الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مصر تؤمّن عُمقها وتُغيّر قواعد اللعبة
إبراهيم جلال فضلون

الشرق الأوسط حقلُ أسئلة لا تعثر دائماً على إجاباتها إلا بالأفعال على أرض الواقع، ومعضلاته جمة جعلت من التحديات همُ كبير، لا يمكن أن يتحملُها إلا أولي العزم.


فهل يمكن أن نستيقظ ذات صباح يوم على نبأ تحرير قدسنا من العدوان الصهيوني، أو أن نجد دولنا المهدومة بل المُتحسرة على حالها بلا احتلال إرهابي من مليشيات تعمل بالوكالة، كحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وحوثي اليمن أو مرتزقة ليبيا وسوريا، وبعض فصائل فلسطين والمحسوبة على القضية، كحماس وأنصار بيت المقدس، ومحركهم الأصلي من أنظمة إيران السلطوية والإخوان المسلمين، بكافة أقطارنا العربية، وما صاحبها من تغييرات في أنظمة الحكم وموازين القوى السياسية حتى خلقت ثورات الربيع العربي جيلاً سياسياً غير مُدرك، مُتعطشاً لتغيير واقعه وصياغة مستقبله دون فهم لما يُحاك له أو من حوله، فيتابع الأحداث، ويعلق ويحلل ثُم يتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي مُعبراً عن رأيه بجرأة وسرعة وتلقائية، ومطلقاً على نفسه مهنة "ناشط سياسي".


فهل تغير شيء ما، أم أنَّ قواعد اللعبة تغيرت؟ أجل ولكن بالاتجاه المُعاكس لهويتنا.. وكأننا أمام انقلاب ضده نضال عبر فترة التحرر الوطني مُنذُ الخمسينيات والستينيات، ونشوء تحالفات جديدة.. كانت وغيرها إشارات وأجراس خطر، قابلها (صُمم وعمى) حجبا الرؤية في عام 1967، وبعد 73 وحتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتفرد أمريكا بالقوة، لتغيير كل قواعد اللعبة، ولم يُبادر أحد باللعب النظيف، حتى قامت ثورتا يناير ويونيو في مصر.


ولعل قليل من الدول العربية، كالسعودية ومصر، قد تنبهتا مُبكراً لتلك الُلعبة وآثارها المُستقبلية، فمُنذُ عهد الرئيس الراحل أنور السادات بالبروسترويكا، وقبل جورباتشوف، حتى إنّ القيادات حينها لم تأخذ برؤية السادات كسياسي مُحنك عرف حدود قواعد اللعبة، عندما اكتشف أنّ 99% من أوراق اللعبة بالمنطقة بيد أمريكا، وهو الذي ذهب لإسرائيل مباشرة لاستعادة الأرض علناً.. والأمر ذاته قام به الجندي والرئيس عبد الفتاح السيسي عندما ذهب مُبكراً لموسكو وهو وزير للدفاع، ثم جاء بوتين وغير المعادلة في حسم الصراع في سوريا، بل ومدت السعودية بدبلوماسيتها ورؤية ولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان، يد السلام لإيران عدة مرات، آخرها دعوة ولي العهد الأخيرة، ومن قبلها الإمارات التي احتلّ النظام الإرهابي جزرها الثلاث للآن.. فهل تستطيع إيران تحمّل تبعات ممارسة من هذا النوع، وقد نجحت في تمرير شبيه لها سابقاً؟ وهل تتعلم تركيا وإيران من أفاعيل ومخاطر نظام الحُكم فيهما الذي يتخطى دائماً الخطوط الحمراء وقطعتها اليد المصرية في ليبيا والسعودية في اليمن.


قد تختلف قواعد اللعبة السياسية من دولة إلى أخرى وفقاً لرؤيتها ومصالحها السياسية والاقتصادية، ولكنها في النهاية لا بد أن تستند على مبادئ وقيم أساسية لنجاحها، لفهم الصورة المتكاملة للعبة السياسية الدائرة على الساحة وتكوين رؤية واعية؛ تعمل بالتدريج على تغيير قواعد اللعبة لتكون في صالحها نهاية المطاف، كما فعلت مصر مع إسرائيل حتى لطمتها في حرب أكتوبر المجيد، أي بلهجة مصرية "هدي اللعب شوي". فمثلاً القرارات المصرية بخصوص غزة والسودان لها شقّان، أولهما إنساني، وثانيهما استراتيجي مرتبط بالأمن القومي، حيثُ أثارا حراكاً كبيراً، وحملا رسائل كثيرة في عدة اتجاهات، كلها كانت تؤدي لعنوان واحد، وهو تغير قواعد اللعبة، فمصر تؤمّن عمقها الاستراتيجي وأمنها القومي، فقدمت مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة نتيجة ما أحدثهُ صهاينة الماسونية مؤخراً، وقيامها بدور الوساطة وبذل الجهود لوقف العدوان وفتح معبر رفح لعلاج المصابين، ثم مشاركتها في مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، ومساعدتها على تسوية مديونياتها من خلال استخدام حصة مصر لدى صندوق النقد الدولي بل وضمانها لمواجهة الديون المشكوك بتحصيلها.


يعلم الجميع أنّه هناك طرف قوي وطرف أقوى وطرف آخر مُستضعف مجبور على قواعد اللعبة التي يرسمها الطرف الأقوى لحين استكمال عناصر قوته، وهو ما تفعله مصر في سد النهضة الممول من أطراف تتربص بدولنا العربية، وكذلك ما تفعله السعودية والإمارات في قضيتهما مع إرهاب واحتلال إيران التي تستغل وغيرها من بعض الدول، وكلاءهم بتنظيمات إرهابية، واستخدام القضية الفلسطينية، كأوراق ضغط لتحقيق مصالح لها، بعيداً عن مصالح الفلسطينيين أنفسهم، وخلق مناطق تواجد ونفوذ لها في المنطقة.. والسؤال هو هل تستطيع إيران إطلاق صواريخها على ميناء حيفا، وهل يستطيع حلفاؤها احتمال عواقب ذلك؟... فالظرف الحالي في المنطقة يختلف تماماً بالنسبة إلى إسرائيل وأمها الأمريكية. فهل تستطيع إيران اليوم مثلاً تكليف «الجهاد» و«حماس» بإطلاق موجة من العمليات الانتحارية في العمق الإسرائيلي؟ وهل يستطيع لبنان، الغارق في الانهيار، احتمال حرب جديدة مع إسرائيل؟ وهل يستطيع النظام السوري احتمال انطلاق الصواريخ من أرضه؟ وهل تتحمل ليبيا مرتزقة تركيا؟.


إنّ العالم في ساحة مباراة تتشابك خيوط لاعبيها وفقاً لمصالحهم والأهداف التي رسمها كل طرف من أطراف هذه اللعبة لتحقيق أنانيته، ولو على حساب العالم أجمع وأجساد بشريته، كما ظهر بالهيمنة على اللقاحات دون النظر لحياة الآخرين من فقراء دول لم تحصل على اللقاح للآن، ودون الأخذ بعين الاعتبار لمختلف الأبعاد الدولية والإقليمية والمحلية.. وقد أطلق مُنظرو السياسة على نماذج هذه اللعبة مسميات عدة، مثل (شد الحبل، القط والفار، العض على الأصابع، لعبة رفع سقف المطالب، وحافة الهاوية)، ولكل منا الحق في معرفة أي نموذج يلعبه حالياً.


إبراهيم جلال فضلون


ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!