-
مخاض السلطة الرابعة في شمال وشرق سوريا.. مسودة قانون الإعلام
إعداد: إسماعيل الملا رشيد
أقرّ نص "ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا" في المادة ٣٧، بأن يكفل القانون حرية الإعلام والصحافة والنشر، كما تناولت المادة ٦٣ من الفصل الخامس الشكل التنظيمي لهيكلتها، من خلال إدارة، تحت مسمى "مكتب الإعلام"، إلى جانب ثمانية إدارات أخرى رئيسية، تنسق فيما بينها لتطبيق الميثاق على أرض الواقع.
والتزاماً بوثيقة العقد الاجتماعي، نشر مكتب الإعلام مسودة قانون الإعلام كمشروع للنقاش، تطرح المسودة بعد نقاشها وتداولها على الهيئات المختصة، وفق آلية تُمرّر مسلَّكيا للموافقة عليها، وسنّها كقانون ملزم من السلطة التشريعية، بعد اطلاع السلطة القضائية على مواءمة القانون للدستور، الذي تبنته الإدارة كعقد اجتماعي.
نظرياً تقول القاعدة: عندما تكون سلطة القضاء بخير، البلد يكون بخير، وعليه تستمد السلطات الأخرى قوتها من القانون.
وعملياً عند تشكيل المؤسسات والهيئات والمنظمات العاملة في دوائرها، تواجه السلطة الكثير من المصاعب والتحديات في حال عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، بالتالي وجود فوضى تعرقل عمل القضاء، وضياع البوصلة لتحديد السلطة المخولة لصناعة القانون.
لمعرفة كيفية تطبيق القانون وآلياته على أرض الواقع، في ظل عدم وضوح المشهد في شمال وشرق سوريا، وقدرة القانون على التلاؤم مع قوانين وعمل المؤسسات الأخرى، تحدّث الرئيس المشترك لمكتب الإعلام في شمال وشرق سوريا، الاستاذ عامر مراد قائلاً:
أنَّ سن القوانين ومضمامينها، ووجودها بالصيغة التي تصبح فيه مرجعاً للبت في أي أمر إعلامي مختلف عن تطبيق القانون، فتطبيق القانون أمر آخر ويحتاج إلى آليات وسبل وجهود مختلفة، لكن يبقى وجود القانون ضرورياً، وفي كافة الظروف وبجميع متغيراتها.
عدم الوعي بالعمل الإعلامي من قبل الجهات المسؤولة أو المواطنين قد يعيق الصحفي في عمله
بعد المصادقة على القانون، لدينا خطط وآليات للعمل على تطبيق القانون، كافة المشاكل التي واجهتنا سابقاً، كانت بسبب عدم وجود قانون واضح ومفصل، فالوضوح في القانون والتفصيل فيه، وعدم إهمال أي مسألة هي من مقومات تطبيق القانون، بالإضافة لزيادة التنسيق بين القائمين على إدارة الحالة الإعلامية وباقي المؤسسات، التي قد تكون عائقاً أمام التطبيق الفعلي للقانون، حيث يجب ألا ننسى أن الوعي ونشره في هذا المجال هو الفيصل، فعدم الوعي بالعمل الإعلامي من قبل الجهات المسؤولة أو المواطنين قد يعيق الصحفي في عمله، بدءاً من مسألة غياب الانفتاح على الإعلام، وليس انتهاء باعتداء البعض من المواطنين على الصحفيين، بالإضافة لتجاوزات الصحفيين للقيم الموجودة في لوائح الشرف الصحفية أو حتى القانون نفسه.
تحديات التنوع القومي والثقافي في شمال وشرق سوريا.. هل ستزيد من آلام المخاض للسلطة الرابعة ؟
عند طرح أي مشروع للنقاش يخصّ المجتمع، سواءً الجمهور المتفاعل منه، أو المؤسسات والأفراد العاملين في حقل الإعلام؛ تبرز تحديات مجتمعية من اختلاف الثقافات والانتماءات القومية والدينية والتوجهات السياسية.
ومن المآخذ على محتوى مسودة مشروع القانون، بأبوابه الستة وفصوله أنها لم تراع جدية هذه التحديات، في بيئات مختلفة ينعدم فيها الأمن والرؤية المستقبلية لمصير الحروب السائدة، وفي تناول المآخذ تحدث الرئيس المشترك الأستاذ عامر قائلاً: "بالطبع غياب القانون يفضي إلى الفوضى، وبالتالي إلى التراجع في الأداء، كذلك في تقديم ما هو واجب تقديمه من قبل الوسيلة الإعلامية كمحتوى يفيد المواطنين، بل إنه يزيد من تفاقم بعض المشاكل والأزمات وهذا مايحتم وجود قوانين.
ما واجهناه من مشاكل، لم يكن مرتبطاً بالتنوع الموجود من حيث المكونات وقيمهم الثقافية وغير ذلك، بل إن المشاكل كانت في ايجاد قانون يتلاءم مع ظروف الحرب وما بعد الحرب، كقانون يصلح لفترة زمنية أبعد من الفترة الاستثنائية التي نعيشها، ويحظى بالقبول ويتوافق مع تطلعات جمهور الصحفيين المطّلعين على التجارب العالمية في صياغة هكذا قوانين، لذلك جاء القانون كجسم متجانس، يتضمن صيغة القانون، بكل ما يميزه من صرامة وروح ممارسة لحرية الرأي، كاملة بكل سبلها القانونية والأخلاقية.
منح الرخص وسحبها..
من هي الجهة التي ستمنح التراخيص، وتراقب المضامين للوسائل الإعلامية في شمال وشرق سوريا، ومن ضمنها أكثر وسيلتين إعلاميّتين متابعةً، فضائيتا روناهي و روداو ؟
في التحقيق والبحث عن جواب للجهة التي ستمنح الرخص للوسائل الإعلامية، وتراقب محتواها ومضامينها، ذكر رئيس المكتب الإعلامي بأنه: "سيتشكل وفق القانون جسم يسمى بمجلس الإعلام، هذا الجسم هو من يقوم بتسجيل المؤسسات وترخيصها، بناء على طلبات تقدم لها من جهة تعتبر صاحبة الإمتياز، ونعتمدها كمالكة مادية للوسيلة الإعلامية، ومسؤولة عن مايرد فيها من محتوى إعلامي".
مزاولة الصحافة دون خوف أو محاباة" انطونيو غوتيرس
هل يستطيع قانون الإعلام ترسيخ المادة ١٩ من الأعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟
"مبدأ حرية الرأي والتعبير"
في عام ٢٠١٥ تم وضع قانون للإعلام من قبل الإدارة الذاتية، وجاء القانون بشكله الاسعافي لتدارك الظروف و التطورات المليئة بالأحداث. لم يستطع القانون السيطرة على حالات الانتهاك، أقلّها التي ارتكبت من قبل السلطات في مناطق نفوذها.
وبحسب شبكة الصحفيين الكرد في سوريا، تم توثيق الانتهاكات من خلال تقارير سنوية، أظهرت النسبة التصاعدية في حالات القتل والاعتداء والضرب والمنع والخطف، بما فيها من حالات الاعتقال المستمر والمؤقت.
حيث تم توثيق ٩ حالات انتهاك بحق الصحفيين خلال عام ٢٠١٥، وأوضح التقرير بأن حالات الاعتقال ازدادت على يد السلطات الكوردية خلال عام ٢٠١٥، بنسبة ٥٠٪ عن العام ٢٠١٤، كما تساوت حالات الضرب والتعدي على الصحفيين، وفي عام ٢٠١٦ تضاعفت الحالات ما بين قتل واعتداء وضرب وخطف واعتقال مستمر ومؤقت بنسبة ١٠٠٪ عن سابقه في ٢٠١٥، فيما نشر التقرير لعام ٢٠١٧ بأنه حلَّ على العاملين في الحقل الاعلامي؛ أقسى من العام السابق بزيادة ستة حالات انتهاك.
بينما تراجعت حالات الانتهاك من قبل سلطات الإدارة الذاتية بين عامي ٢٠١٨ و ٢٠١٩، مقارنة بارتفاع الحالات من قتل وخطف وتهديد قامت بها الدولة التركية والفصائل الموالية لها في نفس الأعوام في المناطق التي تحت نفوذها.
وقد أبدّت رئيسة شبكة الصحفيين الكرد في سوريا، الأستاذة سلوى سليمان؛ عن رؤية الشبكة حيال القانون الجديد الذي طُرح كمسودة مشروع، وعن مدى قدرة القانون تخفيف آلام المخاض العسير الذي تعانيه السلطة الرابعة في شمال وشرق سوريا.
بعد الانفتاح الإعلامي الكبير، الحاصل في المناطق الكردية في سوريا، والكم الهائل من وسائل الإعلام من محطات تلفزيونية وراديوهات ومواقع إلكترونية و جرائد ومجلات، أصبح المواطن في شمال شرق سوريا يختار وسيلته الإعلامية التي تناسب نمط حياته أولاً، وتتوافق مع أفكاره وميوله السياسية والحزبية ثانياً.
ولكن النقص يكمن في عدم قدرة هذه الوسائل بإشراك الجمهور في المحتوى، وهنا لايستطيع المواطن ان يكون مشاركاً في مضمونها، وبذلك يتجاهل الإعلام متطلبات المواطن وتطلعاته إلى حد كبير. ولابد من التنويه بأن جميع الوسائل الإعلامية كل منها تخضع لسياسات وتوجهات خاصة بها، فمهما كان الصحفي مهني ومستقل لايستطيع تجاوز سياسة مؤسسته، وطبعاً هذا منافي لجميع القوانيين والمواثيق الدولية المعنية بالمبادئ والقيم الديمقراطية والمنظمة للعمل الإعلامي، والضامنة لحرية الإعلام والآخذة بعين الاعتبار حق المواطن بتمتع بإعلام وصحافة حرة تلبي متطلباته.
المكتب الإعلامي كان بمثابة عصا في وجه الإعلاميين
كما هو معلوم لدى الجميع، بأن مكتب الإعلام هو تابع إدارياً للإدارة الذاتية الديمقراطية، في شمال وشرق سوريا وتمثلها رسمياً. ومنذ تأسيسه، وإلى اليوم وهو الذي ينظم عمل الصحفيين في المنطقة، من منح التراخيص للمؤسسات والأفراد وتوجيهم، ولكن كانت أيضاً بمثابة العصا في وجه الصحفيين، فأصدرت قرارات عديدة بمعاقبة الصحفيين وإيقافهم عن مزاولة المهنة وسحب الرخص، فهي بالنهاية تابعة للسلطة الحاكمة وهنا لابد من جهة ضامنة ومدافعة عن حقوق الصحفيين.
في الفترة الأخيرة قررت الإدارة الذاتية مع مكتب الإعلام ومجلسها بإصدار قانون للإعلام، ودعوا العديد من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في المنطقة للمشاركة في كتابة القانون وهي خطوة مباركة طبعاً، وتم إرسال نسخة من مسودة قانون الإعلام لشبكة الصحفيين الكرد السوريين لإبداء الرأي، ونحن بدورنا رحّبنا بهذه الخطوة، ومن واجبنا أن نساهم في كتابة قانون يرتقي لسمو هذه المهنة، وتم النقاش عليها من قبل الهيئة الإدارية لشبكة الصحفيين الكرد السوريين وأعضائها، وكانت النتيجة ١٦ ملاحظة ضمن مسودة القانون. نتمنى بدورنا من مكتب الإعلام والإدارة الذاتية أخذها بعين الاعتبار، وإلا سيبقى القانون كسابقه، لأنه لافائدة من إصدار قانون جديد بالاسم فقط.
إن لم يعدَّل الدستور سيكون إنشاء أي نقابة مشوهاً
تسعى الإدارة أيضاً إلى تشكيل نقابة للدفاع عن الصحفيين وحمايتهم، ولكن إن لم تعدَّل المسودة فستكون هذه النقابة مشوهة.
كيف للتنظيم النقابي أن يدافع عن حقوق الصحفيين والمؤسسات من الانتهاكات، وفي الوقت ذاته مشارك بالمراقبة والعقوبات التي تصدر بحق هؤلاء الصحفيين، وتكون مرتبطة بالسلطة بذات الوقت.
وأخيراً أودُّ التأكيد على أننا في شبكة الصحفيين الكرد السوريين، مستعدون دائماً للعمل المشترك، وتطوير الإعلام والصحفيين والدفاع عن حقوقهم.
في محاولة للعثور على أجوبة لبعض الاستفسارات، بأنه لماذا تسعى الإدارة في ظل الوضع الراهن، الحصول على قانون من خلال طرح مسودة مشروع جديدة، وماهي الإيجابيات والسلبيات الملاحظة في فصولها؛ أظهر لنا الصحفي والباحث الكردي الأستاذ آلجي حسين بعض النقاط من خلال قرائته لبنود المسودة:
بدايةً، تعتبر الأمم المتحدة أن حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان بحسب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتصب حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات هي الهدف التنموي الأوسع نطاقاً، والمتمثل في تمكين الناس من التحكم بمسار حياتهم الخاصة، من خلال الوصول إلى معلومات دقيقة ونزيهة وحيادية، بحسب المنظمة الأممية.
"أعتقد أن قانون الإعلام في شمال وشرق سوريا والذي طُرح كمسودة للنقاش، يسعى لتأسيس إيديولوجيا قانونية – أخلاقية في تلك المناطق"، لأن الإعلام يهدف إلى خدمة المجتمع في نهاية المطاف، وأن حرية الصحافة أولوية في جميع أنحاء العالم من أجل ضمان الشفافية والمساءلة وسيادة القانون، وتعزيز المشاركة في الخطاب العام والسياسي، والإسهام في مكافحة الفقر؛ أعتقد أن قانون الإعلام في شمال وشرق سوريا والذي طُرح كمسودة للنقاش، يسعى لتأسيس إيديولوجيا قانونية – أخلاقية، في تلك المناطق التي تعيش حالة من الاستقرار النسبي، تحت لواء الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا".
القانون مهم جداً وشامل لكل المراحل العملية، ويدافع عن حقوق الصحفيين كما هو الحال في الدول المتقدمة، ومن الضروري الإشادة به، ولكن توجد بعض التساؤلات، حيث يذكر القانون أن المؤسسات الإعلامية "هي المؤسسات التي تقوم بإدارة ثلاث وسائل إعلامية أو أكثر"، والسؤال هنا، على أي أساس تم اختار ثلاثة فقط؟
كما يذكر أنه سيحافظ على "حرية الإعلام وحرية التعبير والرأي وضمان تعددية وسائل الإعلام في شمال وشرق سوريا"، فما هي الآليات المناسبة لذلك؟ ومن المهم معرفة أسس منح مهمة عمل لمراسلي الوسائل الإعلامية وما هي الضوابط لذلك.
يعتبر "مقداد مدحت بدرخان" الأب المؤسس للصحافة الكوردية التي لعبت دورها التنويري، في زمن لم تمتلك الصحافة سلطتها لمواجهة الإيدولوجيات المدمرة للمجتمعات، وبينما نحن نعيش في زمن ديموقراطية الألفية الثالثة، حيث تلعب الصحافة دوراً مهماً في الرقابة على السلطات الثلاثة والتأثير على الرأي العام.
إذاً، برأيكم هل تستطيع السلطة الرابعة في شمال وشرق سوريا تجاوز آلام المخاض، وولادة صحافة حرة تتخلص من كابوس القيود الإيديولوجية وتحترم الفكر البشري؟.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!