-
ماذا بعد انتخاب الأسد؟
ربما كانت الانتخابات الرئاسية التي سيجريها بشار الأسد في شهر أيار المقبل إحدى الرهانات التي عوّلت عليها الدول الداعمة للحل السياسي للأزمة السورية وفق مسار جنيف، لإلزام بشار الأسد على تطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤، وحثّه لعدم إضاعة المزيد من الوقت في ظل انهيار شبه تام للأوضاع الإنسانيّة والمعيشية التي تعيشها البلاد. انتخاب الأسد
إلا أن تحديد موعد الانتخابات وإعادة بشار الأسد لترشحه لولاية رابعة، تنذر بأن روسيا، حليفة النظام السوري، ما زالت بعيدة عن الالتزام بالحلّ السياسي وفق مسار جنيف، وعجزت عن إقناع المجموعة الدولية المصغرة الداعمة لمسار جنيف للاعتراف بشرعية هذه الانتخابات. وفي الوقت ذاته، تأكيد فشل هذه الدول في ثني موسكو عن إجراء الانتخابات، أو تأجيلها ريثما يتم التوصل لتوافقات دولية من شأنها دعم العملية السياسية، أو توفّر مناخات أفضل لبدء العملية التفاوضية، والدخول في مناقشات جديّة حول الدستور السوري.
الإصرار والتحدي الروسي للأسرة الدولية، يوقد لهيب الأزمة من جديد، ويبعث في الأسد ونظامه روح الانتصار على إرادة الشعب السوري المطالب بتغييره، فليس الاعتراف الدولي بانتخاباته، أو عدم تصويت نصف سكان سوريا، من المهجرين والنازحين، إلا ترفٌ ديمقراطي لا حاجة له في بلد يخوض حرباً منذ عقد، ولن يُغيّر من النتيجة على الأرض، لطالما لا توجد نيّة روسية لاستبداله، أو تُقدمْ على الغدر به بعد عشر سنوات من الأزمة.
أمام هذا المشهد السياسي الذي تحاول روسيا رسم ملامحه لسبع سنوات قادمة، باتت الإدارة الأمريكية، وأكثر من أي وقت مضى، أمام تحدٍّ للإعلان، إما عن الاستمرار في توكيل إدارة الأزمة لروسيا وتركيا، أو تُقنع الشعب السوري والمعارضة والدول الحليفة بعزمها على لعب دورها الحيوي والمؤثر في ضبط مسار حل الأزمة، من خلال "مشروعها" الذي طال انتظاره في سوريا والمنطقة.
لم تعلن الإدارة الأمريكية الجديدة، وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على أداء الرئيس، جو بايدن للقسم، عن سياساتها الخارجية في سوريا والعراق، إلا أنّ موعد الإعلان هذا بات وشيكاً وفق تقاليد الحكم الأمريكية.
قُبيل وضوح الرؤية الأمريكية وعلى الأرض، في أقصى الشمال والشرق السوري، لم يهدأ سفيرها الخاص، ديفيد براونشتاين منذ توليه لمهامه، في تهيئة المناخات الإيجابية بين مكونات المنطقة وقواها السياسية والمجتمعية والإثنية، ولم تهدأ الدوريات الأمريكية في مراقبة التحركات العسكرية في مناطق التوتر المختلفة بين القوى المتصارعة المحلية والدولية هناك، ورسالة الطمأنة "البقاء هنا إلى أجل غير مسمى"، بعد أن فقدت الأمل في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سوريا، على المدى المنظور، مقابل التحدي الروسي في إعادة تأهيل الأسد رغم كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها طوال العشر سنوات الماضية، وصلت لسكان المنطقة وقواه السياسية والمجتمعية الذين غدروا سابقاً من قبل الرئيس السابق، دونالد ترامب، عندما وجدوا أنفسهم وحيدين أمام همجية القوات التركية والمليشيات السورية التابعة لها أثناء احتلالهم لمدن رأس العين (سري كانيه) وتل أبيض (كري سبي).
من نافل القول: إن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تترك سوريا كلها لروسيا وحلفاء الأسد الإيرانيين، كما أنها لا تستطيع تجاهل مدى تأثير موسكو في اتخاذ القرارات المصيرية عن الأسد ونظامه، ومن هنا، بات الخيار الأمريكي في إقامة "إقليم آمن" يضم كافة مكونات شمال شرق سوريا، هو الأقرب إلى التوقع والتنفيذ المرن خلال الفترة القادمة، مقابل دفع روسيا للأسد بالمضي نحو تجاهل كل النداءات الدولية والابتعاد عن الحلول التي تنقذ الشعب السوري من محنته.
بدون شك، لا يخفى على واشنطن وحلفائها الأوربيين حجم الضغوطات التي تمارسها روسيا وإيران والنظام مؤخراً، على حزب الاتحاد الديموقراطي، من أجل وضع صناديق الانتخابات في مناطق سيطرتها، وذلك لاعتبارين: الأول، توسيع دائرة الشرعية الانتخابية للأسد على عموم الجغرافيا السورية، باستثناء المناطق التي تسيطر عليها الفصائل العسكرية السورية في إدلب ومنطقة درع الفرات، وفي عفرين ورأس العين وتل أبيض، بعد أن خسر حوالي ٣٥٪ من مساحة سوريا، والتي يعيش فيها قرابة خمسة ملايين نسمة. والاعتبار الثاني، هو توجيه رسالة لأمريكا والغرب أن روسيا ما زال لها الدور الأهم في إدارة الأزمة السورية، وتملك من الأوراق ما يكفي للتأثير على الكرد حلفاء أمريكا، حيث برز ذلك جلياً في دفع تركيا نحو تصعيد هجماتها العسكرية في عين عيسى تزامناً مع التهديد الروسي بالانسحاب من المنطقة من أجل إرغام الحزب إلى تسليم عين عيسى إلى قوات الأسد تفادياً لأي معركة مفتوحة خاسرة مع القوات التركية والمليشيات السورية، كما ولجأت قبل أيام للقيام بدور الوساطة بين قوات الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية وميليشيات الدفاع الوطني المحسوبة على عضو مجلس الشعب السوري، محمد الفارس، بعد نشوب قتال بينهم في حي الطي بقامشلو، أجبر الأخير، وبطلب روسي، على الخروج من الحي لتحل محلها قوات الأمن الداخلي للنظام السوري، بحسب الاتفاق الروسي - قسد.
أعتقد سلوك موسكو في التأكيد على مقارباتها للحلول المجتزأة لصالح النظام، وآخرها إجراء الانتخابات الرئاسية، سيدفع بواشنطن نحو سعيها الذي انطلق منذ قرابة العام في خلق بيئة آمنة في شمال وشرق سوريا لإقامة إدارة حكم أكثر تشاركية تضم كافة مكونات المنطقة، من الكرد والعرب والسريان والكلدو آشوريين، وتخرج بها حزب الاتحاد الديموقراطي من دائرة الابتزاز الروسي - التركي - النظام، ويقرأ هذا السعي الأمريكي الجاد في تكثيف السفير الأمريكي، دافيد براونشتاين، للقاءاته مع قادة قطبي الجانب الكردي (المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية)، بغية تذليل العقبات التي اعترضت سير تقدّم المفاوضات المتوقفة منذ ما يقارب الثلاثة أشهر الماضية، وقيامه بزيارة إلى إقليم كردستان العراق ولقائه بقيادات الإقليم ومسؤولين في الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، و"معلومات" غير مؤكدة عن لقائه بقيادات من حزب العمال الكردستاني، لما يعتقد لهذه الأطراف من أثر ودور فعّال على الوضع الكردي الداخلي في سوريا، بهدف تسريع وتيرة الوصول إلى اتفاق سياسي شامل بين الطرفين الكرديين السوريين، ينطلق منها إلى حوار شامل مع باقي المكونات، والإعلان عن إدارة ذاتية أكثر تشاركية تعبّر عن كافة أطياف المجتمع في شمال وشرق سوريا، لا تكون لها أي صبغة قومية أو دينية، وتبدّد الكثير من الهواجس لدى حلفاء واشنطن، مثل تركيا والمعارضة وبعض الدول العربية والغرب، إلى جانب تحجيم مساعي روسيا وإيران والنظام في العبث بأمن واستقرار منطقة شرق الفرات. انتخاب الأسد
ليفانت - عبد الوهاب أحمد
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!