الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
مستجدات القهر السوري لعام 2022
عبير نصر

قياساً ببلد كان في حالة حربٍ "أهلية" لمدة عشر سنوات طاحنة، تشهد سوريا حالياً حالة "مريبة" من الهدوء النسبي، إلا أنّ هذا الهدوء لم يُسقطها من تصدّر قائمة أبرز "الأجندات" في الشرق الأوسط. وحقيقة إنْ نُفِخ الغبار عن وجهِ هذه البلاد المُتعبة، ستظهر قذارات اللعبة السياسية الدولية، بعدما غدت سوريا أشبه برقعة شطرنج تمتد إليها أيادي اللاعبين من خلال نافذة المصالح والمطامع التي تتحكم بحركات اللعبة كلها. والأمثلة كثيرة على مسرح التطورات الصادمة التي تطال سوريا، حتى في خرابها الأخير.

وفي السياق، أعلنت الجزائر دعمها الكامل لتحسين العلاقات بين العالم العربي ونظام الأسد، في وقت أثار فيه تقرير بريطاني غضب السوريين لتصنيفه دمشق أسوأ مدن العالم معيشة لعام 2022، واعتبر ناشطون أنّ التصنيف صفعة مؤلمة للسوريين، بعدما تحولت عاصمتهم التاريخية الجميلة إلى أسوأ مدن العالم بسبب استمرار حكم الأسد الفاشي الذي يُجرى تعويمه بصفاقةٍ مستفزّة. على صعيد آخر أعلن الرئيس الأوكراني إنهاء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعد اعترافها باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين المواليتين لروسيا. مؤكداً أن "ضغوط العقوبات على دمشق الحليفة لموسكو ستزداد شدّة".

في هذا الوقت، أدلى رئيس لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، باولو بينيرو، بتصريحٍ مفاده: "هذه هي الهاوية التي يواجهها الشعب السوري العالق بين الأطراف المتحاربة، والذي يتعرض للقمع والاستغلال من قبل الجهات المسلحة في كلّ مكان". يزيد الطين بلّة أنه مع انهيار العملة المحلية، سيسهم استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا في زيادة ضغط الأسعار، ما سيدفع المزيد من السوريين إلى قاع الفقر. على هذا حذرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية من الأثر السلبي للغزو الروسي لأوكرانيا على ملف المساعدات الأممية للشمال السوري، وقالت في تقرير: "إن ملايين السوريين سيتعرضون للخطر إذا فشلت الولايات المتحدة وروسيا في إبرام اتفاق بشأن تسليم المساعدات". مشيرة إلى أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا وانهيار علاقاتها مع أعضاء مجلس الأمن الآخرين قاد إلى عدم اليقين بشأن مستقبل ممر المساعدة. بدورها، صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كانت قد حذّرت من استخدام روسيا ملف تمديد الآلية الأممية لإدخال المساعدات إلى سوريا كورقة ضغط للحصول على تنازلات في الشأن الأوكراني.

ولا تتوقف فداحة الأمر هنا، إذ يبدو أنّ الأطماع التركية الجديدة ستترجم على أرض الواقع قريباً. يأتي ذلك على وقع ارتفاع وتيرة تهديدات تركية، ومن فصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من أنقرة، بشنّ عملية عسكرية مشتركة ضد "قسد"، وسط استنفارٍ في القواعد العسكرية المنتشرة في شمال وشمال شرقي حلب، ووصول تعزيزات عسكرية ضخمة للقوات التركية تضم آليات عسكرية مصفحة، ومدافع ثقيلة ودبابات وعدداً كبيراً من الجنود، عبر منفذ باب السلامة شمال حلب، وانتشارها في المواقع العسكرية القريبة من منطقة تل رفعت ومناطق دابق ومارع شمال حلب، ووصول معدات عسكرية لوجستية، بالإضافة إلى أجهزة وأنظمة تشويش على الطيران، إلى المناطق الجنوبية من تركيا، وتمركزها بالقرب من الحدود السورية، استعداداً لبدء العملية العسكرية.

من جهته، أعلن مصدر عسكري في فصائل المعارضة الموالية لأنقرة، أنّ كلاً من المجلس العسكري لمدينة منبج وتل رفعت المدعومين من تركيا، إضافة إلى كافة فصائل الجيش الوطني السوري والقوات التركية، باتت على أهبة الاستعداد والجاهزية القتالية العالية، وبانتظار ساعة الصفر للبدء بالعملية العسكرية. وقال إنّ تحالف قوات النظام السوري و"قسد"، وانتشارها بشكل مشترك في مناطق تل رفعت وجوارها، لن يؤخر أو يلغي العملية العسكرية، مشيراً إلى أن استهداف طائرة تركية موقعاً عسكرياً تابعاً لقوات النظام، وإصابة اثنين من عناصرها، وسط مدينة تل رفعت، كان بمثابة رسالة واضحة من تركيا، بأنه يتوجب على قوات النظام مغادرة المناطق التي حددتها القوات التركية هدفاً لعملياتها العسكرية المقبلة.

في المقابل، دفعت موجة المناورات الروسية والإيرانية الأخيرة ضد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، القائد العسكري الجديد للمنطقة، إلى التفكير جليّاً في كيفية الردع دون إثارة صراع موسّع. وعلى هذا الأساس، التقى الجنرال مايكل إريك كوريلا، الذي تولى رئاسة القيادة المركزية الأميركية في أواخر يونيو/ حزيران، بعشرات من قوات العمليات الخاصة والمتدربين الأجانب المتمركزين في قاعدة التنف المترامية الأطراف في شرق سوريا. وقال كوريلا: "سوف يضغطون من أجل إعادة رسم بعض الخطوط الحمراء". موضحاً أن "آخر شيء تريد واشنطن القيام به حالياً هو بدء نزاع مع روسيا". إلا أنه أكد أن قوات بلاده "ستدافع عن نفسها ولن تتردد في الرد". جاءت تلك الزيارة بعد أيام فقط من هجوم مقاتلات روسية على قاعدة تابعة للمعارضة السورية في التنف، فيما ذكر مسؤول أميركي أنّ المسؤولين العسكريين الروس أخطروا الأميركيين بنيتهم الهجوم قبل 35 دقيقة من بدئه، بحسب ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وتستمر المستجدات السورية على مسرحِ القهر السوري، حيث نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي قصفاً جديداً استهدف جنوب طرطوس في سوريا، منذ أيام قليلة مضت، بحجة ضرب مواقع لتخزين السلاح تابعة لحزب الله كانت ستُنقل على الأغلب إلى لبنان. وكشفت مصادر إسرائيلية أنّ الضربة الجوية التي وجهتها تل أبيب لطرطوس استهدفت مشروعاً سريّاً لإيران يسعى لبناء دفاعات جوية متطورة لميليشيا الأسد يمكن أن "تغير قواعد اللعبة" في المنطقة على حدّ قولها.

وفي تقرير لها ذكرت صحيفة " أوف إسرائيل" نقلاً عن القناة 12 الإسرائيلية، أنّ قائداً كبيراً في ميليشيا الحرس الثوري هو من يقود "جهداً جديداً" لنشر أنظمة إيرانية في سوريا، حيث يسعى لإدخال أنظمة دفاع جوي يمكنها إحداث تأثير جديد وتغيير ما سمته بقواعد اللعبة بالمنطقة.  على صعيد متصل وصل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى سوريا مؤكداً أن "رحلته تتمحور حول السلام والأمن في المنطقة الواقعة بين سوريا وتركيا". سبقها زيارة إلى أنقرة، أكد خلالها أنه "يتفهّم" الحاجة إلى عمليةٍ عسكرية تركية جديدة ضد المقاتلين الأكراد في سوريا. وعلى غرار نظيره الروسي لافروف، الذي أثارت تصريحاته حول اللاجئين موجةً من الغضب حتى في أوساط الموالين، قدّم عبد اللهيان فرضية جديدة تربط بين القصف الإسرائيلي وعدم عودة اللاجئين إلى بلادهم، فيما أثارت تصريحاته حول موضوع اللاجئين، بشكل خاص، سخرية واسعة من قبل السوريين على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة اللاجئين منهم، معتبرين أنّ عبد اللهيان (كذّب الكذبة وصدّقها)، لافتين لما فعلته ميليشيات إيران بالسوريين على مدار عقد من الزمن، والجرائم التي ارتكبتها بحقهم، فيما سخر آخرون من شعارات المقاومة والممانعة التي تطلقها إيران ضد إسرائيل، في حين أنها لا تحرك ساكناً عند كل قصف يطال عناصر ميليشياتها ومقراتها في سوريا.

نافل القول إنه لا شك الصــورة قاتمة جداً مع كلّ الأحداث الدموية التى شهدتها البلاد والمستجدات الأخيرة التي تزيد الأوضاع سوءاً، إلا أنها أوضح صورة درامية لبلدٍ ما زال يمثّــل مركز الثقل السياسي، كذلك بؤرة الصراعات والأزمات في أمة امتدت حدودها، في زمن مضى، من شمــال الصين شرقــاً إلى شمــال إسبـانيـا.

ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!