف عنده تركيا ودول الخليج العربي مكتوفة الأيدي.

الدور الأمريكي

وبناء على تلك المعطيات، فإنّ الولايات المتحدة تريد من اجتماع فيينا، العمل على خطوة بخطوة أي رفع تدريجي للعقوبات يقابله وقف تخصيب اليورانيوم.

ومن الواضح، أنَّ إدارة بايدن تحاول التريث قبل اتخاذ أي خطوة خشيةً من تقديمها هدية مجانية، وهو ما قد تندم عليه لاحقاً، خاصة أن الأمريكيين لا يعرفون حقائق الأحداث في إيران بعد انقطاعهم عن الملف لمدة ثلاث سنوات، عقب إلغاء الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب» الاتفاق النووي في مايو/ أيار2018.

ومن جانبهم، يعتبر الأوروبيون أي عودة للاتفاق، فرصة للاستثمار في بلد تعداد سكانه قرابة 100 مليون، ويعاني اقتصاده من ويلات العقوبات والصراعات المفتوحة في الإقليم، وهو ما أدى لتوقف صفقة الإير باص الفرنسية، وكذلك استجرار النفط الإيراني إلى ألمانيا.

أما موسكو وبكين، فتربطهما مع طهران علاقة حقد تاريخية تجاه واشنطن، وتوحدهما العقوبات الأمريكية المفروضة عليهما، رغم الاختلاف العقائدي بين هذه الترويكا، والسباق على من يقود العربة بينهما.

وفق هذا الواقع، لا توجد مؤشرات لموانع غربية من امتلاك إيران لسلاح نووي، لكن التساؤل المطروح: هل تكتفي إسرائيل بقصف المواقع الإيرانية في سوريا، وهو أمر بات اعتيادياً لكلا الطرفين، ولا يُحِّمل أحدهما أي تبعات على كافة المستويات؟ حتى إنَّ قتلى الميليشيات هناك، جلّهم من العرب المتمذهبين الذي يتبعون إيران، وينصتون لفتاوى معمميها التي تحضّ على الجهاد، التي لا أصل لها ولا مرجع.

ويعتبر أكثر المتحمسين لإنجاز الاتفاق النووي، هم من اللاهثين وراء أوهام الأمن والاستقرار، ظناً منهم أنهم بذلك يوقفون المذبحة السورية، والفصائلية العراقية، ويعيدون لبنان إلى عباءته العربية، ويبقون على اليمن وحدته الجغرافية. إلا أنَّ المعضلة بالنسبة لدول الإقليم في كل ما ذكر، بأن توقيع الاتفاق سيعيد الاقتصاد الإيراني لمرحلة الانتعاش والتعافي بعد الإفراج عن الأموال المجمدة، وكذلك الإبقاء على سلوكها الرافض للامتثال للعلاقات والبروتوكولات الدولية.

وتشكل المعضلة الثانية، في حال التوصّل إلى الاتفاق، إلغاء عقوبات 10 سنوات على الصواريخ البالستية التي فرضتها واشنطن في يناير عام 2016 بسبب تطوير إيران لصاروخي "قدر-ه" و"عماد" عقب توقيع الاتفاق النووي مع إدارة "أوباما" عام 2015، ادعاءً من الأمريكيين أن هذه العقوبات تحقق الأمن والاستقرار في أكبر مربع أمني في العالم "Security Complex " وهو الشرق الأوسط.

وذلك كله، بعيداً عن العقود التي أبرمتها إيران مع الصين في العراق، خصم الولايات المتحدة، لاستخراج النفط والغاز في جنوب شرقي البلاد، في محافظتي البصرة وميسان، وتجاهل واشنطن لهواجس حلفائها الاستراتيجيين "دول الخليج العربي".

ليفانت - ثائر عبد العزيز الحاجي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!