-
غموض يسود المشهد السوداني.. مخاوف من انزلاق البلاد إلى الفوضى
تلقي الضبابية بظلالها على المشهد السياسي السوداني منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشيرفي الـ11 من أبريل/نيسان 2019، بعد احتجاجات شعبية ضد النظام الذي حكم ثلاثة عقود منذ وصوله لسدة الحكم إثر انقلاب عام 1989 بمساندة الإسلاميين.
فيما تستمر دعوات المعارضة السودانية للخروج في مسيرات بالعاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية في البلاد، مطالبة باستبعاد الحكم العسكري وتسليم السلطة للمدنيين، ترتفع الأصوات العالمية المحذرة من تدهور الوضع وانفلات الحالة الأمنية.
ومراراً ما دعا المجتمع الدَّوْليّ الفرقاء السودانيين للتشاور، كان آخرها إعلان الأمم المتحدة، يوم أمسِ السبت، إطلاق مشاورات أولية بين الأطراف السودانية من المدنيين والعسكريين بهدف حل الأزمة التي يمر بها السودان.
وترى المعارضة أن ما حدث في 25 أكتوبر الفائت انقلاباً عسكرياً منذ إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، تعطيل العمل بالوثيقة الدستورية وفضّ الشراكة مع المدنيين.
لا تنفك قِوَى الحرية والتغيير بمواصلة دعواتها آلاف السودانيين للخروج في تظاهرات، رغم استقالة رئيس الوزراء السوداني حمدوك من تلقاء نفسه بعد أن عاد إلى السلطة عقب انقلاب البرهان بالاتفاق فيما بينهما.
تعتبر قِوَى الحرية والتغيير بأن اتفاق حمدوك والبرهان منح الشرعية لأحداث الخامس والعشرين من أكتوبر. واليوم تواصل التظاهر على انفراد العسكر بالسلطة بعد استقالة حمدوك.
وسبق أن أُقرّ "الإعلان السياسي" في 17 يوليو/تموز 2019، ووقع عليه قادة الاحتجاج في السودان والمجلس العسكري الذي حكم مباشرة بعد الإطاحة بالبشير، على مبدأ تقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تمتد على ثلاث سنوات. وينصّ الإعلان على إنشاء "مجلس سيادة" يدير المرحلة الانتقالية.
بعد مفاوضات، في منتصف أغسطس/ آب من العام نفسه، تم تشكيل مجلس السيادة الذي ضمّ ستة مدنيين وخمسة عسكريين برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان. وتمّ تعيين عبد الله حمدوك، الخبير الاقتصادي سابقاً في الأمم المتحدة، رئيساً للحكومة.
تجدد "الحرية والتغيير" دعواتها باستمرار للتظاهر مطالبة بحكم مدني للبلاد، ودعت الأحد 9 يناير 2022، للخروج بمسيرة (مليونية 9 يناير) في ظل تصاعد وتيرة التظاهرات من جهة، وعنف قوات الأمن من جهة أخرى، ما أسفر عن سقوط 60 قتيلاً من المتظاهرين، حَسَبَ لجنة أطباء السودان المركزية.
في المقابل، تعمد السلطات السودانية قبل انطلاق المسيرات على قطع الطرق والجسور المؤدية إلى الأماكن الرئيسية في العاصمة، إضافة لقطع الاتصالات وحدمات الإنترنت. كما تنشر تعزيزات عسكرية كثيفة في وَسْط الخرطوم لمنع وصول المتظاهرين إلى القصر الرئاسي وجهتهم الرئيسة.
مع بداية الشهرالحالي، أعلن "تجمع المهنيين السودانيين" و"تنسيقيات لجان المقاومة" اللذان يقودان هذا الحراك، عن خمسة "مواكب" خلال شهر يناير 2022 للتصعيد ضد حكومة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وقد رفعا شعار "لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة مع العسكر".مؤكدين استمرارهم بالتظاهر حتى رحيل المكوّن العسكري من المشهد السياسي وتسليم السلطة إلى المدنيين.
اقرأ أيضاً: السودان.. دعوات لمسيرات حاشدة اليوم وحقوق الإنسان تدعو لاحترام حق التظاهر
مع استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من منصبه في 2 يناير، متذرعاً بالفشل في التوصل إلى حل وَسْط بين الجنرالات والحركة المؤيدة للديمقراطية في البلاد، وازدادت الاضطرابات بالبلاد وَسْط الجمود السياسي واحتجاجات الشوارع التي أودت بحياة 60 شخصاً في الأقل.
دعوى أممية لإنقاذ عملية الانتقال السياسي
دعت الأمم المتحدة، يوم السبت 8 يناير، إلى محادثات في السودان تهدف إلى إنقاذ الانتقال الديمقراطي، وَسْط الأزمات الكبيرة بعد انقلاب أكتوبر واستقالة رئيس الوزراء الأسبوع الماضي.
وأفاد مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس، في بيان إن العملية السياسية التي تسيّرها الأمم المتحدة ستسعى إلى: "مسار مستدام إلى الأمام نحو الديمقراطية والسلام" في البلاد.
من المقرر أن توّجه الدعوة وفق بيرثيس، لكافة الأطراف الرئيسيين في السودان، بما في ذلك الجيش وجماعات المعرضة والأحزاب السياسية وحركات الاحتجاج للمشاركة في العملية وكذلك المجتمع المدني والجماعات النسائية.
وأضاف بيرثيس إن تكرار العنف ضد المتظاهرين منذ الانقلاب أدى إلى تعميق انعدام الثقة بالجيش بين جميع الأحزاب السياسية. محذراً من أن المأزق الحالي قد يدفع بالبلاد إلى مزيد من عدم الاستقرار و "تبديد المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المهمة" منذ الانتفاضة ضد البشير.
رحّبت العديد من الدول بالمبادرة الأممية، وأعربت كل من السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، عن دعمها لإعلان الأمم المتحدة إطلاق مشاورات أولية بين جميع الأطراف السودانية، بما فيهم المدنيون والعسكريون، بهدف حل الأزمة التي تشهدها البلاد.
ودعا بيان الرباعية، جميع الأطراف السياسية السودانية على "اغتنام هذه الفرصة لاستعادة انتقال البلاد إلى الديمقراطية المدنية بما يطابق الإعلان الدستوري لعام 2019".
بدورها، أعلنت جامعة الدول العربية في بيان السبت، تأييدها لإعلان الأمم المتحدة "من أجل تسهيل عملية سياسية تهدف إلى تيسير الحوار السوداني ومعالجة الصعوبات التي تواجه الفترة الانتقالية".
اقرأ أيضاً: واشنطن تجدد دعوتها لانتقال ديمقراطي في السودان وحماية المحتجين
وفي السابع من الشهرالجاري، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في اتصال هاتفي مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، اهتمام المنظمة الدولية باستقرار الفترة الانتقالية وتشجيع الحوار بين كافة الأطياف السودانية لضمان الانتقال السلس الذي يفضي لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحقق تطلعات وآمال الشعب السوداني.
ومن المتوقع أن يعقد مجلس الأمن الدَّوْليّ الأربعاء القادم، اجتماعاً غير رسمي للبحث في آخر التطورات في السودان.
تحفظ ورفض المعارضة للمبادرة الأممية
تباينت ردود الفعل للقوى السودانية المعارضة على مبادرة الأمم المتحدة. ففي الوقت الذي أعلنت فيه "قِوَى الحرية والتغيير" تمسكها بموقفها "بمواصلة العمل الجماهيري السلمي لهزيمة انقلاب 25 أكتوبر"، رفض تجمع المهنيين السودانيين هذه الدعوة قائلاً بأنها "تسعى للدفع تجاه التطبيع مع مجرمي المجلس العسكري الانقلابي وسلطتهم الفاشية".
"قِوَى الحرية والتغيير" قالت في بيان لها، بأن: "السودان دولة ذات عضوية في الأمم المتحدة، وبعثة يونيتامس لديها تفويض بموجب قرار مجلس الأمن 2524 لعام 2020 لدعم الانتقال المدني الديمقراطي في السودان، وعليه فإن تعاطي البعثة مع الوضع الراهن يجب أن يتوافق مع قرارات مجلس الأمن التي نصت على دعم عملية الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها".
وطالبت بتأسيس سلطة مدنية كاملة تقود الانتقال الذي يستكمل مهمات ثورة ديسمبر، والدعوة لانتخابات حرة ونزيهة في نهاية المرحلة الانتقالية.
في حين، رفض تجمع المهنيين السودانيين بشكل مطلق هذه الدعوة. قائلاً: "شعبنا الأبي أعلن بوضوح أن الطريق لحل الأزمة السودانية يبدأ بإسقاط المجلس العسكري الانقلابي بشكل تام، وتقديم عضويته للعدالة الناجزة على ما أفترفوه من مذابح ومجازر بحق الشعب السوداني المسالم الأعزل في محاكم خاصة".
اقرأ أيضاً: سودانيون يواصلون الاحتجاجات في ظلّّ تواصل انقطاع الإنترنت
وشكك بيان التجمع: بتحركات البعثة الأممية ووصفها بالمثيرة للجدل، قائلاً: "ظلت تحركات السيد فولكر منذ فترة مثيرة للجدل ومفارقة للمهام الموكلة للبعثة التي يقودها، فسعى سابقاً لتثبيت وحشد الدعم لاتفاق الخنوع الانقلابي بين السفاح البرهان والدكتور عبد الله حمدوك".
أبدى رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي لـ"حزب الأمة القومي السوداني"، إمام الحلو، وقوفه الحذر إلى جانب المبادرة، مشيراً إلى أنّ حزبه، من حيث المبدأ، "مع أي جهد داخلي وخارجي لإيجاد حل متوافق عليه ومقبول".
لكنّه استدرك بأن: "المبادرة التي طرحتها الأمم المتحدة نتاج تعنت المكون العسكري برفضه الجلوس مع الأحزاب السياسية، ما فتح الباب للتدخلات الدولية، بالتالي إننا نتخوف من حدوث وصاية دولية، وهذا يتحمل تبعاته العسكريون الذين يتحكمون في السلطة".
ويعاني السودان أزمة سياسية خطيرة على وقع التظاهرات المتواصلة التي تعم البلاد، عقب استقالة رئيس الوزراء حمدوك، وانفراد البرهان بالسلطة، وهو ما يرفضه المتظاهرون الذين يطالبون بتنحي العسكر عن السلطة في البلاد.
في الوقت الذي تحذّر فيه الدول الغربية الجيش السوداني من مغبة الانفراد بقرار تعيين رئيس وزراء جديد، وكان بيان صادر عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والنرويج أوضح: "أن وجود حكومة وبرلمان يتمتعان بالمصداقية في السودان خطوة ضرورية لتسهيل استئناف المساعدات الاقتصادية"، محذراً من خطر دخول البلد في نزاع. وقالت "إنها لن تدعم رئيس وزراء أو حكومة معينة دون مشاركة واسعة من الجهات المدنية المعنية بالأمر".
ويقول العديد من المحللين والدبلوماسين، بأنه ما لم يكن بالإمكان رسم مسار جديد نحو انتقال وانتخابات ذات مصداقية، فمن المحتمل حدوث مزيد من عدم الاستقرار داخل الحدود السودانية وخارجها. والانزلاق نحو الفوضى، والعنف
إعداد وتحرير: عبير صارم
ليفانت نيوز_ خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!