-
معركة إدلب والصراع في ليبيا.. مقامرات أردوغان ولعبة الأمم
في ظل مجموعة من الحقائق والمعطيات الجغرافية والجيوسياسية التي تتباين وتتشكل في ظل تباين المصالح الإقليمية المستعرة، فإن ما يدور حول ساحل البحر المتوسط وعلى تخوم مسرح الأحداث في ليبيا، يكشف في جانب منه عن ممارسات لعبة الأمم؛ إذ تتواصل حلقات الصراع الإقليمي المحموم، للبحث عن الثروات الطبيعية والسيطرة عليها، وذلك في ظل التنافس المتواصل بين دول المنطقة على ملفات متفاوتة، سياسية وعسكرية واقتصادية، فتتحرى أوراق ضغط عديدة، ومساحات نفوذ مختلفة.
أضحى من غير المنطقي أن نغفل قراءة الكلمات الخفية والمستورة في تصريحات المسؤولين الروس والأتراك، حول المصير المشترك للملف الليبي، وكذا، الشمال سوري فيما بينهما، وسعي الطرفان لعمليات كر وفر، وتوسيع العمليات على الجبهتين دون الانزلاق نحو فخ الهاوية.
فمن الصعوبة بمكان استيعاب كافة المتغيرات التي تحيط بالموقف المرتبك داخل شمال سوريا بمعزل عن كافة المتغيرات التي طرأت على المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، وما أسفر عنه من تزايد النفوذ الروسي داخل الأراضي السورية، فضلاً عما استقر من آليات ومعدات وطائرات عسكرية داخل قاعدة طرطوس البحرية وحميميم العسكرية.
إذ أن مساحة الحركة التي للنظام السوري منذ بدء عمليات عسكرية ضد القوات التركية، جاء على مفاصل الخلاف بين أنقرة وموسكو في ما يتصل بشرق المتوسط وإدارة الصراع على الساحة الليبية.
ما كشفت عنه الدراسات المسحية من ثروات نفطية هائلة في شرق المتوسط، يبعث في أعماقه حجم الأطماع والصراعات، وكذا، صورة التحركات المتباينة لحماية ما يخبئه ماء المتوسط بين جنود وحراس متفاوتين، يتطلع كل منهم إلى ثروات نفطية قادرة على تغيير خريطة الطاقة الإقليمية والدولية على حد سواء لعقود مقبلة.
ووفقاً لدراسات مسحية، فإنه تقدر احتياطات شرق المتوسط من الغاز الطبيعي بحوالي 122 تريليون قدم مكعب، بينما تقدر احتياطيات النفط فيها بحوالي 1.7 تريليون برميل، وفي رواية أخرى، تشير إلى أن الاحتيطيات من تلك الثروات إنما تفوق كثيراً الأرقام المعلنة والمقدرة.
ثمة يقين أن واقع الجغرافيا السياسية يفرض سطوته على تحركات السياسة والسلاح لدى أنقرة وموسكو في إدلب كما في ليبيا. بيد أن لغة المصلحة وأطماع التوسع الإقليمي تعكس تحركات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في شرق المتوسط بينما يرقب الروس عن كثب كافة التحركات بغية الضغط كل حين لقطف كل المكاسب الممكنة.
يبدو ذلك واضحاً في كافة التطورات الميدانية على مسرح إدلب؛ إذ سعت موسكو إلى تثوير الأرض ورفع درجة الحرارة نحو معدلات تمارس من خلالها الضغط على الجانب التركي، للوصول إلى الرؤى المتوافقة مع موسكو فيما يخص الجانب الليبي. وقد جاءت موافقة البرلمان التركي على مذكرتي التفاهم مع حكومة الوفاق الوطني الليبي، بغية ترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، بينما تتناول الثانية التعاون العسكري والأمني بين الطرفين.
وفي ظل التلويح المتكرر للرئيس التركي بالتدخل العسكري، في الصراع المسلح بين قوات الجيش الليبي وحكومة الوفاق، للسيطرة على العاصمة طرابلس، وتأسيساً على ذلك، بدأت الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً في الملف الليبي تحركات واتصالات واسعة النطاق بشأن الأزمة غير المنتهية؛ إذ تشهد عواصم عربية وغربية اجتماعات مكثفة للوصول إلى رؤى توافقية بين الأطراف المتنازعة والعودة إلى طاولة المفاوضات.
يعكس التدخل العسكري التركي على الأراضي الليبية مواجهة أخرى مع الجانب الروسي، تقف وجهاً لوجه مع الموقف في شمال سوريا، وتحركات أنقرة لخرق هدنة وقف إطلاق النار.
الأمر الذي يتطابق وتصريحات أروغان، حيث صرّح بأن: "تركيا موجودة في ليبيا عبر قوة تجري عمليات تدريب ومسلحين من الجيش الوطني السوري الحر.
وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن أردوغان استقبل السراج في اسطنبول، وعقد معه اجتماعاً مغلقاً، وهو اللقاء الذي حذّر مراقبون من تداعياته على عملية السلام المتعثرة في ليبيا. وفي المقابل تبلور تصريحات المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، ذات الرؤية في الصراع الدائر، حيث أشار إلى أن وقف اطلاق النار سيكون معلقاً لصالح عدة شروط، يأتي في مقدمتها وقف إمدادات السلاح التركية وتدفق المقاتلين المرتزقة.
تأتي تلميحات الرئيس التركي بإمكانية تلقي مساعدة عسكرية من واشطن، في العملية التي قال إن شنها بات مسألة وقت على إدلب السورية، مشيراً إلى أن التعاون بين أنقرة وواشنطن يجري على كافة الأصعدة ليفتح الباب نحو حقيقة الصراع على الميداني، وكيف إن إدارة الصراع، أو ما يمكن توصيف بـ"لعبة الأمم"، لا تستقيم سوى على ثروات الشرق الأوسط. كما يمتد الخط على استقامته ويؤيد المنطق ذاته حيال أن توغل أنقرة في عملياتها العسكرية بشمال سوريا، يأتي بقبول أمريكي التي سحبت أعداد كبيرة من قواتها، وذلك ما عبّر عنه المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا جيمس جيفري، وكذا، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو.
واقع مضطرب ومتشابك فرض نفسه على حقائق الجغرافيا السياسية، في إطار صراع المصالح بين واشنطن وموسكو، بينما جاءت أطماع أردوغان التوسعية الذي يؤدي أدواراً وظيفية بالأساس، بين تلك التشابكات والاضطرابات التي يظنها توازنات، يمكن من خلالها أن ينصب أحلامه ومقامراته الخاصة، في مقابل استراتيجيات اللاعبين الدوليين والقوى العالمية التي تلتزم بمحددات واضحة، تقضي بأن واشنطن وموسكو سيتحركان نحو تحقيق مصالحهما دون انسحاب الأمور نحو مزالق غير مرغوب فيها.
تفسر الجغرافيا السياسية لشرق المتوسط اتفاقيات ترسيم المناطق الاقتصادية لكل من مصر واليونان وقبرص وتركيا واسرائيل ولبنان وسوريا وفلسطين وليبيا.
قفزت الخلافات من قاع البحر الى سطح الأراضي الليبية التي تعد بؤرة توتر تكشف الاهتمام المتزايد من قبل أطراف إقليمية ودولية .
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!