الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مركز "توثيق الجرائم" وعقوبات جنائية.. النمسا تقود تياراً أوروبياً لمكافحة الإسلام السياسي

مركز
321654987

تتبنى السلطات النمساوية خطاً سياسياً صارماً حيال تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة على أراضيها، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، تخطى كشف أنشطة وأدوار وقيادات هذه التنظيمات إلى خطوات محددة لمكافحتها ووضع نهاية لتحركاتها، وإنهاء ظاهرة المؤسسات الموازية التي تعيق الاندماج في المجتمع.


وفي برنامج الحكومة التي أدت اليمين الدستورية منذ قليل، قرر حزبا الائتلاف الحاكم؛ الشعب "يمين وسط"، والخضر "يسار"، تشديد إجراءات مكافحة تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة، إلى حد باتت معه فيينا تقود خطاً سياسياً واضحاً وصارماً في أوروبا ضد هذه التنظيمات.


منصة "الإخوان" في أوروبا 


ظهرت جماعة الإخوان، أبرز تنظيمات الإسلام السياسي في النمسا، لأول مرة في الدول الغربية في أواخر خمسينيات وأوائل ستينيات القرن الماضي، حينما هربت قيادات الجماعة، وأبرزها يوسف ندا وسعيد رمضان، من الدول العربية، للاستقرار في مدن أوروبا وأمريكا الشمالية، وفق دراسة "الإخوان المسلمون في النمسا" التي أعدها لورينزو فيدينو، مدير مركز التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية بمشاركة جامعة فيينا النمساوية وهيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في النمسا.


وذكرت الدراسة "دشن الإخوان وجودهم في النمسا في ستينيات القرن الماضي، عندما وصل يوسف ندا، والقيادي الأخر في الجماعة أحمد القاضي، فيينا، قبل أن ينتقل الأخير للولايات المتحدة ويؤسس شبكة الجماعة هناك".


وتابعت "استغلت الإخوان عدم وجود مساجد أو منظمات للمسلمين في المدن الأوروبية، وبدأوا في غرس وجودهم عن طريق إنشاء أماكن صغيرة للصلاة والاجتماعات، ثم مؤسسات مظلية"، مضيفة "وبعد ذلك، ظهرت تنظيمات الإسلام السياسي الأخرى، مثل الاتحاد الإسلامي التركي "أتيب"، وحزب الله اللبناني، وغيرها".



فيما ذكرت وثيقة للبرلمان النمساوي مؤرخة بـ6 فبراير 2015، ومكونة من صفحتين، أن الإخوان "رسخت أقدامها في النمسا، خلال العقود الماضية، وتملك شبكة واسعة من المؤسسات والوكالات التي تثير أنشطتها الريبة".


وتابعت "أبرز مؤسسات الإخوان في النمسا هي رابطة الثقافة الإسلامية، والمعهد الإسلامي، ومنظمة شباب النمسا الإسلامي".


وكاشفاً تحركات الجماعة في النمسا، قال أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة فيينا "حكومية"، رودجر لولكر في تصريحات خاصة، إن "الجماعة تعمل كتنظيم سري مغلق، وتتخذ النمسا قاعدة لأنشطتها في الدول العربية وأوروبا". وأضاف "جماعة الإخوان تعقد لقاءات سرية في الأراضي النمساوية بحضور قياداتها في أوروبا، وتدور حول أنشطة الجماعة في القارة وسبل توسيع دوائر نفوذها".


وتابع أن "الإخوان هي أبرز تنظيمات الإسلام السياسي، لكنها ترتبط بعلاقة قوية، تصل للتحالف، مع "أتيب" التركية".


اختراق النظام السياسي


لا يتوقف الأمر عند ذلك، حيث قال بيتر بيلتس، النائب السابق في البرلمان، وزعيم قائمة "الآن" المعارضة، في حوار مع وكالة الأنباء النمساوية الرسمية "ايه بي ايه"، في مارس الماضي، إن النظام السياسي في النمسا مخترق من الجماعات الإسلامية التركية والإخوان.


وأوضح بيلتس "الأخطار المرتبطة بالإسلام السياسي في النمسا، ازدادت بشكل درامي"، مضيفاً "الاتحاد الإسلامي التركي "أتيب" والإخوان المسلمين هما الخطران الأساسيان". وأضاف "رسخت أتيب والإخوان، والمجتمع الإسلامي التركي (اي جي جي او)، وجود الإسلام السياسي في البلاد، ووصل الأمر لاختراق نظامنا السياسي".


وأوضح "هناك محاولات من الإخوان للتقرّب من حزب الشعب الحاكم (يمين وسط)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط/ حزب المعارضة الرئيسي)". واستطرد قائلاً: "يجب أن نبحث أيضاً ما إذا كانت جماعة الإخوان تؤثر بشكل أو بأخر على التشريع في النمسا".



المواجهة.. إجراءات متدرجة وقوية 


في مواجهة خطر الجماعة وتنظيمات الإسلام السياسي الأخرى، دخل في 1 مارس (آذار) الماضي، قانون حظر شعارات التنظيمات المتطرفة في النمسا، حيز التنفيذ. وتضمنت قائمة الشعارات المحظورة، شعارات وأعلام جماعة الإخوان، وحزب الله اللبناني، وجماعة الذئاب الرمادية التركية المتطرفة. 


ومع انتهاء مفاوضات الائتلاف الحاكم الجديد الذي من المقرر أن يحكم البلاد حتى 2024، قبل أيام، بدا واضحا أن حزبا الشعب والخضر، قررا المضي قدماً في إجراءات التصدي للإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة في الأراضي النمساوية.


وقال المستشار سباستيان كورتس في تصريحات صحفية الخميس الماضي "ينص البرنامج الحكومي على تشديد إجراءات التعاطي مع تيارات الإسلام المتطرف، والجماعات الدينية المتطرفة، لحفظ أمن البلاد، وضمان عدم وجود مجتمعات موازية فيها".


وبالفعل، تضمن برنامج الحكومة الذي أطلعت "ليفانت نيوز" على نسخة منه، إنشاء مركز "توثيق للإسلام السياسي" على غرار مركز "أرشيف المقاومة النمساوية" المختص بتوثيق وتحليل جرائم اليمين المتطرف.


ويتولى مركز "توثيق الإسلام السياسي" تحليل اتجاهات وتحركات التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وتوثيق جرائمها. ووفق البرنامج الحكومي، فإن مركز "توثيق الإسلام السياسي" سيكون مؤسسة مستقلة مدعومة مباشرة من الحكومة النمساوية، ويتولى نشر كتب ومقالات وأبحاث جديدة، وأرشفة المنشورات الحالية، المتعلقة بالإسلام السياسي.


كما يتولى المركز وضع خطة عمل كاملة لمكافحة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وفي مقدمتها الإخوان، وحزب الله اللبناني، في الأراضي النمساوية.


وبالإضافة للمركز، نص البرنامج الحكومي في الجزء الخاص بتحقيق العدالة، على إجراء تعديل تشريعي لتغليظ العقوبات الجنائية في جرائم التطرف المدفوع دينياً، وخاصة جرائم تنظيمات الإسلام السياسي.


أما فيما يتعلق بالاندماج، تريد الحكومة فرض مراقبة وإشراف حكوميين على مدارس ومراكز تنشئة الأطفال "حضانات" التابعة لتنظيمات الإسلام السياسي، كخطوة أولى لمنع ظهور كيانات موازية تعيق الاندماج في المجتمع.


النمسا تقود أوروبا


في تصريحات خاصة، قال لورينزو فيدينو، أبرز باحث غربي في شؤون الإسلام السياسي: "كانت النمسا خلال الخمسين عاماً الماضية، ملاذ آمن للإخوان وغيرها من التنظيمات، وقيادتها وعناصرها، وقاعدة لأنشطتها في الدول العربية وأوروبا".


وتابع "استغلت هذه التنظيمات وضع النمسا الدولي كدولة محايدة سياسياً، وامتلاكها بنية تحتية جيدة وصحافة حرة، وفرص استثمار جيدة، ونظام بنكي فعّال". وأشار إلى أن "نفوذ الجماعة الكبير في النمسا، في العقود الماضية كان نابعاً من معادلة بسيطة هي قوتها المالية ونشاطها الكبير وتعاطي الحكومات السابقة معها كشريك".


إلا أنه قال إن "صورة الإخوان وغيرها من تنظيمات الإسلام السياسي، تغيرت كثيراً في النمسا خلال الفترة الماضية". وتابع "بات هناك توافق عام في أجهزة الأمن، وأروقة السياسة على أن هذه التنظيمات تمثل خطراً أمنياً واجتماعياً"، مضيفاً "لم تعد هذه التنظيمات شريكة للحكومة أو وسيطاً للتواصل مع المجتمع الإسلامي في النمسا (700 ألف شخص)، بل تسود نظرة عدائية ضدها في الحكومة وسلطات الأمن".


وتابع "النمسا تقود حالياً نهجاً عدائياً وصارماً من الإخوان وغيرها من التنظيمات المتطرفة، في أوروبا وتعتبرها خطراً على المجتمع، وستواصل اتخاذ اجراءات تحد من نفوذها، وتعرقل أنشطتها".


ومضى قائلاً: "الوضع تغيّر في النمسا منذ صدور دراسة الإخوان في النمسا في 2017، حيث زاد الوعي في المجتمع والحكومة والشرطة بأفكار تنظيمات الإسلام السياسي وأجندتها والخطر الذي تمثله".


وتابع "بسبب هذه الدراسة، ونهج السلطات العدائي، خسرت الإخوان كثيراً من نفوذها في النمسا خلال العاميين الماضيين، كما أن المواطنين العاديين بات لديهم وعي بدور الجماعة المسبب للمشاكل".


لكن رودجر لولكر وضع يده على مشاكل رئيسية تواجه السلطات النمساوية في ملف مكافحة تيارات الإسلام السياسي، حيث قال "هناك أزمة كبيرة تواجه عمل سلطات إنفاذ القانون فيما يتعلق بالجماعات الإسلامية المتطرفة، وهي الافتقار للدعم اللوجستي".


وأوضح "لا يوجد عناصر في قوات الأمن تجيد اللغة العربية، وبالتالي لا تستطيع السلطات معرفة ما يجري داخل أروقة مؤسسات الإخوان وتيارات الإسلام السياسي، أو إجراء تحقيقات فعّالة في أنشطتها".


وتابع "كما أني أشك في قدرة هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" على التعامل بفاعلية مع هذا الملف، ولا أعتقد أنها تراقب مؤسسات الإخوان". وتابع "لكن لابد من أن تضع الهيئة الإخوان تحت الرقابة، وتعتبر أنشطة الجماعة أولوية".


وتخضع هيئة حماية الدستور، التنظيمات والأفراد الذين يمثلون خطراً كبيراً على الديمقراطية ويهدفون إلى تقويض النظام السياسي، لرقابتها.


ومنذ 2014، تحاول دول أوروبية التحقيق في أنشطة الإخوان، مثل بريطانيا التي أجرت مراجعة شاملة لملف الجماعة، فيما قامت دول أخرى مثل ألمانيا بوضع مؤسسات الجماعة تحت رقابة هيئة حماية الدستور، لكن النمسا تبقى صاحبة السياسات الأقوى ضد الجماعة وغيرها من التنظيمات المتطرفة.


وبعد 47 يوماً من المفاوضات، أدت الحكومة النمساوية المشكلة من الشعب والخضر، وبزعامة كورتس، ظهر اليوم، اليمين الدستورية، أمام الرئيس ألكسندر فاندر بيلن. 


صحفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!