الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مفارقات سياسة أردوغان الخارجية
أنس ماماش

يريد رئيس حزب العدالة و التنمية، الرئيس رجب طيب أردوغان، تطبيق مقولة “الوطن ليس مكان ولادة الإنسان، إنما الوطن هو المكان الذي يشبع الإنسان”، على سياسته الخارجيّة التي أثبتت فشلها يوماً بعد يوم.


عند وصول حزب أردوغان إلى سدّة الحكم كانت سياسة تركيا مع دول الجوار خالية تماماً من المشاكل (صفر)، أما اليوم فما نراه خلاف الماضي، فمع بداية نشوب الحرب الأهلية عام 2011 في سوريا، لم تبقَ تركيا -الجارة الحدودية- بالبقاء مكتوفة الأيدي غير مبالية للتطورات التي تحدث في الداخل السوري والفرص التي قد تتمخّض من كل تلك الأحداث، وما قبلها تونس ومصر وليبيا والجزائر واليمن، على نطاق واسع في عام 2010، وموريتانيا والسعودية وسلطنة عمان والعراق ولبنان والمغرب في نطاق ضيق، فقررت تركيا إنهاء سياسة صفر المشاكل مع دول الجوار، من خلال تحويل الانتفاضات والصراعات الداخليّة التي أطلق عليها اسم الربيع العربي لفرصة تستفاد منها، فبعد هذا التاريخ بدأت تلعب دور الطفل المشاغب على صعيد سياستها الخارجية.


لقد استيقظت الأحلام الإمبريالية والعثمانية الجائعة متأخرة لدى أردوغان، حيث أراد إشباع طموحه بالحصول على قطعة كبيرة من الكعكة السورية، وهي الموارد النفطية المتواجدة في شمالي سوريا فتحجج بالأكراد وأعطى إشارات بالتدخل في سوريا منذ حينها، وأعطى إشارات مماثلة في نفس الفترة عندما قام القبارصة اليونان مع إسرائيل بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، كل هذا كان دليل مفاده أنّ تركيا ستظهر تغييراً كبيراً في هدفها الخارجي.


لقد أصبحت تركيا مصدر مشاكل مستمرّ لكل المنطقة من خلال تصرفاتها في كل تلك الدول وبحر إيجه والمتوسط والقوقاز وشمال أفريقيا وآخرها كشمير، المنطقة المتنازع عليها بين الدولتين النوويتين، باكستان والهند منذ عام 1947، لقد أعطى أردوغان إشارة لتدخله في تلك المشكلة أيضاً على مبدأ (إن لم أستطع تحقيق ما أريده هنا فسأحاول هناك)، فتركيا الآن أصبحت تواجه مشاكل مع القوى الدولية.


تركيا، وهي من دول العالم الثالث، تبالغ في عرض قوتها، حيث أخذت تتبع سياسة مواجهة القوى العظمة “الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، لأجل المحافظة على مكانتها في الأجندة العالمية.


ما هو سبب الحضور التركي المستمر في الساحات على الرغم من اتباعها لسياسة خارجيّة عمياء؟


إنّ بند فرض عقوبات أمريكية وأوروبية عليها قائم، وما يزال أردوغان مصراً على موقفه العدواني في سياسته الخارجيّة والتي لم يستطع من خلالها العثور على ما يريد، فأطروحة أنّ أردوغان ذاق طعم العسل ومن الصعب كبح جموحه الأرعن، لاقت معارضة واسعة، حيث يظهر جلياً من خلال إفراغ خزانة البنك المركزي التركي من احتياطي العملة الصعبة -الدولار- بشكل كامل، بل العكس صحيح، فلو تم تحقيق بعض النجاح في السياسة الخارجية، فلسوف تمتلئ احتياطيات البنك المركزي من الدولار بدلاً من أن تفرغ، وإنّ العملية التي بدأت بإقالة رئيس البنك المركزي، مراد أويسال، وانتهت باستقالة وزير الخزانة والمالية، بيرات البيرق، لم تكن لتحدث، ولن يكن ليتم بيع العديد من الموارد، بما في ذلك مصنع Tank and Pallet التابع لوزارة الدفاع الوطني لقطر.


ففي السنوات العشرة الماضية من حكم حزب العدالة والتنمية للبلاد، تم بيع العديد من العقارات بما في ذلك المستشفيات والبنوك والفنادق والقصور والمصانع ومراكز التسوق والقنوات التلفزيونية وبورصة إسطنبول لقطر، فهذه ليست سوى غيض من فيض، ووفقاً لقانون صندوق الثروة التركية، فإنّ رئيس الجمهورية هو المتصرّف الوحيد لتلك الثروات، لذا لا يمكن معرفة ما تم بيعه من الأصول التركية لدولة قطر.


لقد قامت أنقرة مؤخراً ببيع الحيوانات المنوية للخيول العربية الأصيلة للدوحة، على ما يبدو لم يتبقَ لديهم شيء لبيعه لذا اضطروا لإتمام صفقة بيع السائل المنوي لتلك الأحصنة، فهذا دليل واضح على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا الآن، لقد أصبحت تركيا الحديقة الخلفية لدولة قطر، فأردوغان بهذه الطريقة يريد الحدّ من العجز الاحتياطي للدولار، كل هذا إن دلّ لا يدل إلا على أنّ تركيا وبسبب سياستها الخارجية هي الخاسر الوحيد.


فمحاولاتها في التنقيب عن الغاز الطبيعي رغماً عن الولايات المتحدة والدول الأوربية في بحري إيجة والمتوسط لم تسفر عن نتائج إيجابية، ولم تستطع تحقيق ما سعت إليه في سوريا وليبيا، وكذلك مغامرتها الأخيرة في القوقاز لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي في ممر ناخيتشيفان المار بالأراضي الأرمنية، حيث تريد تحويل الاتفاقية الثلاثية الموقعة في 10 نوفمبر بين روسيا وأرمينيا وأذربيجان إلى رصيد استراتيجي لها، وعلى ما يبدو أنّها ستعود خالية الوفاض هنا أيضاً، أما مسألة انتشار الجيش التركي في ناغورنو كارباخ فلاقت اعتراضاً روسياً وأرمنياً، لذا تسعى تركيا جاهدة في تحقيق هذا الهدف من خلال مشاركة روسيا في مراكز المراقبة.


في واقع الأمر، إذا أمعنا التفكير بكلمة “ممر”، أي الخط الذي سيربط أذربيجان بناختشيفان عبر أراضي جمهورية أرمينيا، نرى أنّها غير واضحة المعالم، حتى الآن، في حين أنّ ممر لاتشين البالغ عمقه 5 كيلو مترات، والذي سيربط آرتساخ بأرمينيا، واضح المعالم، لم يتم تحديد إطار محدد للطريق المقرّر فتحه بين أذربيجان وناخيشتفان.


فلقد سلطت الاتفاقية الضوء على هذا الممر بالضبط كما يلي: “سيتم إنشاء خط مواصلات يربط بين جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي بالمناطق الغربية من أذربيجان، وتضمن أرمينيا سلامة خطوط النقل ومرور المواطنين والمركبات والبضائع دون عوائق، وتتولّى وحدة حرس الحدود التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) التحكم في خط النقل”.


من هنا يمكن أن نفهم أنّه لم يتم ذكر أي ممر في الاتفاقية، تم ذكر رابط نقل واحد فقط، ستحدد المفاوضات بشأن ناغورنو كاراباخ ما إذا كانت الاتفاقية ستشمل أيضاً خط أنابيب الغاز الطبيعي أم لا، ستسعى تركيا في الأيام المقبلة لتطبيع العلاقات مع الحكومة الأرمينية في محاولة منها للوصول إلى موارد الغاز الطبيعي في أذربيجان عبر ناختيشفان، حيث صرّح وزير الخارجية التركي، مولود تشاوويش أوغلو، قبل أيام في بيانه الأخير وإشارة منه على التطبيع “إذا انسحبت أرمينيا من الأراضي المحتلة، وإذا بدأ التطبيع، فسنتخذ خطوات مع أذربيجان بشأن هذه القضية” وإذا تمت عملية التطبيع، فإنّ الفائز الأكبر هما، أرمينيا والشعب الأرمني.


في الواقع تستند مشاكل أرمينيا مع أذربيجان وتركيا على أسس سياسية وتاريخيّة لا على أسس اقتصادية، وبما أنّ تركيا لا تعترف بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها بحق الشعب الأرمني في عام 1915، يصعب التكهن بحصول تقارب بين أرمينيا وتركيا والتطبيع بينهما.


إذاً، بما أنّ تركيا لم تستطع تنفيذ مآربها التي كانت تنشدها في ناغورنوكرباخ، فستبدأ بنقل تحقيق أحلامها الاستراتيجة لمنطقة أخرى.


 


ليفانت – أنس ماماش

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!