الوضع المظلم
الجمعة ٢٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ما بعد عين عيسى
عبد الباري

هل كانت مناوشات عين عيسى الاخيرة بمثابة رسالة واضحة المعالم للإدارة الذاتية بأن تتبع بعض الخطوات السياسية كي تبقى حاضرة في المشهد السياسي السوري مستقبلاً؟


لم تكن تلك المناوشات التي دامت أياماً قليلة بمثابة اعلان حرب من قبل تركيا فحسب بل كسب الرأي العام الاقليمي والدولي بأنها تحارب الارهاب، وما صرح به جيفري لاحقاً لهي أدلة دامغة بأن القادم أسوء، فمن باب النصح حذر جيفري قوات سوريا الديمقراطية من أخطاء وسياسات قد تكون سبباً لحرب قادمة تشنها تركيا على هذه القوات، فقد أكد المسؤول الاميركي بأن تقطع الإدارة شحنات النفط إلى دمشق، وأن لا تعلن عن أي صفة استقلالية أو حكم ذاتي كي لا تعيش مأساة الاستفتاء في كردستان العراق، وأن تفك ارتباطها من pkk حزب العمال الكردستاني، وأخيراً أن لا تفكر في مهاجمة تركيا.


من يقرأ خطاب جيفري يدرك تماماً عمق العلاقات بينه وبين اردوغان، كونه يهدد الإدارة الذاتية بأن مغادرة قوات بلاده من سوريا قد تتعرض هذه الإدارة للانهيار، لأن قوات سوريا الديمقراطية لا يمكن وحدها أن تحارب تركيا ولا الارهاب، ولا يمكن بأي شكل أن تقف روسيا والنظام كمشاهدين فقط، بل سوف يعملون على السيطرة على مناطق الإدارة، من هنا يلمح جيفري إلى التعاون بين واشنطن و الإدارة كون الاخيرة بحاجة إلى دعم عسكري وتدريب مستمر لقواتها ، وهي بنفس الوقت بأمس الحاجة للدعم الدبلوماسي الاميركي، ما يمكن أن نقرأه وبعجالة وبهذا التوقيت الحرج أن واشنطن تعمل بالضغط على النظام كي ترضخ موسكو للعملية العسكرية والسياسية التي تتمحور بتطبيق العقوبات على دمشق وحلفائها، وتقنع تركيا بالتوقف عن التغلغل في الشمال السوري، والسماح لإسرائيل بضرب المواقع الإيرانية والسورية، ومراقبة المشهد من قبل القوات الاميركية في الشمال الشرقي لكل تحرك، وأن تقوم بالردع ضد أي تحرك عسكري لقوات النظام، ولا يمكن لهذا المشهد أن يتحقق إذ لم تقوم قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع القوات الأميركية.


بذات السياق ما زال الغموض يلف المشهد السياسي والعسكري في المنطقة خلال هذه الفترة الانتقالية، أي حتى يدخل بايدن البيت الابيض، حينها قد تنتهج أميركا معالم سياسية جديدة وهذه المعالم هي أن سوريا ورقة ضغط تستخدمها واشنطن كي تحقق استراتيجيتها في المنطقة، ومنها أنها أي واشنطن سوف تجدد مساعيها الدولية لوقف برنامج إيران النووي، حينها من الممكن أن يعمل بايدن على أنهاء الحروب التي لا نهاية لها، كي تربح النسبة الاعلى من التأييد السياسي والاجتماعي بتواجدها في الشرق الاوسط، لأن وامريكا خسرت كثيراً من نفوذها جراء سياسات ترامب واوباما، ومن هذه السياسيات الخاطئة أن قواتها انسحبت جزئياً من بعض المناطق مما توضح جلياً ضياع بوصلة الخطوط المرسومة بين قواتها وقوات روسيا من جهة وبين قواتها وقوات تركيا من جهة أخرى، هذا الخلط قد يدفع بايدن إلى الاحتفاظ بقوة محلية ودعمها(قوات سوريا الديمقراطية) كحليف لها على الأرض لمحاربة داعش.


بايدن ومن خلال قراءته للمشهدين السياسي والعسكري في سوريا بات على يقين بأن الحرب لا يمكن أن تنهي الازمة، وحتى تكسب أميركا صفقاتها مع روسيا وتركيا وتحقق الاهداف الحقيقية  لا بد أن تهتم بالجانب الإنساني، وترميم ما تهدم من المفاوضات من خلال الاطار العام للأمم المتحدة، وتحسين آليات الحوار بين الاطراف السورية، وأن تمنع الاعمال العسكرية العدائية في شمال شرق سوريا، وكون المشهد السوري مجزأ، لابد أن يقدم  بايدن وفريقه آليات أفضل في مجالات شتى(المالية والقانونية والدبلوماسية والسياسية وحتى العسكرية) والعمل عليها مجتمعة وليس بشكل منفصل، ولا يمكن النجاح لو لم يعمل بايدن على بناء التحالفات وبثقة أكبر مع شركائها الاوروبيين وبعض الدول العربية، وكانت هذه الدول تجتمع بشكل دوري لكن إدارة ترامب لم يستثمر هؤلاء الشركاء، وأن تعمل وتشترك هذه "المجموعة الصغيرة" على مجموعة نقاط أهمها تحديد الموعد النهائي للجنة الدستورية ، كي لا تعمل روسيا من استغلال الوقت ويحتفظ بالنظام بشكل دائم، وأن تبقى اسباب الازمة دون حل أو نتائج، حتى يخوض الأسد الانتخابات القادمة 2021 والفوز فيها        ،من جانب آخر سوف تعمل إدارة بايدن على تشجيع الامم المتحدة بتشكيل آلية جديدة لمراقبة الانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا، وفي حال رفض النظام هذه الآليات سوف تكون سبباً مباشراً لتقويض شرعية الفوز المحتمل للأسد.


أما الجانب الاكثر اهمية لإدارة بايدن هي تسريع  المصالحة الكردية الكردية في سوريا ومنع الاقتتال بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلي حكومة الاقليم في كردستان، لأن الاستقرار في الشمال السوري وحل الخلافات  يسهل من عمل إدارة بايدن، كي لا تتذرع تركيا وتقوم بحملة عسكرية اخرى وهي تتمة لما حدث قبل أيام في عين عيسى، بالمحصلة سوف تعمل واشنطن على التقارب بين قوات سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي كي تقطع الطريق أمام حجج تركيا الواهية، وسوف تعمل واشنطن بنفس الوقت على فك ارتباط هذه القوات ع قوات حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا، كي تشارك قوات سوريا الديمقراطية في اجتماعات الامم المتحدة كجزء مهم من المعارضة السورية بموجب قرار الامم المتحدة رقم 2254، ولا يمكن العمل بمنأى عن موسكو والتوصل معها إلى حل يرضي الطرفين ومن خلالها يمكن تحقيق  نتائج في المفاوضات، كون موسكو تتزعم منصة استانا مع إيران وتركيا.


هل تصبح عين عيس بداية النهاية للأزمة في سورية؟ أم ستصبح بوابة لبايدن كي يرسم سياسته الاستراتيجية في شمال وشرق سوريا وتدعم وتثبت معالم الإدارة الذاتية؟ وتصبح جغرافية متممة لفدرالية أقليم كردستان، في عالم السياسة والمصالح لا يمكن استبعاد أسوء الاحتمالات، كون امريكا تعمل وفق تحقيق مصالحها أولاً، ووفق مصالح حلفائها(تركيا) التي تحمل بيدها الآن مفاتيح التوازنات في المنطقة، بذات السياق لا يمكن أن تتجاهل واشنطن حليفتهم الميدانية(الكرد) كونهم قاتلوا معهم في محاربة تنظيم "داعش" والمشهد السوري بات واضحاً للرأي العام فقد سقطت الدولة القومية المركزية بمفاهيمها الحزبية والقومية، ولا يمكن تحقيق أي حل دون مشاركة الكرد، هذه الدولة القوموية ما زال الدول الضامنة تعمل على إعادتها وبلبوس أسلاموي، لكن الخيار الافضل لواشنطن هو النظام التعددي الديمقراطي والذي جسدته قوات سوريا الديمقراطية مقارنة مع كل الفصائل المسلحة في سورية.


مما يلاحظ جلياً أن مسار أطراف استانا وسوتشي تعمل لتحقيق مطامعها من خلال مشاركة ممثل عن الائتلاف في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد يُدخلون بعض الوزراء في الحكومة الجديدة، أما مسار المجتمع الدولي ومن خلال قرارات مجلس الأمن التي تقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية مهمتها التحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية وبمراقبة دولية، هذان المساران سوف يعملان على تقوية أوراقهم المادية كي تحقق أكبر نسبة من استراتيجياتها، من هنا لا يمكن استبعاد مناوشات عين عيس كنقطة ارتكاز لكل المعنيين بأن تصبح طاولة مستديرة تجمع كل المتخاصمين، وليس مستبعداً أن يقلب بايدن الطاولة على كل الخصوم ويستفرد بنفط شمال وشرق سوريا وكل ثرواتها، ويصبح الكرد واقعاً سياسياً وإدارياً وعسكرياً في المشهد السوري الجديد.    


   عبدالباري احمه.

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!